لطالما كان قصر الجمعية الأميركية - الآيرلندية التاريخي الموجود في سنترال بارك، نيويورك، بمثابة رمز لصعود المهاجرين في الولايات المتحدة، ولكنّه الآن بات معروضاً للبيع مقابل 52 مليون دولار أميركي، ويتهم العديد من الأشخاص مسؤولي الجمعية بسوء الإدارة، ويطلبون من المدعي العام الأميركي التدخل في الأمر.
ويشبه تاريخ هذا القصر الرائع، الذي يتكون من 5 طوابق، ويرجع تاريخه للعصر الذهبي، والمآسي الأخلاقية؛ إذ إنّه مليء بالعظمة والفخر والانحلال أيضاً.
وباعتباره موطناً للمجتمع الأميركي - الآيرلندي التاريخي، فقد يلاحظ المارة الأعلام الآيرلندية والأميركية وهي ترفرف من شرفاته، وهو يقع مباشرة مقابل متحف متروبوليتان للفنون.ولكن على مدى نصف قرن، كان المبنى بمثابة إقطاعية لطبيب بارز يدعى الدكتور كيفن إم.كايل وعائلته وأصدقائه، والآن، كشفت الخطة المفاجئة لبيع القصر عن المشاكل العميقة التي كانت موجودة تحت سقفه، بما في ذلك المواجهة العلنية وشبه العنيفة التي أثارها مديره التنفيذي، نجل الدكتور كايل، وهي المواجهة التي يمكن اعتبارها نزاعاً داخلياً وصل إلى حد الإحراج الدولي.
ويقول بريان مكابي، المحقق السابق بجرائم القتل في مدينة نيويورك، وأحد أعضاء مجلس إدارة الجمعية الذين أُقصوا «هذا المبنى الموجود في الجادة الخامسة يمثلنا جميعاً، ولكنه بات يتعلق بمجموعة صغيرة جداً تتحكم فيما كان من المفترض أن يُحتفظ به باعتباره أمانة للآيرلنديين في أميركا وحول العالم». وقد شجبت الحكومة الآيرلندية، التي قدمت ما يقرب من مليون دولار للجمعية منذ عام 2008، عملية البيع المقترحة بشكل علني، في حين انضم عشرات الفنانين البارزين ورجال الأعمال إلى ما يقرب من 30 ألف آخرين في تقديم التماس إلى المدعي العام للدولة للتدخل.
ولكن لم يستجب الدكتور كايل (84 سنة) لطلبات التعليق، ورفض غاي سميث، عضو مجلس إدارة الجمعية، والصديق القديم للطبيب، فكرة كون الجمعية كياناً يخضع لسيطرة كايل، قائلاً، إنّ «البيع سيسمح للجمعية بالحفاظ على مكتبتها الواسعة في مكان ما، ولكنه غير محدد»، وقلل سميث من أهمية القصر الذي يصفه المجتمع الآيرلندي - الأميركي بأنّه موطن لهم منذ 80 عاماً. وتابع «لا يرتبط المبنى تاريخياً بالتجربة الآيرلندية، ولكنّه مجرد مبنى جميل يقع في الجادة الخامسة».
ويعد القصر أحد القصور الفريدة في عصره، وقد بُني في 1901 لأرملة تاجر ثري، من ثمّ انتقل في النهاية إلى قطب من أقطاب صناعة الحديد في البلاد، الذي ترك زوجته من أجل ممثلة كوميدية، وبعد أن تركته، عاش وحيداً حتى وفاته في الطابق العلوي في 1934.
وتأسست الجمعية التاريخية الآيرلندية - الأميركية في 1897؛ لضمان الاعتراف بالمساهمة الآيرلندية في التجربة الأميركية على النحو الواجب، وكانت تعقد تجمعات كبيرة ونشرت مجلة كانت في وقت من الأوقات مصدراً للفخر الكبير. ولكن شراء المبنى قد وفّر مساحة كبيرة للحديث عن الكتب والتحف الموجودة فيه، التي تعود إلى قرون من الزمن، بما في ذلك أول طبعة للكتاب المقدس باللغة الآيرلندية، من 1685.
ومع مرور السنين، تضاءلت الحماسة التي كانت موجودة وقت تأسيس الجمعية، وأصبحت الفكرة قديمة. وفي منتصف السبعينات من القرن الماضي، ظهر الدكتور كايل، وهو اختصاصي أمراض المناطق المدارية الذي كان معروفاً بعمله الإنساني في جميع أنحاء العالم. ومع توليه منصب الرئيس العام للجمعية، نما وضعها العام، وباتت تقيم حفلاً سنوياً تُمنح فيه الميداليات الذهبية لأمثال الرئيس رونالد ريغان والدكتور كايل نفسه، وفي شهر مارس (آذار) من كل عام، كان الطبيب ينضم صباحاً، إلى مجموعة مختارة من الضيوف لمشاهدة موكب عيد القديس باتريك من شرفة القصر حتى أوقف هذا التقليد قبل عقد من الزمان.
وقد أصبحت الجمعية معقلاً لكايل، وكان نجله كريستوفر، البالغ من العمر الآن 55 سنة، هو مديرها التنفيذي الذي يتقاضى أجراً كبيراً، بينما كان الأقارب، وولدان آخران، والموالون لهم ينضمون إلى مجلس إدارة الجمعية.
وفي 2012، طلب الدكتور كايل من توماس داولينغ، وهو شريك في «غولدمان ساكس»، أن يتولى منصب الرئيس، وكان والدا داولينغ من جيران عائلة كايل وأصدقائهم عندما نشأ في لونغ آيلاند، وقدم تبرعات كبيرة للجمعية، بما في ذلك 250 ألف دولار لترميم القصر.
وقال داولينغ، إنّه على الرّغم من «الشرف العظيم» لهذا المنصب، فإنّه سرعان ما أدرك أنّ الجمعية تعاني من خلل إداري، كما أنّ هدفها العام محدود وكذلك شفافيتها المالية؛ إذ اعتمدت المؤسسة بأكملها على نجاح فعالية واحدة: حفلها السنوي. وقال داولينغ، إنّه قدم هو ورئيس مجلس الإدارة خطة إعادة هيكلة إلى الدكتور كايل، ودعا إلى تعيين مدير للجانب التجاري وإعادة تعيين المدير التنفيذي، نجل الطبيب كريستوفر، ويتذكر داولينغ حينها أنّ وجه كايل تحوّل إلى اللون الأحمر، كما بدا منزعجاً للغاية، وقال «لن ندير الجمعية بطريقتك، بل سنديرها بطريقتي»؛ وهو ما دفع داولينغ للاستقالة.
وكان هناك عضو مجلس إدارة آخر معروف جيداً في عالم الأعمال، وهو مايكل داولينغ، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة «نورثويل هيلث»، يدعو إلى إصلاحات مماثلة، ولكن من دون جدوى؛ ولذا فقد استقال هو الآخر بسبب خيبة أمله.
ولا ينكر صديق كايل، سميث، أنّ هناك مجموعة من الإداريين ذوي الخبرة قد دقوا ناقوس الخطر، لكنه قال إنهم غادروا بسبب فشلهم في جمع ما يكفي من المال لإقامة الحفل السنوي
وفي 2016، وافقت الجمعية على فتح القصر لعرض مسرحية آيرلندية بعنوان «The Dead 1904»، وهي مقتبسة من قصة قصيرة للشاعر الآيرلندي بول مولدون وزوجته المؤلفة جان هانف كوريليتز. وحقق العرض، الذي استمر سبعة أسابيع، 79 ألف دولار للجمعية، كما حقق هدف الترويج للثقافة الآيرلندية، وعُرضت المسرحية مرة أخرى في 2017 و2018، وكانت على وشك أن تصبح تقليداً يُتبع في العطلات.
ووقّعت الحكومة الآيرلندية، التي منحت الجمعية 934 ألف دولار على مدى العقد الماضي، على ما اعتبرته خطة لإعادة الهيكلة التي تمس حاجة الجمعية إليها، لكن خطة الإصلاح كانت تفشل مراراً وتكراراً، كما أُنهي عمل المدير التجاري الجديد، ديفيد أوسوليفان، أيضاً الذي قدم خطة لزيادة الإيرادات، تضمنت فتح المبنى لإقامة المعارض والمناسبات الخاصة مثل حفلات الزفاف، ولكنه قال «هذا لم يكن يروق لكايل أبداً، لقد أرادوا دائما إبقاء الأبواب مغلقة».
وبعد أن فوجئت بالاضطرابات، أوقفت الحكومة الآيرلندية المبلغ الذي كانت قد وافقت على دفعه لوظيفة المدير التجاري الجديدة، ومارست حقها التعاقدي في التدقيق بأمور الجمعية، وحسب سميث، فإنّ هذا التدقيق كان مجرد «بعض الاقتراحات الخاصة»، ومع ذلك، قالت القنصلية الآيرلندية في نيويورك إنّ المراجعة قد حددت «قضايا مهمة».
وفي غضون ذلك، طلب مكابي من مكتب المدعي العام الخيري للولاية، الذي يشرف على المنظمات غير الربحية، التدخل، وقال الأول، الأسبوع الماضي، إنّه على اتصال بالمكتب، وإنّ تحقيقه لا يزال مفتوحاً، في حين رفضت متحدثة باسم المدعي العام القول ما إذا كان المكتب يحقق مع الجمعية أم لا.
واستمرت التداعيات، وأبلغت الجمعية، التي عادت الآن بالكامل إلى سيطرة كايل، النائب الآيرلندي بأنّ القصر لن يكون متاحاً للموسم الرابع من مسرحية «The Dead 1904»، وذلك على الرغم من أنّ أوسوليفان قد تفاوض على صفقة من شأنها زيادة الإيرادات وعرضها على الجمعية.وعندما سئل عن سبب رفض الجمعية عرض المسرحية، أجاب سميث بأنه «لقد رأينا أن الأمر لن يكون في صالح الجمعية».
وفي أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، وبعد عام من التوقف المرتبط بالوباء، عرضت الجمعية القصر النادر في السوق مقابل 52 مليون دولار؛ وهو ما أثار إعجاب الشركة العقارية التي تتولى عملية البيع، التي وصفت الصفقة بأنّها «صفقة العمر».وقد أصابت أخبار بيع القصر الجالية الآيرلندية - الأميركية بالذعر؛ مما دفع الكثيرين منهم إلى مطالبة المدعي العام لوقفها، وبموجب قانون الولاية، فإنّ بيع الممتلكات من قبل منظمة غير ربحية يكون مشروطاً بموافقة المدعي العام أو المحكمة العليا للولاية.
وحثت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الآيرلندي ووزير الخارجية سيمون كوفيني الجمعية على إعادة النظر في مسألة البيع، وقال كوفيني، إن المبنى يعد بمثابة «شعار أيقوني لآيرلندا في نيويورك»، ومن جانبها، ردت الجمعية على البرلمان، الأسبوع الماضي، باقتراح أن تشتري آيرلندا المبنى.حالياً، لا يزال هذا المستودع الثقافي الواقع في الجادة الخامسة مغلقاً، وأُزيل العلمان الآيرلندي والأميركي اللذان كانا في مدخل هذا الممر إلى العصر الذهبي.
قد يهمك ايضا
اتفاقية لإبراز المغرب كوجهة للتصوير السينمائي
لالة العلوي تصدر مجموعتها الشعرية الأولى "مهموس رخو من أقصى الشعر"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر