الولاشي والإنفصام وواقع مجتمعنا في رواية عباس بيضون   الحائط الخامس
آخر تحديث GMT 11:33:16
المغرب اليوم -

"الولاشي" والإنفصام وواقع مجتمعنا في رواية عباس بيضون " الحائط الخامس"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

رواية عباس بيضون " الحائط الخامس"
روما- دلال قنديل

قليلة هي التساؤلات التي تضعنا امام مرآتنا لتستدرج الاسئلة عن من نكون. أن يختصر كائن وجوده بأنه" الولاشي" كأنه يمضي بنا الى طريق العتمة للبحث عن نقاط الضوء التي خلَفْناها في مسيرتنا إذا ما إهتدينا اليها سبيلا.يتغلّب الشاعر عباس بيضون على الكاتب في نتاجه. بكتابه الأخير "حائطٌ خامس" ، الصادر عن دار هاشيت أنطوان، الصفحات الثماني الاخيرة كشفت وجه الكاتب المتستر بشخصية انطوان الاستاذ، الجامعي، الشاعر الذي اقحمه مقتل اخيه رمزي الكتائبي في لعبة الحرب ثأراً لوفاة شقيقه.
الانفصام بين الأحلام وواقع مجتمعاتنا لا بد أن يسحقنا ويوقعنا بمرحلة"الولاشي"...

أنطوان واحد منا ،لابل هو ال "نحن" الناطقة بإسم الطوائف والحروب التي نرذلها ونُجر الى آتونها بيوميات تأكل أعمارنا."الولاشي" أي اللاشيء هو تعبير عن حالة عامة لمثقفين زلزلت الأزمات قناعتهم بأنفسهم ومسلماته ،بتاريخهم، حاضرهم والمستقبل."ليس صحيحاً أن دم رمزي يحيا ويتأكد بدمي.صرت أميل الى أن الدم لا يؤكد شيئاً.لذا تركت الكتائب وعدت الى شقَّتي." عبارات انطوان هذه تفتح باب مكاشفة لخسارات الشاعر. "ما اعرفه هو أنني وحيد، أن وحدتي تزداد استعصاء على الكسر.ذلك لا يعني أني في عزلة."

ومايلبث صوت عباس بيضون أن يخرج هنا عن سياق روايته، كأننا نسمع تموجات نبرته تتهادى وتعلو مع تتابع افكاره.كأنه يردد عبارته" ما بعرف" كمقطع كلامي في سياق نقاشات البحث المعرفي.هل الشعر يستحق هذا القلق من النفس وعليها؟ وهل الحياة بمسارها الآيل للنهايات تستحق خلود وألقَ الشعر؟يقول: "بقي لي الشاعر،الذي طالما ارتبت به .ولست الآن أقل ارتياباً، فالصفحات التي أكدسها لا تجعلني متيقناً ولا تزيدني معاودتها الليلية ثقة فيها."

يمضي الشاعر في بوحه العميق" لم أتميز الشعر في رواية كونديرا " الحياة هي في مكان آخر" ...إذا كان الشعر عملاً على اللغة بحيث يصبح لغة داخل اللغة فإن ذلك ليس أمراً شخصياً.اللغة لا يمكن شخصنتها، إنها التاريخ كما يقول هايدغر بل هي التي تتكلم في الشاعر كمايقول هايدغر ايضاً،لكن اللغة ايضاً هي في مكان آخر."أين تكمن اللغة بأروع تجلياتها إن لم تكن شعراً؟.مدرسة عباس بيضون الشعرية أنبتت مدارس وهو لا يقر بوجودها ،هو المأخوذ للتشكيك بكل نتاج حتى لو كان نتاجه نفسه ، لا بل على الاغلب نتاجه بالذات .لا يعرف متى يأتيه الشعر ومتى يذهب ، ليس وحياً ، لكنه الفكرة تأتيه شعراً وتؤرقه الى أن ينتهي مخاض القصيدة بعد أن يعبرها مقصه الجارح.يقول بلسان أنطوان

" الولاشي":
" الشعر نوع من الفكر، إنه الفكر على طريقته، وكما يريده....أكتب لأن شاعراً ينبغي أن يفكر، لكن الشعر يتخطى الشاعر وكذلك تفكيره في الشعر...أنا الآن شاعر وهذا يكفيني."
ترد هذه الأفكار على لسان أنطوان الذي كرسه نشر قصائده في جريدة" السفير" شاعراً كما جاء في الاسطر الاخيرة للرواية.يقول :"إنه يجعل من وحدتي موقعاً أمامياً لا مجرد ملجأ...إنني الآن أفكر عن طريق الشعر،الذي مع ذلك أشعر أنني صرت أعمى عنه."

وما هو الشعر ؟
"إنه مكان ينشأ من لا أمكنة عدة، من تحتيّات عدة وحطامات عدة.إنه يقال بنزف اللغة، بطموحاتها.بتوسلها الى أن تكون أدنى او أعلى من نفسها، لكن فقط ما وراءها وما بعدها، نوعاً من ميتافيزيق الكفر بالذات والإلحاد بها."تلك الجمل البليغة الختامية في الرواية تأتي متبوعة بثلاث صفحات بيضاء هي تكملة" ملازم" الصفحات المطبوعة، لكنها بشكل آخر تشي بأن مكاشفة لشاعر بتجربة عباس بيضون ، هي صفحات يفترض أن يحط عليها حبر كثير لتكتمل الفكرة.

الإرتياب بالنتاج الشعري والثقافي على العموم ، سمة  المبدعين الانقياء في عطاءاتهم الفكرية بعيداً عن تنافس الحضور وحمى التفوق التي تطبع مجتمعاتنا. المكاشفة هنا تتعدى هنا النقاش الفكري الى الواقع المأساوي الذي يضاعف الهوة بين الفكر والمعاش ويهمش الجماليات بآليات الحروب والعصبيات التدميرية.كم من كاتب يجرؤ على سؤال نفسه من أنا؟ أين موقعي في هذا العالم المتوحش؟ هل للفكرة أن تبدل الواقع؟ هل للمثقف المشغول بعزلته الفكرية أن يبني جمهوريته؟.إحباطاتنا المكرسة ببلاد تندثر وقد لا يبقى منها سوى الشعر وما كتب عن حروبها الدموية . الحياة ليست صنيعة افكارنا.لكن ما نفع الافكار والمعتقدات إن لم نكن على صورتها؟.

بداية لجدل يطول تلك الخاتمة
ل" حائط خامس" جرفته الحرب بإنقساماتها لتعيدنا اليها كمن يقلب صفحات من ماضٍ بعيدٍ، لم يمض بعد، ما زالت حروبه تغزل ايامنا ، ولنا عودة وشيكة لتلك الحبكة السلسة.
الرواية مكتملة بلغة سردية غير معقدة."حائط خامس" كتاب عباس بيضون الاخير المصنف رواية قد يتماهى بمضمونه مع التوثيق الادبي لمرحلة بدايات الحرب الأهلية والإنقسام الحاد الذي عاشه لبنان بين المسيحين والمسلمين في قرية تمتاز بوجودهما قبل أن يهجرها المسيحيون بعد حادثة بوسطة عين الرمانة وهواجس انتقام الفلسطنيين والاحزاب منهم.قد تبدو تلك الوقائع عابرة لكنها بعد مرور الفاصل الزمني تحفر فينا عميقاً وتأخذنا الى هواجس القلق المستعادة لتقسيم جغرافي وديمغرافي تكاد لا تغيب حتى تطل بأشكال متعددة.

لماذا الحائط الخامس؟هو ترميز للجدار بين دارتي القس والشيخ عبد الرحمن ، تجاوزاه بإنفتاحهما الى أن صُدت الطرق بينهما بحواجز القتل على الهوية بعدما هجر القس وعائلته القرية الجنوبية الى جونية.هل" الحائط" هو الجهة الخامسة المتمددة بإتجاه الجهات الاخرى؟ تلك القرية الجنوبية المفتوحة على فلسطين قبض الإحتلال الاسرائيلي على جزء من اراضيها وهجر الفلسطنيين اليها وما لبثت المجازر أن هجرت مسيحييها.بذلك نشهد الحائط يتوالد متاريساً بين المناطق تجعل القفز بينها مغامرة .

قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

 

الرواية الكاملة لرحلة متطرف في «داعش» عاد إلى لبنان لتنفيذ عمليات إرهابية

معرض الشارقة الدولي للكتاب يفتح نافذة للرواية العربيّة الإفريقيّة لتستعرض واقعها وتُبرز مكانتها

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الولاشي والإنفصام وواقع مجتمعنا في رواية عباس بيضون   الحائط الخامس الولاشي والإنفصام وواقع مجتمعنا في رواية عباس بيضون   الحائط الخامس



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib