القاهرة ـ وكالات
يتناول كتاب 'إشكالية المجتمع المدني العربي' نشأة وتطور مفهوم المجتمع المدني في الغرب، وأيضاً في المنطقة العربية، ودور هذا المجتمع في الوقت الحاضر بين ضغط السلطة من جانب، وبين مقايضات القوى الخارجية من جانب آخر.
الكتاب أصدرته مؤخرا الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن مكتبة الأسرة ويقع في 168 صفحة، ومؤلفه هو أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة بنغازي في ليبيا الدكتور صالح السنوسي، حيث يشير في البداية إلى أن هناك خلافا بين المفكرين حول مفهوم ومبررات وجود المجتمع المدني، يتمحور حول رؤيتين: الأولى تعطي لمفهوم المجتمع المدني بعدا سياسيا، وتربط وجوده بالدولة التي ينبغي أن تكون القيم عليه لأنه يستمد شرعيته منها، والثانية تعتبر المجتمع المدني ظاهرة اقتصادية، تتشكل من تقسيم العمل وتبادل المنافع وينظمها السوق.
ويقول المؤلف إن رواد العقد الاجتماعي الذين سبقوا الثورة الفرنسية أجمعوا على أن المجتمع المدني ما هو إلا ثمرة تعاقد الأفراد، وأن الدولة هي الضامن لاستمراريته، غير أن هذا التوافق طرأت عليه خلافات كثيرة طوال الحقبة التي تلت الثورة الفرنسية وحتى الآن، حيث دخل الاقتصاد كأساس لنشوء المجتمع المدني.
ويواجه مفهوم المجتمع المدني كظاهرة اجتماعية اقتصادية مشكلة معقدة في المجتمعات العربية، بسبب ما تمثله العصبية بمختلف أشكالها من عوائق اجتماعية وسياسية، وتتجاذب الفرد العربي ثلاث دوائر هي: العصبية والدولة والمجتمع المدني، غير أنها ليست في مستوى واحد بالنسبة للفرد.
ولا تبدو الدولة القطرية العربية في معظم حالاتها قادرة على لعب دور الحاضنة للمجتمع المدني، وذلك لقصور يتعلق بظروف نشأتها من ناحية، وبمتغيرات طرأت على مسيرتها من ناحية أخرى، وبالتالي يصبح من الصعب مقارنتها بالدولة الوطنية في الغرب، التي تطورت بمفهومها من المدينة اليونانية إلى دولة الشأن العام، التي أنتجتها الحداثة الغربية كتنظيم مؤسسي عقلاني، ساهمت في بروزه جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، التي تميزت بها القارة الأوروبية.
ويرى المؤلف أن الأنظمة العربية جميعها تشترك في صفتين أساسيتين: الأولى احتكار المجال السياسي والهيمنة على مقدرات الدولة، والثانية طغيان مفهوم العصبة والقبيلة على مفهوم المجتمع المدني.
وبالتالي فإن قوة العصبة وهيمنة الدولة لا تمثلان العائق الوحيد لنشوء وتطور المجتمع المدني، بل عدم وضوح مفهوم الدولة في المنطقة العربية أثر على مفهوم المصلحة العامة لدى الفرد، فانحصرت حدودها في نطاق مصلحة الجماعة أو الفئة التي ينتمي إليها، ولهذا فإن تنظيمات المجتمع الأهلي، كالطوائف والحرف، قد تكون مثلث بداية تشكيل مجتمع مدني، لكنها لم تتطور بسبب عدم وضوح مفهوم الدولة، التي من المفترض أن تمثل رمزا للمصلحة العامة.
ويشير المؤلف إلى أن علاقة الغرب بموضوع المجتمع المدني في المنطقة العربية مرت بثلاث مراحل، الأولى لم تكن فيها قوى الغرب ترى من مصلحتها حدوث أي تغييرات في اتجاه الحريات السياسية في المنطقة العربية، وهذه المرحلة كانت في زمن الاستعمار منذ أوائل القرن العشرين.
وفي بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي أخذت بعض التغيرات والتحولات تظهر في أوروبا وليس في المنطقة العربية، ولكنها كانت أيضا بداية الاهتمام بالمجتمع المدني في العالم العربي، وتلك هي المرحلة الثانية، أما المرحلة الثالثة، وهي الحالية، فقد تميزت بفاعلية لم يسبق لها مثيل لدور العامل الخارجي في قضية الديمقراطية والمجتمع المدني في المنطقة العربية، وأيضاً لا يمكن تجاهل جملة من المتغيرات الداخلية، التي تراكمت طوال المرحلة السابقة، لتصب في الفاعلية والاستجابة لهذا الدور.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر