رغم تأكيده أن من يرفضون فتح قنوات اتصال رسمية مع تل أبيب ينطلقون من نيات حسنة لا يمكن سوى احترامها، إلا أن الإعلامي المغربي المقيم بإيطاليا زهير الواسيني يرفض عدم قدرة هؤلاء على احترام آراء من لا يفكرون مثلهم، أو من يقولون كلاما مخالفا لما يؤمنون به من “حقائق”.فلو ابتعد هؤلاء قليلا عن نظرتهم الدوغمائية للأمور، يضيف الواسيني، “لرأوا ربما أن الواقع أكثر تعقيدا مما يتصورون، وأن ما حصل ربما هو بداية جديدة قد تكون حاسمة بالنسبة لمستقبل المغرب والمنطقة ككل”.
ويصف الإعلامي المغربي هذا الاستنتاج بأنه وليد قراءات لتحليلات في صحف عالمية جادة وفرت مجموعة من المعطيات الدقيقة، “التي قد تفتح منافذ أخرى لمحاولة فهم ما جرى خلال الأسبوع الأخير دون السقوط في فخ امتلاك الحقيقة المطلقة”.
وهذا نص المقال:
المشكل العويص مع أصحاب الإيديولوجيات ساعة الحديث عن أي موضوع كيفما كان نوعه هو أن الأجوبة لديهم تسبق الأسئلة؛ فما حصل خلال هذا الأسبوع بعد إعادة العلاقات مع إسرائيل يؤكد أن هناك أشخاصا بل حتى قيادات، خاصة في صفوف الإسلام السياسي واليسار الراديكالي، لا يكلفون أنفسهم عناء التفكير، بل يكتفون ببضع جمل جاهزة تنتهي دائما بالنتيجة المعروفة: التطبيع خيانة.
بالنسبة لهؤلاء ليس هناك أي تحليل أو محاولة قراءة السياق العام الذي تم فيه هذا الاتفاق الذي قلب كل موازين القوى بالمنطقة، بل هناك فقط محاولة تغليب أفكار معينة، حتى وإن تم ذلك عبر سب وشتم كل من سولت له نفسه اللفظ بأي فكرة مغايرة.
من الأكيد أن الذين يرفضون فتح قنوات اتصال رسمية مع تل أبيب ينطلقون من نيات حسنة لا يمكن سوى احترامها؛ ما يجب رفضه هو عدم قدرتهم على احترام آراء من لا يفكرون مثلهم أو من يقولون كلاما مخالفا لما يؤمنون به من “حقائق”. فلو ابتعدوا قليلا عن نظرتهم الدوغمائية للأمور لرأوا ربما أن الواقع أكثر تعقيدا مما يتصورون، وأن ما حصل ربما هو بداية جديدة قد تكون حاسمة بالنسبة لمستقبل المغرب والمنطقة ككل.
هذا الاستنتاج هو وليد قراءات لتحليلات في صحف عالمية جادة وفرت لنا مجموعة من المعطيات الدقيقة التي قد تفتح منافذ أخرى لمحاولة فهم ما جرى خلال الأسبوع الأخير، دون السقوط في فخ امتلاك الحقيقة المطلقة. فما أكتبه على هذا المنبر هو اجتهاد شخصي قابل للخطأ.
المعطى الأول يأتينا من خوان لويس سيبريان، في مقالة نشرت يوم 14 ديسمبر 2020 على صفحات إلباييس؛ ففي خضم انتقاده للحكومة الإسبانية الحالية يتطرق لمجموعة من القضايا المحلية بالجارة الشمالية، ليعرج بعد ذلك للتخبط الدبلوماسي واهتزاز صورة إسبانيا في المحافل الدولية. في هذا الجزء يتوقف كاتب المقالة عند إلغاء زيارة رئيس الحكومة بدرو سانشيز للمغرب ويردها للتصرفات الهوجاء لحليف سانشيز في الحكومة وزعيم حزب بوديموس بابلو إيغليسياس، لأنه ولحسابات سياسية ضيقة لم يفهم من هو المغرب. وهنا بيت القصيد: فسيبريان يقول له بالحرف: “المغرب دولة محورية في عملية بناء النظام العالمي الجديد”.
خوان لويس سيبريان هو مؤسس الشركة الإعلامية بريسا، التي توجد من بين إصداراتها صحيفة إلباييس الشهيرة. تجربة وعلاقات سيبريان المحلية والدولية تجرني إلى إعطاء مصداقية كبيرة لكلماته التي يعتبر فيها المغرب مفتاحا لنظام عالمي جديد. علينا فقط أن نقرأ بين السطور ما نوع الرسالة التي بعثها لمسؤولي بلاده، ولكن هذا موضوع آخر.
المعطى الثاني يتمثل في تكهنات تورد لندن كوجهة ثانية لدولة غربية تقرر الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وتفتح قنصلية لها هناك. الاعتماد هنا على مؤشر رئيسي: في 26 من أكتوبر 2019 قرر المغرب وبريطانيا الاستمرار في تطبيق اتفاقيات التعاون التي كانت تجمعهما داخل منظومة الاتحاد الأوروبي والاستمرار في تفعيلها بعد البريكسيت المبرمج سنة 2021. هذه الاتفاقية، التي صادق عليها المغرب في مجلس حكومي ترأسه عاهل البلاد، تم تزويدها بأدوات قانونية تسمح للمواد المنتجة بالصحراء بتصديرها للمملكة المتحدة دون شروط خاصة، وهو ما يشكل اعترافا ضمنيا بالسيادة المغربية.
لو صدق هذا التكهن فسيكون الباب الرئيسي الذي ستدخل عبره كل الدول الغربية الأخرى، وفي أقرب الأوقات.
المعطى الثالث نستخلصه من الطريقة التي تم بها إلغاء زيارة رئيس الحكومة الإسباني. كل الإشارات كانت تسير في اتجاه عدم استقبال الملك لبدرو سانشيز في حالة تمت هذه الزيارة، مع كل ما يحمله ذلك من دلالات.
المهم أنه لما تم الاتفاق على الإلغاء كان من المفروض أن يكون ذلك عبر بيان من طرف الحكومتين يتم بثه في التاسعة مساء من 11 ديسمبر 2020، أي في اليوم نفسه الذي تم فيه إعلان اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء، وفتح قنصلية بها. بهذا الشكل فهمت الحكومة الإسبانية مغزى الخطوة المغربية التي ترمي في اتجاه الضغط على إسبانيا للخروج عن موقفها الضبابي في هذه القضية.
المعطى الرابع تبرزه المواقف التي بدأت تبديها دولة جنوب إفريقيا مؤخرا، والتي شبهها بعض المدافعين عن استقلال الصحراء بطعنة بروتوس لقيصر. حليفة الجزائر الرئيسية في هذا الملف بدأت تفهم أنها راهنت على حصان خاسر فقررت أن تصحح مسارها قبل فوات الأوان. جنوب إفريقيا واعية بأن التحولات الأخيرة بالمنطقة قد تكون انطلاقة زلزال جيوبوليتيكي لا تريد أن تكون من ضحاياه؛ فالدول مصالح وهي لا تقوم إلا بما تمليه عليها مصالحها.
المعطى الخامس، وأعتمد فيه على بعض الصحف الإسبانية القريبة من أجهزة مخابرات بلادها، ويتحدث عن اتصال غير مباشر تم يوم الجمعة 11 ديسمبر 2020 أو اليوم الذي تلاه بالرئيس المنتخب جو بايدن من داخل القصر الملكي المغربي، وذلك عبر مكالمة هاتفية أجراها معه ابن عم الملك مولاي هشام (نعم مولاي هشام) وبإذن من الملك نفسه.
المعطى السادس، وأركز فيه على جولة ياسين المنصوري في العديد من الدول الآسيوية، التي تمت بغاية إقناعها بفتح قنصليات بالصحراء؛ وهو ما سيتم قريبا كدليل على أن هذه المعركة حسمت تقريبا، وأن الخطوات القادمة هي نحو ترسيخ دور جيوبوليتيكي جديد قد يكون بداية صفحة مغايرة لم نعهدها من قبل، ستتجلى بشكل أوضح بعد القضاء على وباء كورونا.
كل هذه المعطيات، بالإضافة إلى البناء الذي تم خلال السنوات الأخيرة، من استثمار في إفريقيا والعمل على بناء تعاون جنوب جنوب، هو وليد تخطيط محكم بدأت تتجلى خيوطه الآن شيئا فشيئا؛ فما كان يبدو ارتجالا ومجازفة وفي بعض الأحيان أخطاء قاتلة ها هو يبرز لنا عن ملامحه بشكل أفضل لنكون أمام خطة محكمة يلعب فيها المغرب جسر الولايات المتحدة في امتداداتها الإفريقية.
هذه التحولات قرأها النظام الجزائري كتهديد لأمنه القومي، متناسيا أنه هدد الأمن القومي المغربي لمدة تزيد على 45 سنة. في الوقت نفسه، استوعبت إسبانيا أن مغرب اليوم يختلف عن مغرب الأمس، وأنه لم يعد هناك مجال للعب على كل الحبال. فإذا كانت إسبانيا تدافع عن مصالحها ولها الحق في ذلك، فإن المغرب له كذلك الحق في الدفاع عن مصالحه واستعمال كل الأدوات الممكنة لتحقيق ذلك.
الرهان المغربي أثبت اليوم نجاعته في الدفاع عم وحدته الترابية وامتداداته الجيوبولوتيكية. وأكيد أن الصراع لم ينته، ولكن لنقل إنها خطوة مهمة في وضع حد لنزاع عمر طويلا، وكان بالإمكان حله بطرق أخرى. ولكن حسابات النظام الجزائري الخاطئة جرت المنطقة في اتجاه يصب لا محالة اليوم في صالح المغرب؛ الأمر الذي يجب أن يملأنا فخرا واعتزازا على اختلاف مشاربنا.
من هنا فإعادة العلاقات مع إسرائيل هو تفصيل صغير في عملية معقدة جدا. لذلك حصر ما حصل خلال الأيام الأخيرة في واقعة هامشية لتكريس خطاب إيديولوجي مهما كانت شعبيته وقدرته على العزف على أوتار حساسة، يدل فقط على عدم الجاهزية لتسيير دفات الحكم. فالدول تحتاج لمن يحسن الدفاع عن مصالحها وليس لمن يريد تحرير فلسطين بـ”بوست” على “فيسبوك” أو “هاشتاغ” بـ”تويتر”.
قد يهمك ايضا
سانشيز يشكر محمد السادس على الالتزام بقضية الهجرة خلال زيارته للمملكة
سانشيز يؤكد أهمية "لقاء مراكش" في قيادة الهجرة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر