الرباط - المغرب اليوم
انتقل إلى رحمة العلامة الفقيه أحمد بن الأعمش، أمس الاثنين في مدينة الرباط، بعد حياة حافلة نذرها لخدمة الدين والوطن، بعد خروجه من تندوف واستقراره في منطقة تيزونين ناحية طاطا؛ وذلك بسبب المضايقات التي تعرض لها من الاستعمار الفرنسي بسبب مواقفه الوطنية، وتوجهاته الوحدوية بتندوف.
نشأته
ونشأ الراحل في أسرة "جكانية"، نسبة إلى قبيلة تجكانت، مشهود لها بالعلم والفتوى والقضاء والفضل والصلاح والوطنية الصادقة، وكان أبوه، الشيخ محمد الصغير، قائد تندوف لفترة من الزمن، وجده هو القاضي والعلامة المشهور محمد المختار بلعمش، مؤسس حاضرة تيندوف.
ولد الراحل في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي في حِضن والديه في مدينة تيندوف، موطن الآباء والأجداد، وبدأ في حفظ القرآن الكريم، ثم ما لبث أن انتقل إلى "تيزونين" في إقليم طاطا حاليًا، وهو في ريعان طفولته، بسبب ما ذكر، وأتم بها حفظ القرآن الكريم وما تيسر من المتون العلمية على يد والده وشيخه سيدي أحمد بن الشريف؛ الذي بعثه صحبة أخيه عبد الله البلعمشي إلى كلية بن يوسف في مراكش، حيث تلقى علوم ومعارف العصر على يد طائفة من علماء الحضرة المراكشية وشيوخها، أمثال العلامة الفقيه الرحالي الفاروقي، والعلامة الفقيه الحسن الزهراوي، والعلامة الفقيه عبد السلام جبران المسفيوي، والفقيه مسو، وغيرهم، كما صقل مواهبه الوطنية على يد طائفة من الوطنيين بمراكش إبان استقلال المغرب.
حياته السياسية
وانخرط الفقيد في وقت مبكر في صفوف حزب الاستقلال، الذي يكن زعيمه علال الفاسي له ولأسرته كبير التقدير والاحترام، بخاصة لما كان يربطه من أواصر الصداقة الخالصة بأخيه الكبير المقاوم الشهيد عبد الرحمن بن محمد الصغير، المعروف بعبد الرحمن الصحراوي التندوفي.
وبعد أن تخرج الراحل من كلية بن يوسف، انتقل إلى مدينة الرباط، فتدرج في أسلاك الوظيفة العمومية في كل من وزارة شؤون الصحراء، ووزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، ودار الحديث الحسنية، وغيرها، واشتغل إلى جانب ثلة من الوزراء المحسوبين على الحركة الوطنية إبان ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، من قبيل علال الفاسي، والحاج أحمد بركاش، والداي ولد سيدي بابا؛ كما صاحب ثلة من الصحراويين الوطنيين، كالشيخ حرمة ولد بابانا، والأمير محمد على الأنصاري، وغيرهم كثير..
كان هاجسه الكبير في هذه المرحلة هو استكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية، في صحرائها الغربية والشرقية، وانخرط في عدة تكتلات في سبيل تحقيق هذا الغرض، صحبة عدد من الشخصيات المنحدرة من الصحراء الشرقية، كالأستاذ محمد خليفة المحفوظي القندوسي، ومحمد الكبير البكري، والمهدي عبيد التندوفي، وغيرهم كثير.
حياته العملية
وطيلة مدة عمله في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بخاصة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، كانت دائما تتنازع الراحل نزعتان، ورثهما عن آبائه وأجداده، ولا يريد أن تطغى إحداهما على الأخرى؛ نزعة العلم والمعرفة، حيث وجد ضالته لتحقيق ذلك في كلية ابن يوسف في أواخر الخمسينيات، وفي دار الحديث الحسنية في منتصف الستينيات، حيث هيأت له هذه الفترة العمل إلى جانب طائفة من العلماء والباحثين الذين استأنس بهم واستأنسوا به، وآثر أن يخدمهم في مكتبة الدار، على أن ينخرط في الدراسة، ونسج علاقات أخوة ومحبة مع شيوخها وطلبتها آنذاك، كالشيخ محمد المكي الناصري، والشيخ مولاي مصطفى العلوي، والفقيه الورزازي، وغيرهم كثير؛ ومن جانب الطلبة، صحب الأستاذ الفقيه الحسن العبادي، والأستاذ الفقيه التائب السعيدي الذي استشهد في حادث الصخيرات، والأستاذ الفقيه محمد العثماني، وغيرهم كثير.
وجاءت مرحلة الدراسة في كلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين في فاس، التي تخرج فيها الفقيد بعد إلحاح كبير من أصدقائه ومحبيه، لأنه إلى عهد قريب لم يعبأ بالحصول على الشهادات الجامعية، لأنه يعتقد أن العلم ليس هو الحصول على الشهادات، وإنما العلم الصحيح ما تستوعبه صدور الرجال.
اسهاماته في تراث الأمة
وأسهم الراحل في تحقيق جانب من تراث الأمة، إذ حقق كتاب دليل الرفاق على شمس الاتفاق، للشيخ ماء العينين، وكتاب مشارق الأنوار، على صحاح الآثار، للقاضي عياض..وكتب افتتاحيات لعدد كبير جدًا من أعداد مجلة "دعوة الحق"، في مرحلة إشرافه عليها، وأسهم بمقالات كثيرة في أعداد مجلة "الإرشاد" التي كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تصدرها.
رفقاء الدرب
ومن بين العلماء الذين صحبهم الراحل في هذه المرحلة الهامة من حياته، بحكم مهمته، نجد العلامة سيدي عبد الله كنون، والأستاذ الكبير محمد المنوني، والدكتور محمد حجي، والدكتور عباس الجراري، والدكتور عبد الكريم كريم، والأستاذ سعيد أعراب، وغيرهم من أعضاء لجنة إحياء التراث التي كونت في ثمانينيات القرن الماضي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر