الرباط - المغرب اليوم
عرف المشهد الأدبي في جزر الكناري، هذه السنة، ظهور روائية جديدة لفتت إليها الأنظار واستأثرت باهتمام الصحف والإعلام المحلي والإسباني بعد صدور روايتها الأولى التي نالت استقبالا جيدا في الأوساط الثقافية والأدبية. يتعلق الأمر بمريم المهداتي، الشابة الكنارية المغربية التي ولدت في الرباط عام 1991عندما كان والداها يقضيان العطلة في أرض الوطن، لكنها بعد عشرين يوما عادت معهما إلى المهجر لتنشأ وتترعرع في بويرتو ريكو، إحدى البلدات في مدينة موغان جنوب جزيرة كناريا الكبرى، حيث مازالت تقيم رفقة عائلتها.
وأصدرت مريم المهداتي روايتها تحت عنوان (Supersaurio) أواخر شهر مارس من هذا العام في برشلونة، عن دار النشر«بلاكي بوكس» في 328 صفحة، ونظرا لإقبال القراء عليها صدرت الطبعة الثانية شهورا قليلة بعد ذلك. وتفيد آخر الأخبار بأن الرواية تحقق نجاحا كبيرا بعد أن بيعت منها عشرة آلاف نسخة.
وكانت القناة الرسمية الكنارية أول مستقبل للكاتبة ضمن أشهر برامجها الثقافية، واستضيفت أيضا ضمن فعاليات مهرجان جزر البليار الأدبي نهاية شتنبر الماضي؛ كما تداولت الصحافة المحلية والجهوية عملها وأجريت معها العديد من المقابلات، لاسيما بعدما كتبت عنها صحيفتا «إل موندو» و«لا بانغوارديا» واسعتا الانتشار. وتم وصف الكتاب بالصيحة الجديدة في الأدب الكناري لعام 2022، ونال إعجاب عدد من الأدباء الإسبان.
وحسب تصريحاتها، استغرقت مريم في كتابة هذا العمل الأدبي ثلاث سنين، بعد أن نالت تشجيعات خاصة وقبلية من دار النشر التي اكتشفت موهبتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ وكانت بداياتها الأولى مع الإبداع منذ سن الثالثة عشرة، وهي مازالت تلميذة في الصف الإعدادي، حيث كانت تكتب في إطار ما يسمى “FanFiction”، وهو ما يقترحه متتبعو الروايات أو المسلسلات من تتمات بناء على خيالهم الخاص واختياراتهم الشخصية.
وتستمد الرواية اسمها من أحد أنواع الدينصورات (السوبرصورس) كبديل متخيل عن اسم سلسلة الأسواق الممتازة (HiperDino) المعروفة في جزر الكناري، وهو الفضاء الذي تدور أغلب أحداث الرواية في أروقته، باعتبار الراوية/البطلة أحد العاملين فيها. ورغم أن الكاتبة تصر على أن روايتها من وحي الخيال، إلا أنها، في المقابل، لا تنكر أن الشخصية الرئيسية تتقاطع مع شخصها في العديد من الميزات، لاسيما اسمها (مريم) وعملها وكونها مغربية مسلمة نشأت في بيئة كنارية وتشربت ثقافة المجتمع الكناري.
وتسرد مريم، الموظفة المتدربة في إدارة السوق الممتاز، يومياتها مع حافلات النقل العمومي من بلدتها في اتجاه مقر عملها بمركز الجزيرة في لاس بالماس (73 كيلومترا ذهابا ومثلها إيابا)، وما تتعرض له من مواقف مع زملائها، في قالب ساخر وبأسلوب أدبي متمكن وممتع لا يخلو من خصوصيات محلية وانتقادات لاذعة للواقع المعاش في مدينتها الصغيرة التي ضاقت ذرعا بالسياح الأوروبيين.
وتتخلل فصول الرواية نبرة غاضبة ترصد بعض الظواهر التي يصطدم بها الشباب، على غرار مريم، عند ولوج سوق الشغل، تجعلهم يلجون مهنا خارج نطاق تخصصهم، تحت طائلة شبح البطالة، ويشتغلون في ظروف غير مريحة. كما تفضح الرواية نوعا من العنصرية المقنعة التي يتعرض لها أهل الجزر فوق أرضهم على يد الإسبان الآخرين القادمين من (إيبيريا)، والذين يحظون دائما بالمناصب العليا ويذرون غيرها للكناريين، وهو ما يسري على العاملين مع مريم في علاقتهم مع رؤسائهم في العمل.
هكذا برعت الكاتبة في اختصار الواقع الكناري المعاش بالجزر في الواقع المصغر الذي تعيشه داخل السوبرماركت، حيث تشتغل في اغتراب وانزعاج دائمين إزاء مشغليها، وهو الأمر نفسه الذي يعيشه المواطنون الكناريون إذ يضطرون إلى التخلي عن حيز كبير من مجالهم الترابي لأولئك القادمين من أوروبا؛ وهو ما تعتبره الروائية من قبيل الخنوع للسائح الأجنبي.
هي إذن رواية تنقل الواقع المحلي بعيون شابة أصابها ما يصيب جيلها من إخفاقات، ورغم أنها في الأصل من خارج الأرخبيل إلا أنها تماهت مع قضايا وهموم المجتمع الذي تربت فيه، وهو ما جعل القراء يجدون ذواتهم في شخوص وأحداث وأماكن رواية «سوبرساوريو» لمريم المهداتي.
قد يهمك ايضاً