ناظم حكمت في رواية الملاك الأحمر
آخر تحديث GMT 02:16:12
المغرب اليوم -

ناظم حكمت في رواية "الملاك الأحمر"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - ناظم حكمت في رواية

دمشق ـ وكالات

عن شخصية الشاعر التركي الأشهر ناظم حكمت (١٩٠٢-١٩٦٣) الرومنطقية، إلى جانب حياته  الحافلة بالأحداث والإنجازات، هي التي تفسّر اختياره من قبل مواطنه نديم غورسيل بطلا لروايته الأخيرة "شيطان، ملاك وشيوعي"، التي تعد أقوى نص روائي كتبه غورسيل وصدرت ترجمتها الفرنسية حديثا بعنوان "الملاك الأحمر". تدور أحداث الرواية في إسطنبول وموسكو وخصوصا برلين، حيث يصل الراوي -كاتب تركي معروف لسيرة ناظم حكمت- للقاء شخص مجهول اتّصل به هاتفيا ووعده بوثائق في غاية الأهمية حول حياة الشاعر.وفي الفترة التي تفصل بين وصوله ولقائه بهذا الشخص، تتقاطر إلى ذهنه ذكرياته في هذه المدينة التي عاش فيها سنوات طويلة قبل سقوط جدارها المشؤوم، ذكريات تقوده بسرعة إلى محاكمة القرن العشرين الذي يعتبره زمن القتل والدمار والمجازر بامتياز، وإلى محاكمة برلين نفسها التي يشهد كل شارع من شوارعها على عنف هذا القرن. وفي هذا السياق، يستحضر جرائم النازيين في هذه المدينة، ثم تسلّط جهاز مخابرات ألمانيا الشرقية آنذاك (ستازي) على أبنائها وانغلاق الأبواب في وجه مَن لم يكن ينتمي إلى الحزب الشيوعي فيها. يستنتج الراوي بسرعة بأن تلك السنوات لم تكن "سنوات الخبز والورود والحرية"، كما وصفها ناظم حكمت، وبأن الشيوعيين، بتشييدهم صرح الشيوعية الذي تطلّب عملا جبّارا وتضحيات كبيرة، شيّدوا جدران سجنهم الخاص، وبأن جدار برلين لم يكن بالتالي سورا وقاهم شرّ الفاشية والرأسمالية كما ادّعى زعماؤهم، بل حاجزا منعهم من بلوغ حرّيتهم. وبتأمّله في أسباب تعلّق ناظم حكمت غير المشروط بالشيوعية، يصل الراوي إلى خلاصة مفادها أن الشاعر كان رومنطيقيا إلى أبعد حد وأن تخلي والده عنه وعن أمّه وهو طفل، وإهمال هذه الأخيرة له، لعبا دورا في تحوّل رفاقه الشيوعيين إلى عائلته الوحيدة، وفي وفائه حتى النهاية للعقيدة الشيوعية التي اعتنقها منذ اكتشافه في موسكو عام ١٩٢١ ثورة أكتوبر البلشفية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الراوي -الذي يقف غورسيل خلفه- لا يسرد حياة الشاعر بتسلسلها التاريخي بقدر ما يسعى إلى الغوص داخل عالمه الخاص بطريقة تجعلنا نتآلف مع عواطفه وآلامه ونفهم رؤيته للكون. وفي هذا السياق تحضر أقواله وأبياته الشعرية التي توقّع النص.ويجب انتظار نهاية الجزء الأول من الرواية كي نتعرّف على الشخص المجهول الذي أتى الراوي إلى برلين للقائه، وهو شيوعي تركي كان يعيش في ألمانيا الشرقية ويعمل مخبرا في جهاز "ستازي" ويوقّع تقاريره تحت اسم "شيطان".وعلى رغم إعجابه الكبير بناظم حكمت واعتناقه الشيوعية وهو شاب على أثر قراءة قصائد هذا الأخير، فإنه لن يتوانى عن خيانته بعد قبوله مهمة مرافقته في جميع تنقلاته وأسفاره.وفي التقارير التي سيخطّها عنه -وتحتل الجزء الثاني من الرواية- لا يتناول "شيطان" فقط أفعال الشاعر ذات الطابع السياسي وطبيعة علاقاته بالنظام السوفياتي، بل أسفاره الخاصة وحياته الغرامية الغنية بالفصول وحتى قصائد الحب الغزيرة التي كتبها.وفي الوقت ذاته، تعكس هذه التقارير وجهة نظر كاتبها الذي تبقى ظروف حياته المأساوية مجهولة حتى الجزء الثالث والأخير من الرواية.ومن خلال هذه التقارير التي تعجّ بالمعلومات حول سلوك ناظم حكمت ومساره، يتبيّن لنا أن وفاءه للشيوعية لم يمنعه من انتقاد دكتاتورية البروليتاريا وبيروقراطية الحزب الشيوعي وقادته الذين فقدوا اتّصالهم بالشعب، وعلى رأسهم "ستالين" الذي فضّل الشاعر عليه "تروتسكي" منذ البداية، كما يتبيّن لنا أن قيادات الحزب الشيوعي في موسكو أو برلين أو تركيا لم تثق يوما به بسبب حرّية تفكيره ونزعته المثالية وأصوله البرجوازية، وهو ما يفسّر تجسّسها عليه طوال حياته.وتشدّنا هذه الرواية بأسلوب كتابتها الحديث ولكن أيضا بطريقة تشييدها الكلاسيكية على شكل الدمية الروسية ماتريوشكا (دمية تتضمن داخلها عدة دمى أخرى) إذ تستحضر تقارير "شيطان" المكتوبة بشكل شبه روائي مفهوم "الكتاب داخل كتاب" المستعار من الأدب الرومنطيقي.كما تسلّط الرواية في أجزائها الثلاثة الضوء على مسار شخصيتين -الراوي و"شيطان"- تظهران في حالة سعي ثابت خلف شخصيةٍ ثالثة (ناظم حكمت)، في حين تشكل الشيوعية محورا -أو شخصية رابعة- لدوران الشخصيات الثلاث الأولى حولها ومنْح كل واحدة منها رؤيتها الخاصة لها.اواللافت في معظم هذه الشخصيات هو ازدواجيتها الواضحة: ازدواجية الشيوعية التي تظهر بجانبيها الخيّر والشرير، ازدواجية المغنية "إيبك" التي أحبها الراوي أثناء إقامته الأولى في برلين وكانت تغني بالألمانية على ألحان تركية وتعامله بقسوة كبيرة على رغم حبّها له، وازدواجية "شيطان" الذي خان ناظم حكمت على رغم افتتانه العميق به.فقط الشاعر يبدو متوازنا مع نفسه ووفيا لقناعاته لعدم شكه في قيمه واقتناعه طوال حياته بأنه ينتمي إلى معسكر الصالحين.وإذ تحضر هنا جميع المواضيع الغالية على قلب غورسيل، كالنضال السياسي والحب والغربة، لكنها تبدو معالجة بطريقة جديدة يتزاوج فيها الواقع بالخيال بشكل حميمي لا نعود فيه قادرين على تمييز أي منهما، خصوصا متى استسلمنا لعنصر الإثارة الحاضر بقوة في هذا النص الذي يُقرأ أيضاً كرواية بوليسية.لكن قيمة الرواية تكمن خصوصا في تصادُم الأزمنة داخلها، وبالتالي في تشكيلها تأمّلا عميقا في التزامات وتنازلات أجيالٍ ثلاثة: جيل ناظم حكمت الذي مدح الشيوعية قبل أن ينتقد انحراف زعمائها عن أهدافها النبيلة، جيل "شيطان" الذي لم يتمكن من تعزية نفسه على أثر سقوط النظام البوليسي الذي انتمى إليه، وجيل الراوي الذي تجاوز بكآبة وألم بالغَين أوهام سنوات شبابه.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ناظم حكمت في رواية الملاك الأحمر ناظم حكمت في رواية الملاك الأحمر



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib