بعد هجرة دراسية إلى مملكة بلجيكا لاستكمال التكوين الجامعي، انتقل سمير السكوري إلى الاستقرار في العاصمة السويدية استوكهولم بغرض استثمار مكتسباته في ميدان التكنولوجيا والأجهزة الإلكترونية، متشبثا بمشروع طموح زرعت بذوره في وجدة أملا في حصد الثمار بمنطقة اسكندنافيا.
وإذا كان السكوري يواظب على فتح آفاق مهنية أرحب لمقاولة المعلوميات التي يدير نشاطاتها، وتوسيع معاملاتها مع الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، فإنه لا يغفل المساهمة بجانب المجتمع المدني السويدي في دعم الفئات الهشة، خاصة شريحة اللاجئين، للحصول على تكوينات في مجال اختصاصه حتى تصل إلى غد أفضل.
مناجم جرادة
ينتمي سمير السكوري إلى مدينة جرادة بالولادة والنشأة، وضمن الحيز الترابي نفسه المنتمي إلى جهة الشرق مكث تحت رعاية والده المشتغل في القطاع المنجمي، بمعية باقي أفراد أسرته، إلى غاية حلول مرحلة الانتقال إلى مدينة وجدة.ويقول سمير: “تربيت في أحضان مدينة جرادة على القيم والثقافة التي تتشاركها الساكنة المحلية، خاصة الشريحة العريضة التي ارتبط قوتها اليومي بالاشتغالات المختلفة المتاحة في ميدان مناجم الفحم الحجري”.
كما يؤكد السكوري، بخصوص فترة الطفولة الخاصة به، أنه سار على نحو جيد في التحصيل الدراسي بالحاضرة التي ولد فيها. وعندما وصل إلى المرحلة الإعدادية انتقلت أسرته للاستقرار في وجدة، وبالتالي واصل الإقبال على التعلم النظامي في عاصمة جهة الشرق.
محطة بروكسيل
لم يكن التفكير في الهجرة حاضرا لدى سمير السكوري خلال فترة النشأة بمدينة جرادة، على الرغم من وعيه بثقافة الأجنبي من خلال البنايات الكولونيالية التي تركها الاستعمار الفرنسي وراءه في جرادة، وتناقل الذاكرة الجماعية لأسر العاملين في المناجم أحداثا ترتبط بالفرنسيين، وأجانب آخرين، عند إشرافهم على تدبير القطاع محليا.
ويورد المغربي نفسه: “لم أكن أميل إلى الهجرة حين كبرت في مدينة وجدة، أيضا، على الرغم من وجود عدد وافر من أقاربي يستقرون في مجموعة من البلدان الأوروبية، واطلاعي على عدد من التجارب الخاصة بهم من خلال الأحاديث التي كانت تجمعنا زمن اللقاءات العائلية، بينما رهانات دراسية دفعتني إلى مغادرة الوطن لاحقا”.
بعد إنهاء مرحلة الدراسة الثانوية بالحصول على شهادة الباكالوريا، توجه السكوري إلى استكمال دراسته في جامعة محمد الأول بوجدة، ثم ارتأى استكمال التكوين الأكاديمي متخصصا في علوم وتكنولوجيات الإعلام والتواصل في بلجيكا؛ ليتوجه نحو “الجامعة الكاثوليكية لوفان”، المعروفة اختصارا بـ”UCL”، في جهة بروكسيل.
مرحلة السويد
بعد استيفاء الرهانات الدراسية في مملكة بلجيكا، انتقل سمير السكوري إلى الظفر بفرصة للاستقرار في مملكة السويد، واضعا الرحال بالعاصمة استوكهولم سنة 2013، وفاتحا الباب على مصراعيه أمام تجربة جديدة في إطار مسار الهجرة، مع ما يتطلبه ذلك من إعادة الاندماج في البيئة الأوروبية وفق ما تقتضيه الخصوصيات السويدية.
ويقول المستقر في منطقة إسكندنافيا لمدة تناهز عقدا من الزمن: “نظرتي إلى الاندماج مبنية على الفردانية، إذ إن متطلباته تبقى مرتبطة بشخصية كل فرد على حدة، والخطوات المنجزة لتحقيقه تختلف حسب الاستعدادات والقدرات الحاضرة في كل حالة. لذلك، التحمت بالمجتمع السويدي دون أي مشاكل؛ مستغلا إمكانياتي الذاتية المكتسبة في كل من المغرب وبلجيكا”.
ويعتبر السكوري، أيضا، أن الوفود على أي مجتمع، كيفما كان وأينما حضر، يحتاج من ذي الأصل الأجنبي أن يتعامل وكأنه يبحث عن كلمة سر لفتح خزنة أو جهاز إلكتروني؛ لأن الناس لديهم مفاتيح معاملاتية ترتبط باللغة والثقافة والقيم والمبادئ، والوافدون عليهم مطالبون بالتعرف على ذلك بجانب الوعي بالواجبات والحقوق للتعامل في إطار لا يعتدي على الغير.
أداء مقاولاتي
التكوين التقني لسمير السكوري، بناء على دبلوم الماستر في علوم وتكنولوجيات الإعلام والتواصل ببروكسيل، مكنه من دخول سوق الشغل بسلاسة في السويد، مستفيدا أيضا من مهاراته الوظيفية ضمن مجال إصلاح الأعطاب الإلكترونية، ليقرر إنشاء شركة متخصصة في تقديم حزمة من الخدمات المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى انفتاح الاشتغالات على التأطير والتكوين بهدف نقل المعرفة.
“تخصصي مبني على كل ما له علاقة بالهندسة الحاسوبية، وأدائي ديناميكي بفعل المواكبة المستمرة للتطورات التكنولوجية المتسارعة؛ بينما العمل الميداني المباشر يتعاطى مع الحاجيات في الصيانة وتقنيات الشبكات المعلوماتية وإنشاء مواقع الإنترنيت قبل الإشراف على تطويرها وفق رغبات أصحابها”، يورد سمير.
من هذا المنطلق، يعمل السكوري بكيفية مستقلة مع زبناء ذاتيين وعدد من الشركات والمؤسسات الرسمية والتنظيمات المدنية، مستندا في استراتيجيته على ما يسميه بـ”بيع القدرات للراغبين في الحصول عليها”، ومن أبرز معاملاته عقد شراكات مع المسؤولين عن تدبير استوكهولم لتأطير اللاجئين الباحثين عن فرص شغل بديلة.
اشتغال وإنسانية
يوجه سمير السكوري شركته المتخصصة في الخدمات الإلكترونية إلى التعاطي الإضافي مع أوراش نقل المعرفة إلى الجيل الجديد بصفة عامة، وإلى الأشخاص المتواجدين في وضعيات اجتماعية صعبة على وجه التحديد، متخذا هذا القرار بناء على سابق إلمام بحاجيات الأطفال المهاجرين غير المصحوبين، في مرحلة من اشتغالاته التطوعية، وما عرفه عن متطلبات فئات أخرى في أوقات لاحقة.
ويكشف “ابن جرادة” ما يحدث، حاليا، في هذا الشق العملي بقوله: “كانت البداية بتمكين أسر حاضنة لقاصرين في وضعيات صعبة من مهارات تتيح لها التعامل بنجاعة مع المتواجدين تحت مسؤوليتها، بتركيز على مهارات تسفر عن بناء الثقة وتعزيزها، ثم جاء وقت الانفتاح على تكوين اللاجئين الوافدين على استوكهولم بنية منحهم مهارات رقمية تقوي حظوظهم في الاندماج المهني”.
وتفعيلا لذلك، يحرص السكوري على ضمان الجودة في قيام شركته الخاصة بتأطير مجموعات تضمن المستفيدين من حق اللجوء باستوكهولم، بحضور كبير للنازحين من أوكرانيا بعد اندلاع الحرب مع روسيا، لضبط التعلم في فترة زمنية مختصرة، والتمكين من أبرز المهارات في تقنيات المعلوميات بشكل عام.
نسبية النجاح
يذكر سمير السكوري أنه لا محيد عن الإمساك بكلمات السر التي تتيح الشباب المهاجر الولوج إلى قلوب من يشاركونه فضاء الاستقرار الذي اختاره، ودون الوصول إلى ذلك تحضر فترة من التيه يمكن أن تلازم المرء وقتا طويلا إلى درجة إصابته بالإحباط أو الغرق في منسوب عال من خطاب المظلومية.
ويضيف من خبر متطلبات الحضور في بروكسيل واستوكهولم: “الأمر ليس صعبا؛ لأنه لا يقتضي، كأولوية، غير الإقبال بجدية على ضبط اللغة، وبعدها يأتي الاشتغال على التعرف على ثقافة بلد الاستقبال بشكل عام، والقيم المحددة للمعاملات الخاصة بناسه، والوقوف على الخصوصيات في الفضاء القريب من المرء”.“اليقين أن كل شخص يحصد ثمار ما غرس، لذلك يجب التوفر على طموحات أولية قبل العمل على تقويمها بطريقة تنهل من التعلمات المتواصلة والفرص المتاحة؛ بينما النجاحات تعد نسبية ما دامت الحياة تقتضي الحرص على التطور باستمرار، والحرص على الاستدراك كلما حضرت العثرات”، يختم سمير السكوري.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر