مهنة التطريز تضرب جذورها في عمق التاريخ الفلسطيني
آخر تحديث GMT 14:17:25
المغرب اليوم -

تحاول النسوة مواجهة الاحتلال والتهويد عبر رسوماتهن

مهنة التطريز تضرب جذورها في عمق التاريخ الفلسطيني

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - مهنة التطريز تضرب جذورها في عمق التاريخ الفلسطيني

مهنة التطريز الفلسطيني
غزة ـ محمد حبيب

تمتاز مهنة التطريز الفلسطيني في قطاع غزة بالعراقة والإبداع، حيث تمتد جذورها عبر قرون، وتوارثتها الأجيال النسائيّة، إذ تعتبر تجسيداً لثقافة كل قرية ومدينة فلسطينية، هُجّر منها الفلسطينيون.
وحرصت المرأة الفلسطينية بشدة على ألّا تغيّر من ملامح الثوب الفلسطيني المطرز، أو أياً من المطرزات التراثية المعروفة بهويتها الفلسطينية، في مواجهة محاولات الاحتلال طمس المعالم الفلسطينية، بشتى الطرق.
وبقي التراث الفلسطيني صامداً أبياً على الانكسار والاندثار، حيث ورَّثته الأم لابنتها، فبات الحفاظ عليه شغلها الشاغل، بخيوطها الحريرية، وإبرها الخاصة، كي تحيك قطعاً غاية في الروعة والجمال.
ويحمل الثوب الفلسطيني دلالات كل مدينة وقرية فلسطينية، إذ يمكن تحديدها وفق ثوبها الخاص، بألوانه وخيوطه، وحياكة أشكاله الهندسية والزخرفية، حيث يتميّز، وفق المختصين والنساء العاملات في هذا المجال، نحو ثلاثين ثوبًا لقرى ومدن فلسطينيّة قديمة.
وأوضحت العاملات في هذا المجال، في تصريح إلى "العرب اليوم"، أنَّ "غُرز الحياكة تختلف من ثوب لآخر، حيث أنَّ هناك الغرزة الفلاحيّة، وغرز الغراب، المتباعدة والمتقاربة، والترقيع، والغرز المدنية، وغرزة الدرج، ورأس السهم، والمنجل، وغرز اللّف المتباعدة، والمتقاربة، وغيرها".
ولفتنَّ إلى أنَّ "لون الثوب، والسنابل التي تزيّنه، تختلف حسب المناسبة التي سيرتدى فيها، ومن سترتديه، مثل ثوب الخطبة، والعرس، إذ يتزيّن بتطريز النقود، فيما يتميّز ثوب الفلاحة بتطريز الأشجار، والنباتات، والطيور، والسنابل والفخار".
وأشرنَّ إلى أنّه "يستخدم في هذا الفن خيوط ملونة من الحرير، وأقمشة غالبها من اللون الأسود، وألوان أخرى، بحيث تظهر على شكل لوحات ورسومات وخرائط وصور للمقدسات، وأغطية تزين الطاولات، وأوشحة تُلبس على الرأس، وأثواب للمساند، وغيرها".
وأكّدت الحاجة أم أحمد داود، في منتصف العقد السابع من العمر، في حديث إلى "المغرب اليوم"، أنها "تحرص على العمل يوميًا في الحياكة والتطريز على قماش ذي مواصفات تناسب الشكل المطلوب"، مبيّنة أنَّ "شيخوختها لم توقف عزيمتها في مواصلة مهنة التطريز اليدوي، التي ورثتها عن أمها، إذ اتّخذت منزلها في غزة مكانًا لمزاولة مهنتها".
وبيّنت أم فتحي، في تصريح مماثل، أنها "لا تعمل بغية الحصول على المال، وإنّما تعمل بغية الحفاظ على أصالة وحضارة وجمال الزي الفلسطيني"، مشيرة إلى أنها "حرصت على تعليم بناتها وحفيداتها، وحتى النساء الغريبات عن أسرتها، هذا الفن الأصيل".
وتقضي أم عمرو، من غزّة، وقت فراغها في تطريز أشكال متنوعة من المشغولات، موضحة، في حديث إلى "المغرب اليوم"، أنَّ "مهنة التطريز لها أسّس وقواعد، أثناء عملية التنفيذ، تكمن في اختيار نوع القماش والخيط"، مشيرة إلى أنَّ "حياكة التطريز تتكون من وحدات ومجموعات وغرز زخرفية، لكل منها معناها الخاص، وفق التصميم الهندسي المُعَد سلفًا، ليخرج في النهاية التصميم والشكل المطلوب".
واعتبرت أُم عمرو أنَّ "الإبداع في الرسومات يأتي مستلهمًا ومستوحى من البيئة الفلسطينية"، عازية بقاء المهنة إلى "تفاخر واعتزاز وتمسك الفلسطينيّين، عبر أجيال، بزيهم التراثي، الذي أخذ أشكالاً وتصاميمًا إبداعية، بألوان جذابة".
وأشارت إلى أنَّ "مهنة التطريز اتّخذتها في الماضي المرأة الفلسطينية كمهنة رئيسة لها، تُحاكي بها كل ما تراه في بيئتها، من طيور وبعض الحيوانات وأدوات زراعية وزهور ونباتات وأشجار".
وأكّدت أنَّ "المهنة في الوقت المعاصر تقلّصت، وبقيت عند البعض هواية لشغل وقت الفراغ، أو مهنة للبعض كمورد رزق، لكن في مجملها تحمل خيوطها وأشكالها الحرية، وحق العودة".
وعن سبب تميّز كل بلدة بثوبها الخاص، بيّنت أم عمرو أنَّ "النساء في الماضي لم يمتلكنَّ حريّة التنقل بين القرى والمدن، بغية اكتشاف التصميمات الجديدة، لذا كنَّ يبدعنَّ من وحي محيطهنَّ، ما حافظ على تراث كل قريّة وتاريخها".
ولم تتوقف عزيمة أم خليل (50 عامًا) في مواصلة مهنة التطريز اليدوي، الذي ورثته عن أمها، وتعمل فيه منذ أكثر من 25 عاماً، موضحة أنَّ "الشكل الفني يدلُّ على ملامح فلسطين الحقيقيّة، وهذا ما يزيد من أهمية التراث، وقدرته على التعبير عن ملامح القضيّة".
وبيّنت أم خليل، وهي تشير إلى صورة تضم الثوب الفلسطيني بمختلف جنسياته، أنَّ "كل مدينة أو قرية لها طابع تطريزي خاص بها، وهذه الصورة جزء من أشكال الثوب الفلسطيني، من أماكن مختلفة من فلسطين".
وأضافت "اللّباس التقليدي الفلسطيني، أو الأزياء الفلسطينيّة، جزء من ثقافة الشعب الفلسطيني، وتراثه، على امتداد تواجده في فلسطين التاريخيّة، حيث يمثل كل ثوب جزء من هذه الثقافة، سواء كانت مدنية أو فلاحية أو بدوية، كذلك تمثل الأزياء النسائية في بعض الأحيان مدنًا فلسطينية محدّدة عن سواها من المدن الأخرى".
وأوضحت أنَّ "تراث فلسطين يرتبط مع تنوع جغرافيتها، فالتراث في المناطق الجبلية يختلف عنه في المناطق الساحلية والصحراوية، فكل منطقة لها تراث خاص بها، عادات وتقاليد تميزها عن غيرها".
وفي سياق متّصل، بيّنت إحدى مدرّبات التطريز لدى مركز مهنيّ في غزة، وتدعى ريم علي، في حديث إلى "المغرب اليوم"، أنَّ "الحكمة تقول إذا أردت أن تعرف شعبًا أدرس تاريخه، لذا حرصت على تدريب الفتيات والنساء على إخراج عمل تطريز يدوي، بصور معبّرة، تنطق دون الحاجة للكلام عن المضمون".
وعن الاستلهام في الرسومات وأعمال التطريز اليدوية، اعتبرت ريم أنَّ "البيئة الفلسطينية غزيرة بذلك في الوقت الحاضر، إذ تأخذ أشكالاً تراثية مختلفة، تعبّر عن الماضي، وتمتزج بالحاضر، مع الحفاظ على الشكل القديم".
وأوضحت أنَّ "الثوب الفلسطيني، وغطاء رأس المرأة، وصور الريف، والآيات القرآنية، حاضرة في عمل النساء والفتيات المتدربات، بينما الأهم في التوجهات هي المشغولات المطرزة لإكسسوارات معاصرة، والتي تعبّر عن تراثنا وملامح قضيتنا، وتروي حكاية شعبنا المهجّر، وحصاره في غزة".
وتحرص الجمعيات والمؤسسات النسائيّة والمدنيّة والتراثية في قطاع غزة على عقد دورات وورش تدريبية، وندوات، بشأن الحفاظ على التراث الفلسطيني، وإعادة إحيائه، ومنها مهنة فن التطريز، التي ساهمت بمشاركة منتجاتها في معارض محلية وعربية ودولية.
وأبرزت مدير جمعية "الثقافة والفكر الحر" مريم زقوت أنَّ "الجمعية تقيم مهرجانًا سنويًا، بمشاركة مئات الأطفال والنساء، تحت عنوان (الجذور التراثية.. نحن باقون ما بقي الزعتر والزيتون)، مؤكّدة أنَّ "الاحتلال الإسرائيلي يحاول، عبر هجمات شرسة مستمرة، تهويد وسرقة كل ما هو فلسطيني، بما فيه الزي الشعبي النسائي".

 

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهنة التطريز تضرب جذورها في عمق التاريخ الفلسطيني مهنة التطريز تضرب جذورها في عمق التاريخ الفلسطيني



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib