الجزائر – ربيعة خريس
رفع السجناء الجزائريون التحدي، وقرروا التكيف مع الواقع " المر"، الذين يعيشوه يوميا خلف القضبان، وعلى الرغم من تنوع وتعدد الحكايات وقصص السجناء الذين قادتهم لحظة وغضب انفعال إلى القصاص، وتورطوا مع رفقاء السوء في جلسة مخدرات وسرقة كل ما خف وزنه وغلا ثمنه، ويرون أن السجن خلصهم من مصائب تكون أكبر، إلا أنهم يسعون جاهين لتعويض ما فاتهم داخل السجن، من خلال مواصلة الدراسة الجامعية والمدرسية، على الرغم من أنهم يبقون في سجن، بعيداً عن الحرية التي لا يعرف ثمنها إلا من دخل السجن، فالجلوس مع العائلة أثمن حرية على وجه الأرض.
وعلى الرغم من الحزن الظاهر على وجهها، وعيونها التي لا تجف منها الدموع، إلا أن السيدة "لويزة, ب"، البالغة من العمر 60 عامًا، أم لأربعة أبناء، خرجت من أبواب المؤسسة العقابية في ولاية البليدة غرب الجزائر، بعد زيارة ابنها الذي تورط في جريمة سرقة مع أصدقائه في الحي الذي يقطن فيه، والفرحة تغمر قلبها. وقالت في حديثها مع "المغرب اليوم"، أنها فخورة بابنها "ميلود" البالغ من العمر 30 عامًا، والذي يحاول طي صفحات الماضي والنظر إلى المستقبل، وقرر مزاولة الدراسة للوصول إلى الحصول على البكالوريا وراء القضبان، حتى يتسنى له الحصول على مهنة بعد انتهاء فترة عقوبته.
ولا يعتبر ميلود الوحيد الذي يزاول دراسته خلف القضبان، بل ينتظر نحو 34 ألف سجين جزائري اختبارات نهاية العام الدراسي، ويعتبر رقم مشجع ودليل قاطع على إصلاح منظومة العدالة الجزائرية، وسجلت إدارة السجون تسجيل نحو 4 آلاف سجين في الموسم الدراسي الجاري، وهو ما يعتبر دافعا لحمل مساجين آخرين على التحمس للدراسة، حتى لو كان الأمر في إطار اكتساب حرفة.
يخوض أكثر من 34 ألف سجين عبر مختلف المؤسسات العقابية الموزعة على التراب الوطني هذا الامتحان في ظروف "جيدة" وتنظيم "محكم"، حسب ما أعلن المدير العام لإدارة السجون مختار فليون لدى إعطائه إشارة الانطلاق من مؤسسة إعادة التربية والتأهيل في القليعة ولاية تيبازة. وكشف المدير العام لإدارة السجون مختار فليون، في تصريحات صحافية، أن 34 ألف سجين عبر مختلف المؤسسات العقابية الموزعة على مستوى الجزائر امتحانات إثبات المستوى للموسم الدراسي 2016-2017، مشيرًا إلى أن العملية تتم في ظروف "جيدة" وتنظيم "محكم".
وبلغة الأرقام سجل فليون ارتفاع عدد المسجلين الجدد المقبلين على هذه الامتحانات، التي انتهت، الخميس، 4.000 مسجل. وأرجع أسباب الإقبال المتزايد من سنة إلى أخرى إلى الإجراءات، التي أقرتها لجنة إصلاح العدالة منذ سنوات، إلى جانب تدابير العفو الرئاسي و الإفراج المشروط.
وأكد المدير العام لإدارة السجون أن وزارة العدل تحرص على منح نفس الفرص لجميع النزلاء دون إقصاء أو تهميش مهما كانت نوع الجريمة المرتكبة، ومدة العقوبة المسلطة على السجين في كنف احترام حقوق الإنسان، مبرزا أن الحق في التعليم حق "دستوري لا يناقش". وبيّن المدير العام للسجون أن النتائج الإيجابية والمثمرة لمختلف برامج التعليم و التكوين التي يستفيد منها السجين خلال قضائه فترة العقوبة، تساعده على اندماجه بسرعة في المجتمع بعد خروجه من السجن، سيما منهم الحاصلين على مستوى جامعي و عدم انحرافهم أو ارتكابهم لجرائم مجددا.
وبلغ عدد المحبوسين المسجلين لمواصلة الدراسة عن بعد 34.037 محبوس من بينهم 25.480 محبوس مسجلين في المستوى المتوسط و 8.557 في المستوى الثانوي، فيما بلغ عدد المؤطرين للعملية 706 أستاذا بالإضافة إلى الموظفين التابعين للقطاع، ومحبوسين من ذوي المستوى، وقد أبدى هؤلاء المترشحين رضاهم على سير العملية، مؤكدين توفير إدارة السجن المراجع والكتب الضرورية للتحضير لهذا الامتحان.
والأمر الذي يمكن تأكيده من الأرقام التي كشف عنها المدير العام لإدارة السجون في الجزائر، مختار فليون، هو ارتفاع عدد المرشحين لنيل شهادة البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط، حيث تم تسجيل قرابة 4000 مرشح لشهادة البكالوريا، و 7000 لشهادة المتوسط. وتستعد الإدارة العامة للسجون بالتنسيق مع وزارة التربية الجزائرية، لتنظيم امتحانات شهادة البكالوريا الرسمية.
ويعتبر ثاني دليل قاطع على النجاح الذي حققته العدالة الجزائرية ارتفاع نسبة الناجحين في الامتحانات الرسمية حيث نمكن 72 في المائة من المحبوسين الذين يستفيدون من برامج تعليمية وتكوينية، تحصلوا على علامات أكثر من 12على 20، خلال مختلف الفروض التي أجريت طيلة العام وهو المؤشر الذي يوصف بـ "الإيجابي والمحفز".