الدارالبيضاء-فاطمة القبابي
أكّد الباحث في مجال مؤسسات الرعاية الاجتماعية، المسؤول المكلف بمهمة سابقا بمؤسسة الرعاية الاجتماعية، والنزيل السابق في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية، هاني الحراق، أن ظاهرة اغتصاب الأطفال ليست بالظاهرة الجديدة في المجتمع المغربي، بل هي ظاهرة معروفة منذ زمن بعيد، مضيفًا أنّه "خرجت من الكواليس إلى العالم الخارجي؛ وذلك نتيجة غياب التربية، وانعدام الحياء بجميع فئات المجتمع، فضلا عن الانتشار الواسع والإقبال على العوالم الافتراضية في الإنترنت، والهواتف الذكية"، موضحًا أن كل وسائل التواصل المتطورة كشفت عن واقع ظل مغمورا، إلا أنه رغم خروج الظاهرة للواقع تبقى من الظواهر "الطابو".
وكشف هاني الحراق، في مقابلة خاصة مع "المغرب اليوم"، عن واقع مؤسسات الرعاية الاجتماعية بالمغرب والتي تأوي المئات من الأطفال المتراوحة أعمارهم من 0-18 عامًا، والحالات التي تشكل استثناء، ما فوق 18 عامًا، مشيرًا إلى ظاهرة التحرش الجنسي التي باتت تؤرق جمعيات المجتمع المدني ومسيري المؤسسات ذات الطابع الإدماجي، "حيثما وجدت التجمعات والبنايات السكنية ذات الطابع الإدماجي، وجدت ظاهرة التحرش الجنسي"، وحمل الباحث في مجال مؤسسات الرعاية الاجتماعية، مسؤولية ما يجري داخل دور ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، ومسؤولية تفاقم هذه الظاهرة للمسؤولين الإداريين المشرفين على هذه المؤسسات، والذين يتغاضون ويتكتمون عن الظاهرة بطمس معالمها، وتغييب القوانين الصارمة اتجاه المعتدي أو المغتصب.
وأوضح الحراق، أن القانون المغربي ركز على الاغتصاب، والتحرش الجنسي، وخصصه بقانون يجرم المتحرش والمغتصب، مؤكدا أن جريمة التحرش الجنسي تعد جنحة، يتابع الجاني فيها جنحيا شأنه في ذلك شأن جريمة القتل. مضيفا "إلا أن الثغرة التي لازالت تعد عائقا أمام تطبيق هذا القانون؛ هي غياب آلية إثبات جريمة التحرش الجنسي إذ لا توجد آلية لإثبات جرم التحرش الجنسي، بالدليل القاطع أن أغلب الحالات بالمغرب لا تتخذ في حقهم الأحكام المناسبة، وسبب ذلك هو عدم ثبوت الأدلة القطعية وراء عملية التحرش الجنسي".
وبيّن الحراق أنّ "القانون المنظم للمؤسسات الاجتماعية ، قانون 14/05، يحمل مجموعة من الثغرات التي تعرقل عمل المؤسسات ذات الطابع الإدماجي"، موضحًا أن هذا لقانون "14/05 " ينص على مغادرة النزلاء بشكل إجباري لدور الرعاية الاجتماعية في سن 18 عامًا، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، مضيفًا أنّه "هنا يجد النزيل نفسه في الشارع معرض لشتى أنواع الانحراف، ورغم أن القانون أعيد فيه النظر سنة 2010، غير أن البرلمان مر عليه مرور الكرام، ولحدود الآن لم يتم تفعيل أو خلق آلية للبث فيه، متسائلا كيف يمكن التخلي عن النزيل بعد احتضانه لمدة 18 سنة؟ وما مصير هذا الشاب في غياب الأهل والأسرة".
واصل هاني الحراق حديثه "للإجابة على هذه الأسئلة تجد الجمعية المسيرة نفسها بين المطرقة والسندان، مطرقة الوزارة الوصية التي فرضت العمل بالقانون 14/05، وسندان التخلي عن النزيل الذي بلغ سن 18 عامًا، رغم كونه شخص صالح، وذلك بطمس الاجتهاد الشخصي للجمعية المسيرة"، وأشار المسؤول السابق في دور الرعاية الاجتماعية إلى أن الجمعيات أصبحت في مواجهة مع النزلاء، مبرزا أن النزيل يحمل الجمعية مسؤولية تشريده وخروجه للشارع، لذلك تجد الجمعية نفسها أمام مبادرة شخصية للسهر على احتضان النزيل رغم بلوغه 18 عامًا، وغياب سند قانوني يحميها.
وأضاف الحراق، أنّ بعض الجمعيات تلجأ إلى حماية نفسها في غياب السند القانوني، وذلك بإجبار النزيل على المغادرة، وفي حالة الرفض يتم تلفيق تهم للنزيل قصد التهرب من تحمل مسؤوليته، نتيجة ذلك أنه يتم حرمانه من تحقيق مستقبله، مشيرا إلى أن هناك بعض الجمعيات التي لها غيرة على نزلائها وبادرت بشراكة مع العمالات التي تحت ترابها، والتي تعمل مع قسم الشؤون الاجتماعي حيث يتم خلق مشاريع مدرة للدخل للنزلاء أو إدماجهم في سوق الشغل وهي حالات استثنائية.
وطالب الحراق بضرورة تفعيل آلية تحترم كرامة النزيل دون تشريده في الشارع، كما تحترم شؤون الجمعيات المسيرة لدور الرعاية الاجتماعية، مبرزًا أن الدولة تملصت من مسؤولية النزلاء بعد المسار الحافل بالصراعات معهم، "كانت الدولة تسير مؤسسات الرعاية الاجتماعية مباشرة، لكن اليوم ومن أجل تلميع صورتها والحفاظ عليها، أوكلت مهمة التسيير للجمعيات وبذلك تركتهم في صراع مباشر مع النزيل، الذي بات يجد نفسه في الشارع بين مختلف أنواع الانحراف، كالمخدرات والسرقة والإدمان"، وللحفاظ على كرامة النزلاء داخل المؤسسات وعدم تشريدهم طالب هاني الحراق الجهات المسؤولة بإعادة النظر في القانون 14/05؛ وذلك بتمديد فترة إقامة النزيل بمؤسسة الرعاية إلى 20 سنة، وتوفير آليات بيداغوجية خاصة لمواكبة النزلاء مستقبلا، وتتبع مسارهم الدراسي والمهني، قصد تكوينه وجعله شخص ناجحا.
ودعا الحراق، إلى ضرورة إدراج التربية القانونية داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية، لتعريف النزيل بموقعه داخل المؤسسة، وكذلك دليل قانوني يعرف النزيل بماله وما عليه، بالإضافة إلى إعطاء الفرصة للجمعية المسيرة للاجتهاد، مشيرا إلى أن الجمعيات تواجه في هذا الإطار مجموعة من العراقيل أبرزها الاكتظاظ، وغياب الأطر، فضلا عن الخصاص المهول في البنيات والموارد، وكلها عوامل تساهم في عرقلة سير الجمعيات.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر