دمشق - جورج الشامي
أبدت المعارضة السورية خيبة أملها من نتائج اجتماع "أصدقاء سورية"، في إسطنبول، الأمر الذي دفع رئيس "الائتلاف الوطني" المعارض معاذ الخطيب لتجديد استقالته، رافضًا أن يكون شاهد زور على ما يجري، منتقدًا تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته حيال السوريين، في حين تدور مباحثات أوروبية في شأن شراء النفط السوري من المعارضة، في طريقة لدعمها غير المباشر.
تزامن هذا مع تأكيد
من مصادر داخل الائتلاف بأن استقالة أو إقالة هيتو من تشكيل الحكومة الموقتة مسألة وقت ليس إلا، بينما كشفت مصادر صحافية عن لقاء جمع الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله سرًا، وقبل أسبوعين، مع المرشد الأعلى لدولة إيران علي خامنئي، لبحث تطورات الوضع السوري، وخطة الدفاع المشترك عن البلاد.
يأتي هذا عقب كشف مصدر بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض أن "وزير الخارجية الأميركي جون كيري أبلغهم، في اجتماع إسطنبول، أن لقاءًا سيجمعه خلال أيام مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الذي بحث معه الوضع السوري، في اتصال هاتفي، وأن البند الأول على جدول أعمال الاجتماع سيكون سورية".
وكشفت مصادر صحافية عن أن اللقاء بين نصر الله وخامنئي جاء تنفيذًا لإتفاق الدفاع المشترك في سورية، ونية إيران لتغيير الاستراتيجية من الدفاع نحو الهجوم، مشيرة إلى أن نصر الله التقى أيضا قائد فيلق "القدس" قاسم سليمان، لإجراء مباحثات سرية، وذلك مع تزايد قلق حلفاء النظام السوري، وعلى رأسهم إيران و"حزب الله"، من الدعم العربي والغربي للمعارضة السورية، لافتة إلى التوجه الإيراني لإنفاد إتفاق إيراني سوري للدفاع المشترك، حال تمادي الغرب في دعم الجيش "الحر"، حيث تعتبر إيران أن المعارضة السورية تنفذ أجندات غربية، مؤكدة أن الوضع السوري سيطر على اللقاء.
وتتمثل الرغبة الإيرانية لتعديل موازين القوى على الأرض في سلسلة خطوات أبرزها "إرسال المزيد من آلاف المقاتلين إلى سورية، للدفاع عن نظام الأسد، بعد التنسيق مع العراق، وتعديل الاستراتيجية، والتحول من الدفاع إلى الهجوم، وحماية المقامات الدينية في سورية، إثر دعوات على مواقع التواصل لهدمها، واعتبار الدفاع عن سورية خطوة تمهيدية للحرب على إسرائيل".
من جانبه، أوضح الصحافي المتخصص في الشأن الإيراني نجاح محمد علي، في تصريحات له، تعليقًا على هذا اللقاء السري، أن "لقاءات أمين عام حزب الله مع المسؤولين الإيرانيين لم تتوقف، وليست مسألة جديدة، فهي تتم سرًا وباستمرار، ومن خلال وسطاء"، وأضاف أنه "حتى قاسم سليماني، موجود الآن في سورية، ومن السهل الانتقال بين لبنان وسورية"، مشيرًا إلى أن "إيران وحزب الله يدعمان النظام السوري بكل شيء، إلا بقوات على الأرض، لأن هذا الفعل من شأنه أن يبرر التدخل الأجنبي، الذي تتحدث عنه إيران من وجهة نظرها طبعًا"، لافتًا إلى أن "إيران تقاتل بالآخرين دائمًا وليس برجالها، فهي تقدم السلاح والمال والتدريب، لكنها لا تقدم مقاتلين، ويهمها جدًا بقاء الأسد إلى 2014".
وتزامنت استقالة رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب مع معلومات شبه مؤكدة عن إتجاه لدى قوى المعارضة لسحب تكليف غسان هيتو، لتأليف حكومة انتقالية للمعارضة، تتخذ من المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مقرًا لها، حيث أكدت مصادر في المعارضة السورية "إن هيتو الذي فشل حتى الآن في تقديم تشكيلة حكومية، سيواجه ضغوطًا محتملة لتقديم استقالته"، كاشفة عن أن "الاتجاه هو لتسمية شخصية من الداخل السوري، لتأليف هذه الحكومة".
وأوضح عضو بارز في الائتلاف، رفض الكشف عن اسمه، أن "جماعة الإخوان المسلمين في سورية سحبت تأييدها لهيتو، الذي فشل في الحصول على تأييد القوى الأساسية في الداخل السوري، لاسيما الجيش الحر"، موضحًا أن "مجموعتين فقط داخل الائتلاف لا تزالان تؤيدانه، وهما مجموعة أمين عام الائتلاف مصطفى الصباغ، ومجموعة عماد الدين رشيد"، مشيرًا إلى أن "هيتو كان من المفترض أن يعود إلى الائتلاف بتشكيلته في 19 نيسان/ أبريل الجاري، لكنه لم ينجزها، علمًا بأن النظام الداخلي للائتلاف يعطيه مدة شهر، ما يمنحه بعض الوقت"، مؤكدًا أن "استقالة أو إقالة هيتو هي مسألة وقت لا أكثر".
وكانت المعارضة السورية قد أظهرت خيبتها من تردد المجتمع الدولي في مدها بالسلاح النوعي، رغم أنها اعتبرت أن ما حصل في اجتماع "أصدقاء سورية" تقدمًا نوعيًا في هذا المجال، في حين قالت مصادر في الخارجية التركية "إن ما إتفق عليه هو خطوة إلى الأمام"، مشيرة إلى أن "موضوع رفع الاتحاد الأوروبي الحظر عن السلاح إلى سورية شهد تطورات إيجابية جدًا، إثر تراجع ألمانيا عن موقفها المتشدد".
وقال عضو الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية مروان حاجو "إن الخطيب جدد تقديم استقالته، لسبب عدم تفاعل المجتمع الدولي مع الأزمة السورية، وغياب مساندة الشعب السوري"، موضحًا أن "الخطيب أبلغ الائتلاف باستقالته على هامش اجتماع مجموعة أصدقاء سورية، في إسطنبول، السبت"، لافتًا إلى أن "الدول الداعمة للمعارضة لا تقدم المساعدة الكافية للشعب السوري، ولها معاييرها الخاصة في الدعم"، وأضاف أن "الاستقالة تأتي للتنديد بعدم وجود تحرك جدي لإعانة الشعب السوري"، معتبرًا أنه "على مجموعة أصدقاء سورية أن تسلم المعارضة أسلحة ثقيلة، لتمكين السوريين من الدفاع عن أنفسهم".
وكان الخطيب قد كتب، السبت، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عقب انتهاء الاجتماع "اللهم لن أشهد على زور"، في حين قال مصدر مقرب منه "إن قوى المعارضة قدمت كل ما في إمكانها من ضمانات، لعدم تسرب السلاح المقدم للمعارضة إلى المتطرفين، لكننا لم نحصل على نتائج، فإذا كان المطلوب إطالة أمد الأزمة لمزيد من القتل والتدمير، فلن نقبل أن نرقص على القبور".
وكان الاجتماع الوزاري لمجموعة "أصدقاء سورية" قد أنهى اجتماعًا، فجر الأحد، استمر ست ساعات، أوضح بعده وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن "قيمة المساعدة الأميركية التي ستقدم إلى المعارضين أصبحت 250 مليون دولار، وقال في تصريحات صحافية "إننا نمر اليوم في وقت دقيق، وهذا ما قادنا إلى هنا"، وأضاف "إن المخاطر في سورية واضحة جدًا، وهي خطر استخدام أسلحة كيميائية، وقتل الشعب بصواريخ باليستية واستخدام أسلحة دمار شامل أخرى، وخطر الوصول إلى عنف طائفي"، مشيرًا إلى أن "هذا العنف بدأ الآن يعبر الحدود، ويهدد الدول المجاورة، وحمام الدم هذا يجب أن يتوقف"، دون أن يعطي تفاصيلاً عن طبيعة المعدات الجديدة التي ستسلم إلى المعارضين السوريين، لكنه أوضح أنها "ستتخطى الوجبات الغذائية العسكرية، والأدوات الطبية لتتضمن أنواعًا أخرى من التجهيزات غير القاتلة".
كذلك أوضح كيري، في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع الخطيب ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، أن "المجتمعين تعهدوا بأن تتم كل مساعدة للمعارضة المسلحة عبر القيادة العسكرية العليا للجيش السوري الحر، بقيادة سليم إدريس"، في حين قال الخطيب "نحن ملتزمون بالحفاظ على هذا البلد بلدًا موحدًا، ذا استقلال كامل، قراره السيادي ينبع من أبنائه"، مطالبًا روسيا بأن "تتخذ دورًا إيجابيًا تجاه الأزمة السورية، والمشاركة في رفع هذا العناء، الذي يعيشه الشعب السوري"، داعيا إلى "ألا تتورط إيران أكثر مما تورطت، وأن تسحب خبراءها وضباطها، وأن توعز إلى حزب الله بسحب مقاتليه، تجنبًا لجر المنطقة إلى معركة أكبر، سيكون الخاسر الأكبر فيها هذه الجهات".
وإزاء عدم حصول تقدم في مجال التسليح النوعي، شدد الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، حسب بيان صادر عنه، خلال الاجتماع على "وجوب صياغة، والتزام، تحالف للدول المقتدرة من مجموعة أصدقاء الشعب السوري، لتنفيذ إجراءات محددة وفورية، لتعطيل قدرة بشار الأسد عن استخدام الأسلحة الكيمائية والصواريخ الباليستية، من خلال ضربات جراحية للمواقع التي ثبت إطلاق صواريخ منها عن طريق طائرات بلا طيار"، كما طالب بـ"العمل على فرض حظر طيران، وحماية على الحدود الشمالية والجنوبية، لضمان عودة وسلامة اللاجئين السوريين".
وجدد المجتمعون، في بيان صدر عن الاجتماع، تأييدهم للجلوس على طاولة التفاوض، لحل الأزمة السورية، المستمرة منذ أكثر من عامين، في إطار إتفاقات جنيف، التي تم التوصل إليها في حزيران/ يونيو 2012، وأضافوا أنه "إذا رفض النظام السوري هذه الفرصة، فسنعلن زيادة مساعدتنا للمعارضة".
من جانبه، رحب وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي، الأحد، بإعلان المعارضة السورية "المعتدلة" نأيها بنفسها عن القوى المتشددة، وقال "إن المعارضة السورية اعترفت بشكل صريح برفضها للإرهاب، كما تعهدت بالالتزام بالديمقراطية"، موضحًا أن بلاده عازمة على توسيع نطاق التعاون مع الائتلاف الوطني على هذا الأساس.
وشاركت "جبهة النصرة" في لقاء مجموعة "أصدقاء سورية"، الذي أسفر عن رفع مستوى الدعم من قبل الدول المؤيدة للثوار، وتحديدًا الولايات المتحدة، لكنها لم تصل إلى حد تلبية طموحات المعارضين، الذين يطالبون المجموعة بتسهيل وصول الأسلحة "النوعية" إلى المقاتلين، حيث رفع الائتلاف لائحة مطالب جديدة إلى المجتمعين، أعادت طرح خيار "الحظر الجوي" إلى الطاولة، كخيار مرادف لمواجهة المخاوف الدولية من وصول الأسلحة المضادة للطائرات إلى المقاتلين "الإسلاميين"، بالإضافة إلى خيار توجيه ضربات جوية ضد مراكز الأسلحة الباليستية السورية، التي قال هيتو في الاجتماع المغلق "إنها العدو الأكبر، بعد سلاح الطيران"، وكانت مسألة "المتطرفين الإسلاميين" الموضوع الرئيس على طاولة الاجتماعات، لجهة مناقشة ظاهرة تمددهم في سورية، ومخاطر انتشار نفوذهم، حيث أوضحت مصادر في المعارضة السورية أن "المعارضين وافقوا على تعهد خطي بمنع وصول أي مساعدات غربية تقدم للمعارضين إلى الأيادي الخاطئة"، وقال رئيس أركان الجيش السوري "الحر" اللواء سليم إدريس أنه "مستعد لضمان إعادة هذه الأسلحة إلى مصادرها بعد انتصار الثورة"، مشيرًا إلى أن "كل تلكؤ في مد الثوار بالسلاح، والدعم الفعلي، من شأنه المساهمة في إطالة عمر الأزمة، وإسقاط المزيد من الضحايا، لافتًا إلى أن "المعارضة لا تريد تدخلاً دوليًا، بل تريد سلاحًا نوعيًا، يسمح لها بمواجهة آلة النظام القاتلة".
يأتي هذا في حين قال الناطق باسم هيتو "إن موضوع شراء النفط من قبل الدول الأوروبية يبحث بجدية"، موضحًا أن "ثمة اتصالات يجريها هيتو لتأمين بيع النفط السوري، لتأمين موارد لحكومته المقبلة، وأن ثمة تفاهمًا تم إنجازه مع الكتائب التي تسيطر على الآبار النفطية السورية، وأبدت استعدادها للتعاون، ومع شركاء أوروبيين".
ورحب الائتلاف الوطني السوري بطرح الاتحاد الأوروبي مشروع قرار لرفع الحظر جزئيًا عن استيراد النفط السوري، لصالح قوى الثورة والمعارضة السورية، معربًا عن أمله بتبني المشروع حين عرضه على التصويت، الاثنين، وأشار إلى أن هذا من شأنه أن يمكن الشعب السوري من الحصول على جزء من ثرواته، التي اغتصبها النظام طوال عقود، وتمويل جزء من حاجاته الملحة، والسماح للحكومة السورية الموقتة بالقيام بواجباتها، تجاه المواطنين السوريين في المناطق المحررة، وحيثما وجدوا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر