شهدت ولاية الجزيرة في السودان تصعيداً عسكرياً حاداً، حيث شنّت قوات الدعم السريع هجمات متكررة، عقب انشقاق القيادي أبو عاقلة كيكل وانضمامه إلى الجيش السوداني، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، وفق مصادر محلية، وسط إدانات دولية للأحداث، واتهامات متبادلة بين أطراف الصراع بتحمل مسؤولية تفاقم الأوضاع.
ووُجهت أصابع الاتهام لقوات "الدعم السريع" بارتكاب "انتهاكات وجرائم عنف وعمليات قتل جماعي"، إلّا أنها حمّلت الجيش السوداني، مسؤولية ما يجري، زاعمة أنه دعا المواطنين إلى حمل السلاح وفتح مخازن الأسلحة التابعة للشرطة، فيما اعتبرت الخارجية السودانية أن ما يقوم به "الدعم السريع" في شرق الجزيرة وسهول البطانة "حملات انتقامية ترقى لمستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي".
ووسط الأحداث الدامية التي تشهدها ولاية الجزيرة، كشفت سيدة سودانية تنحدر من الولاية عن سقوط 8 من أقاربها في هجوم قالت إن قوات "الدعم السريع" شنّته على بلدة "السريحة" في محيط مدينة الكاملين، فيما لا يزال مصير إحدى بنات عمومتها مجهولاً.
وقالت السيدة، التي طلبت عدم ذكر اسمها،إن عدداً من أهلها وجيرانها من سكان البلدة المنكوبة خسروا العشرات من ذويهم بين قتيل وجريح، فيما يبقى مصير مئات السيدات مجهولاً، بعد أن حاولن مغادرة المنطقة إلى بلدات مجاورة، صباح الجمعة 25 أكتوبر، قبيل هجوم "الدعم السريع" عليها، حسب قولها.
وفي وقت سابق الجمعة، زعمت لجان مقاومة مدينة الحصاحيصا شمال ولاية الجزيرة السودانية، نقلاً عن مصادر محلية سقوط 124 شخصاً وإصابة أكثر من 200 آخرين إثر هجوم نفذته قوات "الدعم السريع" على السريحة، وذلك في ظلِّ تردي وانقطاع شبكات الاتصال بالمنطقة.
ومنذ إعلان قائد الدعم السريع في الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، انشقاقه وانضمامه للجيش السوداني، تتواتر الأنباء عن عمليات عسكرية مكثفة، وخاصة في مدينتي "تمبول" و"رفاعة" ومحيطهما شرقي الولاية، قبل أن تنتقل المعارك إلى الغرب أيضاً.
وتتهم لجان محلية في الولاية قوات "الدعم السريع" بتنفيذ "حملة انتقامية" ضد من وصفوهم بـ"عائلة كيكل وعشيرته" في هذه المناطق.
وناشدت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، في بيان، الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي بالضغط لفتح ممرات آمنة، وتمكين الصليب الأحمر و"أطباء بلا حدود" وغيرهما من المنظمات من الوصول لمواطني قرى الجزيرة الذين "يتعرضون لإبادة جماعية من قِبَل ميليشيات الدعم السريع".
ودعت اللجنة إلى تصنيف الدعم السريع "منظمة إرهابية"، و"معاقبة الدول الداعمة لها أو على الأقل إجبارها على وقْف دعمها الذي زاد من أمد الحرب"، بحسب البيان.
واستهجنت دول غربية ومنظمات دولية ما وصفته بـ"انتهاكات" الدعم السريع في ولاية الجزيرة، مشددة على أنها ستعمل من أجل تحقيق العدالة.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 نزاعاً مسلحاً بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
من جهتها، زعمت مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان، سليمى إسحق، في تصريحات لـ"الشرق"، "تسجيل 26 حالة اغتصاب في الجزيرة منذ بداية 2024".
وادّعت أن عدد حالات الاغتصاب قد يكون أكبر من هذا، بسبب نقص المعلومات بشأن ما يحدث في الولاية ومناطق سودانية أخرى، موجهة أصابع الاتهام لقوات "الدعم السريع".
فيما اعتبر الصحافي عبد المنعم أبو إدريس، أن انتهاكات "الدعم السريع" تصاعدت في شرق وشمال الولاية، عقب انشقاق أبو عاقلة كيكل وانضمامه للجيش السوداني.
واعتبر أبو إدريس لـ"الشرق"، أن قريتَي "مكنون" و"صفيتة الغنوماب" نالتا نصيب الأسد من الانتهاكات التي وقعت في الجزيرة، قائلاً إن "16 شخصاً بينهم امرأة لقوا حتفهم في القرية الأولى، فيما سقط 14 شخصاً آخرين في الأخرى".
وأضاف: "أما في مدينة تمبول فلا تزال الجثث منذ عدة أيام ملقاة على قارعة الطريق"، وفقاً لمعلومات استقاها من شهود عيان هناك، ولم يستبعد الصحافي السوداني أن يكون عدد الضحايا أكبر في ظل انقطاع الاتصالات وشُح المعلومات.
وزعم أن قوات الدعم السريع "هجَّرت سكان 32 قرية بالقوة، ونهبت ممتلكات وسيارات وآلات زراعية ومحاصيل زراعية".
ورأى أبو إدريس أن التهجير القسري يجري في ولايات الجزيرة وكردفان فحسب، متسائلاً عن الغاية من وراء هذا، مشيراً إلى أنه يميل للاعتقاد بأن "الهدف هو تهجير سكان مناطق الإنتاج الزراعي تمهيداً لجلْب آخرين".
في المقابل، حمّل عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع الباشا طبيق، المسؤولية عما يجري للجيش السوداني، زاعماً أن القوات المسلحة السودانية دعت المواطنين لحمل السلاح وفتحت مخازن الأسلحة التابعة للشرطة.
وادّعى أن ""الحركة الإسلامية بقيادة وزير الخارجية السوداني السابق علي كرتي، خططت لزرع الفتنة القبلية، لتنفيذ المخطط الذي رسمه (قائد الجيش السوداني عبد الفتاح) البرهان وأجهزته الاستخباراتية والأمنية".
بدوره، مضى عضو المكتب الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع عمران عبد الله، في الاتجاه ذاته، معتبراً أن الذين تعرَّضوا لاعتداءات في شرق الجزيرة "ليسوا جميعهم مدنيون"، واعتبر، أن المستفيد من استمرار الحرب هي "الحركة الإسلامية"، مشيراً إلى أن قواته حذَّرت سابقاً من تسليح المواطنين وطالبتهم بالبقاء في منازلهم وعدم شن هجمات مسلحة.
وتحدّث عبد الله عن استعداد قوات "الدعم السريع" لفتح تحقيق حول ما جرى، مدعياً أن 8 قرى في الجزيرة سلّمت أسلحتها وطلبت حمايتهم، وحمّل البرهان مسؤولية ما وصفها بـ"مجزرة الجزيرة".
وتابع بالقول: "إن الذين يمارسون الانتهاكات في ولاية الجزيرة لا ينتمون لقواتنا، والأرقام التي يتم تداولها حول عدد الضحايا مبالَغ بها".
واعتبر المحلل السياسي المقرب من "الدعم السريع" الطاهر الحبيب المحبوب، أن الاتهامات التي تطال "الدعم السريع" غير صحيحة، ورأى في تصريحات لـ"الشرق"، أن "من يروّج لهذه الادعاءات ينفّذ إملاءات الحكومة السودانية".
كما اعتبرت قوات "الدعم السريع" في بيان أن "الهزائم المتلاحقة التي تعرّضت لها ميليشيات الحركة الإسلامية، ولجوئها لتسليح المقاومة الشعبية، وكتائب العمل الخاص في قرى ولاية الجزيرة، أدّت إلى زج المئات في القتال ثم الانسحاب للتباكي على مصيرهم والمتاجرة بدمائهم".
وحمّل البيان، قائد الجيش السوداني المسؤولية الكاملة عما تشهده ولاية الجزيرة من اشتباكات، مشيراً إلى أن البرهان "أعلن على رؤوس الأشهاد تسليح المدنيين تحت مسمى المقاومة الشعبية".
وحذّرت قوات الدعم السريع من أنها "لن تتهاون مع المجرمين، وستضرب بيد من حديد كل من يحمل السلاح، ولن تقف مكتوفة الأيدي في مواجهة ما يُسمّى بالعمل الخاص والمقاومة الشعبية".
في المقابل، قال رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان إن "من غير الممكن التسامح مع الميليشيا الإرهابية"، في إشارة إلى "الدعم السريع"، معتبراً أن "تمادي هذه الميليشيا في سفْك دماء المواطنين الأبرياء، تزيد عزيمة الشعب السوداني على المقاومة".
وشدد البرهان على أن "انتهاكات القانون الدولي الإنساني والجرائم ضد الإنسانية لن تمر دون عقاب".
من جانبها، أكدت وزارة الخارجية السودانية أن ما تقوم به قوات الدعم السريع في شرق الجزيرة وسهول البطانة هي "حملات انتقامية ترقى لمستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي"، وقدرت وقوع مئات الضحايا، وتشريد عدة آلاف من سكان قرى الولاية.
ودعت الحكومة السودانية المجتمع الدولي لإدانة "هذه الحملات بشكل فوري وقوي، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمحاسبة مرتكبيها وقادة ورعاة الميليشيا الإرهابية، ووقْف تدفقات الأسلحة والمرتزقة لها"، بحسب بيان رسمي.
واعتبر حاكم إقليم دارفور مني أركو منّاوي أن "الانتهاكات التي تقوم بها الدعم السريع في شرق الجزيرة دليل إضافي على تاريخها السيئ، داعياً العالم إلى "عدم الوقوف مكتوف الأيدي".
أما وزير المالية السوداني ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، فقد وصف ما يجري بأنها "جرائم فظيعة ترتكبها قوات الدعم السريع في حق المدنيين الأبرياء شرق الجزيرة"، معتبراً أنها "ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بكل المقاييس".
وتعهّد منّاوي بالعمل على "عدم إفلات من يبقى منهم، هم ومن شايعهم من ممتهني السياسة"، في إشارة إلى قوات الدعم السريع وأنصارهم من الناشطين السياسيين.
أما محمد الناير، المتحدث باسم حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، فيرى أن "حالة التحشيد القبلي والعِرقي والمناطقي غير المسؤولة، والزج بالقبائل والمواطنين في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، هي مقدمة لحرب أهلية طاحنة"، وقال إن "السودان بات أقرب إلى التفكك والانهيار أكثر من أي وقت مضى".
وفي السياق ذاته، قال المبعوث الأميركي إلى السودان توم بيريلو، إن بلاده "تراقب هجمات الدعم السريع المروّعة على المدنيين، بما في ذلك عمليات القتل والعنف الجنسي المستهجنة في ولاية الجزيرة".
واعتبر بيريلو أن "الدعم السريع والجيش فشلا في الإيفاء بالتزاماتهما تجاه القوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين"، متعهداً بمواصلة العمل "ضد المسؤولين عن الانتهاكات".
وبشأن الوضع في السودان بشكل عام، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، في رسالة إلى الكونجرس، إن النزاع المسلح يُشكل "تهديداً استثنائياً وغير عادي للأمن القومي الأميركي".
وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن "الصور المروّعة القادمة من ولاية الجزيرة مقلقة للغاية"، لافتاً إلى أن التقارير الواردة من هناك تزعم أن "قوات الدعم السريع ارتكبت المزيد من عمليات القتل الجماعي والاغتصابات".
وشدد على "ضرورة وقف المجازر ضد المدنيين ومحاسبة الجناة"، مشيراً إلى أن الاتحاد الأوروبي سيواصل العمل لتحقيق العدالة.
أثار انشقاق أحد قادة قوات الدعم السريع السودانية، في ولاية الجزيرة، جدلاً واسعاً، وسط توقعات بانشقاق آخرين، ومطالبات بمحاكمته على جرائمه السابقة.
من جانبها، عبَّرت منسقة الشؤون الإنسانية الأممية في السودان، كليمنتاين نكويتا سلامي، عن شعورها بصدمة واستياء عميقين من "تكرار انتهاكات حقوق الإنسان جرت في دارفور العام الماضي، مثل الاغتصاب، والهجمات الموجهة، والعنف الجنسي، وعمليات القتل الجماعي في ولاية الجزيرة"، واصفة إياها بأنها "جرائم فظيعة".
وذكرت سلامي أن التقارير الأولية تفيد بأن "قوات الدعم السريع، شنت هجوماً كبيراً على شرق الجزيرة، في الفترة بين 20 إلى 25 أكتوبر الجاري".
وأضافت أن "مقاتلي الدعم السريع أطلقوا النار على المدنيين بشكل عشوائي، وارتكبوا أعمال عنف جنسي ضد النساء والفتيات، ونهبوا الأسواق والمنازل على نطاق واسع وأحرقوا المزارع".
وقالت إن عدداً من سكان قرى الجزيرة، بما في ذلك "صفيتة الغنوماب"، و"الهلالية"، و"العزيبة"، تعرّضوا للاعتداءات الجسدية والإذلال والتهديدات، ما دفع عشرات المدنيين للفرار من منازلهم بحثاً عن الأمان، بينما يواجه من تبقى منهم تهديدات خطيرة.
وأردفت بالقول إن "مهاجمة المدنيين والأعيان المدنية والبنية التحتية العامة محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني"، مشيرة إلى أن ذلك كله "أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف فوراً، يجب حماية المدنيين أينما كانوا".
قد يهمك أيضــــاً:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر