برلين - المغرب اليوم
توالت المفاجآت في قضية مقتل الناشطة الألمانية المتعاطفة مع اللاجئين في الوقت الذي تستعد فيه النيابة الألمانية لتوجيه اتهام بالقتل للسائق المغربي المشتبه به في القضية.
وأثارت قضية الشابة الألمانية صوفيا البالغة من العمر 28 عاماً التي عثر على جثتها في إسبانيا في يونيو/حزيران 2018 غضباً كبيراً في ألمانيا. إذ يشتبه في أن سائقاً مغربياً قد قتلها بعد أن ركبت معه شاحنته.
وأعلنت النيابة العامة في مدينة بايروت الألمانية، مؤخراً، أنها ستدفع هذا الشهر باتهام بالقتل ضد المشتبه به بشدة بارتكاب الجريمة، وهو سائق شاحنة مغربي يدعى بو جمعة ل. (41 عاماً)، أصبح مسجوناً في ألمانيا بعد تسلمه من إسبانيا شهر أغسطس/آب الماضي، التي كانت قد اعتقلته في وقت سابق.
وذكر متحدث باسم النيابة لوكالة الأنباء الألمانية (DPA) أنه ليس هناك موعد محدد بعد لتقديم الاتهام ضده، في قضية مقتل الناشطة الألمانية المتعاطفة مع اللاجئين.
وأرادت صوفيا إيقاف سيارة والسفر معها مجاناً من شرق ألمانيا إلى ولاية بايرن، قبل أن تختفي ويُعثر على جثتها في إسبانيا، ضجة حينها، لاسيما بعد محاولة جهات يمينية متطرفة استغلال المأساة العائلية.
وكان جزء من الصدمة من الجريمة سببه الطريقة التي تم بها الإجهاز عليها، إذ أن المرجح أنها تعرضت للاغتصاب قبل أن تتعرض للتصفية. وكانت رسالة نصية قصيرة sms للسياسية الشابة، هي التي أوصلت المحققين إلى السائق المغربي، هذه الرسالة بعثتها لأصدقائها وتتضمن الترقيم المغربي للشاحنة التي ركبت فيها والتي كان يقودها المتهم.
وتنحدر الطالبة صوفيا (28 عاماً) من مدينة أمبرغ بولاية بايرن، وكانت ترغب منتصف يونيو/حزيران الماضي 2018 في السفر من مدينة لايبتزغ التي تدرس فيها إلى أمبرغ، حيث تعيش عائلتها.
ويعتقد المحققون أن سائق الشاحنة أقلها من محطة وقود على الطريق السريع عند بلدة شكوينديتز بساكسونيا، قبل أن يتم قتلها في محافظة فرانكفونيا العليا ببايرن. وعثر على جثة الطالبة الألمانية بعد 6 أيام قرب محطة وقود في بلدة أسبارينا بإقليم الباسك شمال إسبانيا.
وألقي القبض على الرجل المغربي جنوب العاصمة مدريد قبل يومين من العثور على الجثة.
ودفنت الضحية صوفيا في أمبرغ في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بحضور ٢٠٠ من الأقارب والأصدقاء. وحاولت قوى اليمين استغلال قضية مقتل الناشطة الألمانية المتعاطفة مع اللاجئين، ولكن رفضت العائلة في كلمة ألقيت خلال دفنها، وفقاً لشقيقها، استغلال اليمين الشعبوي مصيرها المأساوي لأهدافهم الخاصة، وفقاً لصحيفة «lvz» الألمانية. وكانت حركات وأحزاب يمينية متطرفة قد رفعت صورة صوفيا خلال «مسيرة حزن» مزعومة على ضحايا ألمان من قبل جناة أجانب في مدينة كيمنتز، رغم رفض عائلتها المتكرر استغلالها لأهداف سياسية. وقامت العائلة باللجوء للسبل القانونية لمنع استخدام صورتها.
وسبق أن قال شقيقها أندرياس لوشه المنتمي لحزب الخضر الذي يشتهر بمواقفه الإيجابية تجاه اللاجئين إن القتيلة كانت ترفض كل أشكال التحريض العرقي والمواقف العنصرية، ولم تكن لتقبل بأن يتم استغلال اسمها لإذكاء الخطاب العنصري ضد المهاجرين، وهو ما يحدث حالياً، كما أكد أنهم تلقوا العديد من التعليقات والتهديدات بالقتل من أشخاص ينتمون إلى اليمين المتطرف.
وانخرطت صوفيا في النشاط السياسي منذ سنوات، وترأست العديد من اللجان والمنظمات الشبابية في الجامعة وفي الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني.
وبعد إعلان وفاتها، ذكر العديد من معارفها أن أمنيتها السياسية كانت جعل ألمانيا أكثر تنوعاً وقبولاً للآخرين، ومنذ سنة 2016، تاريخ بدء أزمة تدفق اللاجئين على أوروبا، كانت صوفيا تسافر باستمرار إلى جزيرة لسبوس اليونانية، للعمل متطوعة مع منظمة إغاثية تدعى «مطبخ بلا حدود».
وقال شقيقها، الذي هو أيضاً ناشط سياسي وعضو في حزب الخضر الألماني، إن صوفيا كانت مشاركة في العديد من المبادرات ضد العنصرية، ومدافعة عن حرية التنقل ومبدأ فتح الحدود.
وسرد شقيقها أندرياس لوشه (51 عاماً)، لصحيفة «Bild» الألمانية كيف ساعد مع فريق بحث كبير في القبض على المشتبه به، بينما كانت الشرطة متقاعسة.
واعتبر أن الشرطة الألمانية ما كانت لتجد الجثة أو الجاني، إن لم يقم هو وعدد من رفاقه بالتحرك والبحث عن شقيقته. وكان والد صوفيا يريد استقبالها عند محطة قطار في أمبرغ يومها لكنها لم تصل ووجد أن هاتفها كان مغلقاً، ما جعل الشكوك بحدوث مكروه لها تزداد لديهم. ثم قدم بلاغ اختفاء للشرطة في اليوم التالي.
واتهم أندرياس الشرطة عبر قناة “إم دي إر” العامة بعدم البحث بنشاط عن شقيقته وعدم أخذها مخاوفهم بإمكانية تعرضها لمكروه بجدية. وكان هذا التقاعس، رغم أن صوفيا كانت قد أرسلت رسالة لصديقة بأنها مع سائق مغربي على الطريق. من جانبه، قالت شرطة بايرن أنهم قاموا بالتدابير المطلوبة في الحال، دون ذكر تفاصيل.
وأخذ أندرياس زمام المبادرة، وبحث مع مجموعة داعمة له وصل عدد أفرادها أخيراً إلى ٩٠ شخصاً، عن شقيقته المفقودة.
وأوضح أندرياس أن فريقهم “لايبتزغ/ برلين” وزع في البداية في موقف سيارات عند تقاطع طرق سريعة قرب بلدة شكويديتز مناشير. وتمكن سائق شاحنة بولوني (بولندي) من تذكر شقيقته أخيراً. يقول إنه بعد التماسات متكررة، قيمت الشرطة الصور الملتقطة بإحدى كاميرات المراقبة وبالتالي عرفوا رقم الشاحنة وشكلها ومظهر السائق.
ويعتبر أندرياس أن ردة فعل الشرطة كانت غير ملائمة، حيث قيل لهم في فترة عطلة نهاية الأسبوع إنه يتوجب عليهم اتخاذ قرار يوم الإثنين على مستوى أعلى ليروا على من تقع مسؤولية التحقيق ولاية بايرن أم ولاية ساكسونيا، ثم قيل لهم تم فعل كل ما يمكنهم القيام به، ولن يفعلوا شيئاً آخر. ووصف ذلك بأنه كان خبراً مدمراً بالنسبة لهم، وأنهم أحسوا حينذاك بأنها تُركوا لشأنهم.
وكانت صوفيا في ذلك الوقت ميتة على الأرجح. إذ أظهر تقييم بيانات تحديد الموقع “GPS” الخاصة بالشاحنة أن بوجمعة توقف بعد ساعات قليلة فقط من اصطحابه صوفيا من شكويديتز، مدة أكثر من ساعتين على استراحة على الطريقة “A 9“، عند منطقة شبيربس في بايرن. يقول أندرياس إن السلطات ترجح أن الجريمة حدثت هناك. إلا أن المشتبه به بو جمعة قاد ٣ أيام أخرى والجثة بصحبته حتى وصل إلى إسبانيا، كما يُفترض.
وتوجب على شقيقها والفريق الذي تكون سريعاً لمساعدته البحث لوحدهم. إذ قاموا بتعليق لافتات عليها صورتها في الاستراحات على الطريق، وتم تكوين صفحة فيسبوك وصل عدد متابعيها خلال فترة قصيرة إلى ١٠ آلاف، وتوزيع نداءات البحث عن مفقود في كل أوروبا.
وتمكنوا أخيراً من العثور على السائق المغربي ورقم هاتفه، وقام الأخ بنفسه بالاتصال مع السائق المغربي. الغريب أنه يقول لقد توجب عليهم مجدداً أن يتصلوا بأنفسهم هذا الاتصال الحاسم، وبات على الشرطة استلام المعلومات منهم فحسب.
ويقول شقيق الضحية أندرياس للصحيفة الألمانية إنه تم اعتقال بوجمعة في النهاية قبل ٣٠٠ كيلو متر فقط من وصوله للعبارة التي كان من المفترض أن تأخذه للمغرب، مخمناً بأنه لو وصلها لكان قد اختفى على الأرجح. ويشدد لوشه على أنه سيذهب قدر الإمكان إلى بايروت، لكي يتابع مداولات محاكمة المتهم، موضحاً أنه يدين لصوفيا بذلك.
وكان إدريس عسيلة مدير عمل السائق المغربي بوجمعة مصدوماً حين سمع الخبر العام الماضي، قائلاً إنهم لم يظنوا البتة أن يقوم بشيء كهذا. فالسائق يعمل في شركة الشحن هذه ومقرها في طنجة المغربية منذ 3 أعوام، خضع قبلها لتدريب كسائق شاحنات.
وقال عسيلة "كان يعيش حياة طبيعية تماماً في المغرب وكان عاملاً لطيفاً، يأتي لأجل تصفية حساب عمله في المكتب مع أطفاله، ويقوم بالكثير من الرحلات الدولية"، ويقوم فيها بنقل قطع غيار السيارات والنسيج. وأشار «عسيلة» حينها إلى أن المشتبه به كان رجلاً مؤمناً، يذهب لصلاة الجمعة ويصلي 5 مرات في اليوم كأي مسلم، وهو متزوج لديه 4 أطفال هم ثلاث فتيات أعمارهن (9، 10، 14) وطفل في الثانية من العمر.
وكان يحصل بحسب مديره على راتب شهري «جيد» بالمقارنة بالوضع في المغرب، قدره 800 يورو شهرياً إلى جانب علاوة قدرها 30 يورو عن كل يوم عمل خارج المغرب. وكان المشتبه به يعيش مع عائلته في شقة مكونة من 4 غرف، وكان وفقاً لمديره إدريس محباً للرياضة، فسجل اثنتين من بناته في مدرسة كرة قدم في طنجة.
قد يهمك أيضا: