الرئيسية » بأقلامهم
قنبلة الذكريات

بقلم - دارين المساعد

هل تساءلتم يوماً كيف نتخطى ذكرى سيئة !! ؟! نعم توجد هُناك طريقة مناسبة للتغلب على بعض الجروح العميقة . لأن الذكرى السيئة تصاحبها آلام الخيبات والكثير من مشاعر الندم والحسرة واللوم . الذكرى السيئة ماهي إلا ترسبات سلبية . كثير من الناس يرسفون في أغلال هذه الذكرى باستسلام ويغضون النظر عنها كُلّما برزت أمامهم وأظهرت نفسها في بعض المواقف . كرائحة عِطر ! أو مكان تقبع فيه مشاهد تلك الذكرى عالقةً تأبى الابتعاد والرحيل . أو مع ملامح طفل وتلك أصعبُ الحالات . أو اسم شخص ، أو ربما هاتف نقّال . أو ساعة يد ، أو موسيقى مُعينة أو طرازِ سيّارة . بعض الألوان وحتى بعض أنواع الطعام . ولكني أُجزم أن الروائح هي أقوى أسلحة الذكريات فتكاً بقلوبنا المُرهفة . فعندما تتخلل أنفك رائحةُ ارتبطت بحادثة معينة أو مكان أو شخص . فإنها تُعيدك إلى الماضي أسرع من فرقعة إصبع . الذكرى تتسحّب بمكرٍ وتختبئ خلف كُل شيء .إنها صُنع اللحظات التي نتنفسها ونعيشها يومياً . حتى هذا المقال سيكون ذكرى جديدة سأخبركم كيف بدأت .

طوال عشر سنوات وأكثر تقبع أسوء ذكرى مرّت علي في قلب هذه الزجاجة الموقوتة ، القابلة للانفجار . عندما أراها على أرفف المحلات أهربُ من نفسي أولاً ثم أُهددها بالويلات والثبور إن اقتربت عيناي حتى من النظرِ إليها . زجاجتها تبدو لي كشاشة سينما عملاقة تُصور لي كُل ما رأيته وشعرت به في تلك الأيام . .

قبل أيام بمحض الصدفة وبحالةٍ من التعافي عن تلك التجربة نظرتُ للقُنبلة الوردية مطولاً ثم تقدمتُ لها بتردد . أحمل في نفسي رغبةً لحوحة في كشف الجرح . هل فعلاً نضجت عنه أم أني لهوت فقط ؟ طلبتُ من البائع أن أشتم رائحتها . وأنا إلى أن تناولت تلك الورقة الصغيرة كارهةً لما أفعله . وضعتها على أنفي ورحلتُ معها بعيداً عن كُل ماحولي . لا أذكرُ بعدها إلّا أني جلستُ وحدي مطولاً في زحامٍ كثيف وكأن الماضي يحيا من رُفاته ويعود ويتجسّد أمامي . في ليلة ذلك اليوم قسوتُ على تلك الرائحة وحبستها داخل الحقيبة التي حملتها وتشبعت بعطرها الزكي ثم غمرتها بكل ما يُبعدها عن حواسي الخمسة .

ذلك كان قراراً بديهياً يتلو صدمة الجرح القديم . أصبحتُ بعدها أُشيح بوجهي عن النظر لتلك الحقيبة . أتركها خامدة وتعلوها ذرات الغُبار . تحبس الجرح بأمانة فيما تركته أنا ونسيته . تجاهلتُ أني كشفت الجرح ولم أجتهد في علاجه . قباحة الجُبن تمكنت مني .

في يومٍ ما انتصرت على تلك الرائحة المسجونة في خزانتي وشممتها مع إحداهن . تخللت أنفي ومشاعري معاً . جلستُ أمامها وكأنها قد صفعتني . خجِلتِ المرأةُ من حالي . تسببتُ لها ولي بحرجٍ شديد . تساءلت بمبادرةٍ حريصةً منها علي . تلعثمت و لم أستطع الحديث رغم بلاغتي المعهودة مني تركتُ لها حرية التحليل والاستنتاج وابتعدت .

وبخت نفسي على ضعفها ، وبحثت بجهدٍ عن إيجابيتي وتفائلي . عن حكمتي وعلمي ! أين هم ؟

خذلتني نفسي حين احتجت إليها ؟ فقررت علاجها واتجهت فوراً قاصدةً تلك القنبلة . نظرتُ لها بقوة وأقتنيتها بشجاعة . حملتُها بيدي بصمت مُطبق لا أعرف لماذا اعتراني ؟! وذهبتُ بها إلى مخدعي بتفوقٍ على كل مراوغات الهروب وغصّات الدموع . وضعتُها أمامي !! حولها كُتبي ، وبعضاً من أوراقي وأقلامي ، أمشاطُ شعري والكثير من دلالات التغيير التي لم تعهد أن تراها معي أخرجتُ القُنبلة برباطة جأش من صندوقها الناعم . شممتها وحبست رائحتها في صدري وعاهدت نفسي أن تكون لها ذكرى جديدة جميلة . أخبرتها أني لا أُكن لها في صدري أي كره . ولن أخسر قوتي وثباتي بسببها تحت أي ظرف . ثم زفرت تلك الرائحة براحة وسعادة .

تعلمتُ من تلك القنبلة أن الشجاعة والقوة لا تكمُن في التغيير أو التغلُب على الأحزان بِكُل مُثيراتها . بل تتجسد بالقناعة بأن الأفكار هي ما تصنع واقعنا الآن والذي سيكون ذكرى فيما بعد . ولكي ننظر خلفنا ونبتسم ! علينا أن نصنع الذكرى الجميلة من أعمق جرح . وننحت حاضراً يُرضينا ونطمح أن نصبح عليه غداً

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

أنت الوحيد
سأغتال القصيد
لن أرحلَ
في الدّقيقة الأخيرة ماقبل الغروب
صيحة البسوس وشهرة نساء بني تميم في العصر الجاهلية

اخر الاخبار

المدير العام للأمن الوطني في المغرب يُجري زيارة عمل…
رئيس مجلس النواب المغربي يُجري مباحثات في جوهانسبورغ مع…
الحكومة المغربية تُؤجل المصادقة على مشروع قانون دمج صندوق…
وزير الخارجية الإسباني يرفض الاستغلال السياسي لأحداث الفنيدق ويُشيد…

فن وموسيقى

احتفاء بفيلم "رحلة 404" لمنى زكي عقب ترشحه للأوسكار
منى زكي تُعبر عن سعادتها الكبيرة بترشيح فيلمها "رحلة…
سميرة سعيد تؤكد أن ألبوم قويني بيك من أحلى…
ظافر العابدين يبدء ثالث تجاربه في الإخراج بفيلم صوفيا…

أخبار النجوم

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
محمود عبد المغني يشارك في دراما رمضان 2025 بـ“جوما”
أحمد الفيشاوي يكشف عن التأثير الذي سوف تتركه أعماله…
أحمد حلمي يدعم منى زكي بعد ترشيح فيلمها للأوسكار

رياضة

ميسي يعود للملاعب بعد غياب شهرين للإصابة
انتخاب عادل هالا رئيساً جديداً لنادي الرجاء الرياضي لمدة…
مبابي في قلب حرب باردة داخل المنتخب الفرنسي
مدرب منتخب المغرب يُوجه رسالة إلى يحيى عطية الله…

صحة وتغذية

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة…
عقار تجريبي يساعد مرضى السرطان على استعادة الوزن
جدري القردة يُؤجل النسخة الرابعة من المؤتمر الدولي للصحة…
"ارتفاع مقلق" بوفيات جدري القردة خلال أسبوع واحد

الأخبار الأكثر قراءة