القاهرة - المغرب اليوم
هل تريد أن تلتقي بالشمس لحظة شروقها من أعلى نقطة على شبة جزيرة سيناء؟ إنها حقا لحظة رومانسية ذات مذاق خاص ممزوجة بالطابع الروحاني لمهد الديانات الثلاث سيناء، وهناك في أعلى الجبل الذي يطلق عليه جبل المناجاة حيث كلَّم الله تعالى نبيه موسى -عليه السلام- يتملكك شعور غريب بالانبهار والإعجاب بعظمة الخالق وسط تضرعات التائبين وابتهالات المصلين.. فإذا كنت تتمتع بروح المغامرة، فما عليك إلا أن ترتدي حذاء رياضيا وملابس ثقيلة وغطاء للرأس تحسبا للصقيع في أعلى الجبل الذي يبلغ ارتفاعه 2285 مترا. ويقع الجبل في منطقة محمية سانت كاترين في نهاية وادي الأسباعية مع وادي الأربعين، ويحيط بالمنطقة عدة جبال متباينة الارتفاعات هي: جبل سانت كاترين وهو أعلى قمة في مصر ويبلغ 2641م فوق سطح البحر، وجبل الصفصافة وارتفاع قمته 2145م، وجبل الصناع وجبل أحمر ويتراوح ارتفاع القمم بين 1969م، 2037م، وجبل قصر عباس وارتفاع قمته 2341م. وهي تحتوي على مناطق لأقدم صخور في مصر، مثل: صخور النيس والشيست والتي تعود إلى 1100 مليون سنة. أيضا الجرانيت الرمادي والذي يعود إلى 850 مليون سنة، فضلا عن الجرانيت الوردي الذي يعود إلى 650 مليون سنة. تبدأ المغامرة ليلا وتنتهي عند وقت الشروق، بعد منتصف الليل تقريبا، حيث تقطع مسافة 230كم من مدينة شرم الشيخ والتي تستغرق ساعتين، لتصل إلى الجبل. وتبدأ كل مجموعة من المغامرين بلقاء المرشد الخاص بها أو الدليل والذي يكون من بدو سيناء ويجيد عددا من اللغات منها الروسية والإيطالية بجانب الإنجليزية، حيث يستمعون لشرح لتاريخ المنطقة وما سيتم خلال الرحلة، ثم يختار كل مرشد اسما يطلقه على مجموعته لينادي به عليهم خلال رحلة الصعود والهبوط للتأكد من أنهم لم يضلوا الطريق، ومن هذه الأسماء: سمسم، سانتا، علي بابا، سلامة، وغيرها من الأسماء التي تضفي على الرحلة جو المغامرة. وممنوع منعا باتا صعود الجبال دون الدليل حتى ولو لمسافة قصيرة. يتسلم كل فرد كشافا كهربيا، ليساعده في الاهتداء إلى طريقه بين الصخور والحجارة التي تعترض طريقه في ثنايا الجبل، ويبدأ الجميع في الانطلاق على وعد باللقاء على القمة لتصوير الشروق. إنها حقا مسيرة جميلة بين الجبال في ظلام الليل وأنوار النجوم المتلألئة في صفحة السماء، يحيطك صمت غريب يخلو من ضجيج المدن والبشر، وتأسرك هيبة الجبال الشامخة التي تشعرك بضآلتك وضعفك وتبث فيك عزيمة لتحدي ارتفاعها. وبعد دقائق يلاقيك مبنى رائع يأخذك إلى أجواء القرن الرابع الميلادي ليذكرك بعصور الأباطرة وهو أشبه بالقلاع والحصون تضيئه مصابيح خافتة، وهنا يتوقف المرشد ليشير سريعا إلى أنك تقف أمام دير سانت كاترين ويسرد بعض المعلومات، لكنه يتركك في شوق حتى لحظة زيارته بعد الانتهاء من صعود وهبوط الجبل، حيث يقع الدير عند سفح جبل موسى. وتعاود المجموعات مسيرتها لتفاجأ بعدها بالأعداد الهائلة من المجموعات التي تصعد الجبل وتتنافس كل مجموعة لتكون أول من وصل إلى القمة لتحجز مكانها أمام الشمس. وخلال رحلة الصعود ينتظر بدو المنطقة بالجمال من يغلبه التعب فتجدهم يعرضون عليك ركوب الجمل لمواصلة الرحلة الطويلة مقابل مبلغ زهيد. ويتطلب الوصول إلى القمة السير لمسافة تبلغ 7 كيلومترات ونصف الكيلو، وصعود ما يزيد على 750 درجة سلم صخري، والطريف أن الجميع يبدأ الطريق في منتهى النشاط والحيوية وبعد نصف ساعة فقط من السير على الأقدام تبدأ علامات الإرهاق واللهاث والرغبة في الاستسلام والعودة مرة أخرى إلى البداية. ووسط المجموعات قد تتخلف بعض الشيء عن مجموعتك إلا أنك تستطيع تتبع صوت الدليل الذي يظل ينادي باسم المجموعة ليطمئن على الجميع، وبعد ساعة تقريبا تجد الاستراحة البدوية الأولى في انتظارك، حيث يقدم البدو من خلالها المشروبات الساخنة والباردة والمأكولات لمن هم في حاجة إليها، ويمكنك خلالها التزود بالماء والاسترخاء للحظات تتنمى ألا تنتهي أبدا، هنا قد تندم للحظات لإقدامك على فكرة صعود الجبل، خاصة بعد فترات طويلة من الكسل والاعتماد على المصاعد الكهربائية والسيارات وعدم ممارسة الرياضة، إلا أنك ستجد المرشد يحمسك ويجعلك تواصل ما أتيت من أجله، وبالتأكيد سيخبرك عن عدد المرات التي صعد فيها هذا الجبل وأنه يستطيع الصعود للقمة في ساعتين فقط، وهو ما يحدث فعلا حيث إن هؤلاء المرشدين قد يصعدون الجبل يوميا مع الأفواج السياحية التي تأتي خصيصا من أجل صعود الجبل والتقاط الصور أو من أجل الصلاة فوق الجبل. ويلعب المرشد دورا كبيرا في تشجيعك على مواصلة الصعود ويقص عليك قصص الأفواج الأخرى التي اصطحبها من قبل والمواقف الطريفة التي حدثت معه. وتستمر الرحلة وبعد قليل ستشعر بالألفة مع المكان حيث إنه آمن جدا فلا وجود لحيوانات ضالة أو ذئاب، وستبدأ في تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين وستجد أن الجميع، مسلمين ومسيحيين ويهودا، يصعدون جنبا إلى جنب دون فوارق أو حساسية كل منهم يمثل له الجبل أهمية خاصة. وبعد فترات من السير وعندما تخور قواك ستجد أن استراحة البدو كطوق النجاة، حيث تجلس لتلتقط أنفاسك وعددها خمس استراحات تتناول فيها الشاي البدوي أو القهوة أو الكاكاو أو العصائر والمشروبات الغازية وقطع الحلوى والسناكس، وشراء بعض التماثيل والبيض الحجري الملون. وتحين اللحظة المرتقبة.. الشمس تشرق وينهمر الضياء.. عندها يكسو اللون الأحمر قمم الجبال المحيطة بك وكأنها تخجل من الشمس لحظة شروقها.. وعندما تلمسك أشعتها ستشعر كأنك ولدت من جديد بين أحضان الطبيعة وستغمرك أحاسيس رائعة.. فالمنظر من أعلى الجبل من أروع ما يكون على الإطلاق ويستحق المشقة والعناء، حتى إنك سترغب في الجلوس فوقه للأبد. وبعد التقاط الصور الفوتوغرافية، يصحبك المرشد في رحلة النزول التي غالبا ما تكون أسهل، وستشاهد منازل في أحضان الجبال يسكنها البدو وأبناء القبائل التي هاجرت من الإسكندرية لتسكن حول الدير منذ القرن الخامس الميلادي، وأشهرهم قبيلة الجبالية وهم أصغر وأضعف قبائل جنوب سيناء السبع.