الدار البيضاء : جميلة عمر
تمكنت بنظراتها الحادة وجرأتها أن تتخطى الطابور الذكوري، وأن تصنع لنفسها مسارًا فيه لحظات النجاح بلحظات الفشل، وتأترث بكل متناقضاته، التي عاشتها وساهمت في إفراز شخصيتها وتكوينها النفسي والعاطفي والفكري، وجعلت التحدي يرافقها في كل مراحل حياتها.. امرأة استثنائية بكل المقاييس، التحدي والطموح رافقاها في جميع مراحل حياتها إضافة إلى إيمانها العميق بالقضية النسائية.. إنها البرلمانية ميلودة حازم المتحدرة من قبيلة "بني عمير" التابعة لمنطقة تادلة والواقعة بإقليم بني ملال، امرأة نشأت في مرحلة بداية استقلال المغرب، كبرت وترعرعت بين حقول المنطقة،مسارها التعليمي كان جد موفق حيث حصلت على شهادة خولت لها الولوج إلى سلك التعليم، وعرفت حياتها تحولات اجتماعية وثقافية. تمكنت من الانتقال من سلك التعليم إلى المقاولة السياحية التي كانت فضاءً ذكوريًا.
وكان والدها بالنسبة لها المثل الأعلى، بالرغم من إمكانياته المتواضعة نجح في تربية 7 أبناء، تعلمت منه معاني التضحية والقناعة والاعتماد على النفس، كما تعلمت منه أيضا عزة النفس التي لا يمكن تعويضها بثمن وأن الاستمرارية ورفض الاستسلام من شروط النجاح؛ وزواجها لم يكن بطريقة تقليدية، بل جاء نتيجة علاقة عاطفية جمعت بينها وبين قريبها، الذي كان يتردد على منزل عائلتها باستمرار بدأت العلاقة في الأول بدروس التقوية في مادة الرياضيات وتبادل الكتب ومناقشة بعض الأفكار والآراء، بعد ذلك تطورت العلاقة وأدت إلى الارتباط.
أنجبت ميلودة منه ثلاثة أبناء اعتبرتهم هدية من السماء، "كمال" وهو مهندس معماري يعمل لحسابه الخاص، و"جلال" ربان طائرة في الخطوط الملكية المغربية، و"سفيان" مهندس معماري يعمل في مؤسسة عمومية، أهم ما يميزهم المزج بين الأصالة والمعاصرة فهم متشبثون بالحداثة مؤمنون بالتكنولوجيا المتطورة وبالتفتح على الثقافات واللغات، لكنهم أيضًا متمسكون بالهوية واللغة القومية والقيم الأخلاقية، وتربية أبنائها تدخل في إطار التحديات لأنها راهنت على النجاح في ذلك لتثبت خطأ إدعاء أن اشتغال المرأة خارج المنزل يساهم في إفشال الأسرة وانحراف الأبناء، طبعا لابد من التذكير بأن هذا النجاح تقاسمته مع زوجها، الذي يؤمن بأهمية التربية الحديثة المبنية على الحوار وتشجيع المبادرة الخاصة.
واخترقت ميلودة المجال السياسي، في بداية الثمانينات، بعدما كان حكرًا على الرجال دون النساء، كما احترفت المجال التشريعي عام 2002 في أول تجربة لمجموعة من النساء كان هدفهن تقديم الدليل العملي على أهمية المشاركة النسائية وفسح المجال لتوسيع دائرة المشاركة النسائية في مراكز القرار، عمق إيماني بالقضية النسائية ورفضي لكل أساليب التهميش والإقصاء، كل هذه التحديات تقتضي الصمود ورفض الانكسار والمراهنة على النجاح، الذي يتمثل في القدرة على الاستمرارية وعدم الاستسلام للإحباط، ومن بين الدروس التي تعلمتها في مشوار حياتها هو أن الطموح مشروع للجميع، لكن النجاح رهين بالالتزام على تخطي كل الحواجز والعراقيل.