الرباط ـ المغرب اليوم
سنة استثناء أخرى يطويها المغرب والعالم في 2021، والقطاع الثقافي لم يكن استثناء، إذ عرقلت صعوبات بالجملة استرسال العرض الإبداعي، في المسرح والسينما وفنون الشارع، فضلا عن المهرجانات الفنية التي طويت سنة أخرى دون تنظيم أبرزها؛ فيما بقيت المكتبات تجدد عناوينها، مع تنظيم ندوات كبرى بالجامعات وبعض المؤسسات الثقافية، وتسجيل اكتشافات أثرية جديدة.
اكتشافات أركيولوجية
من أبرز ما شهدته ساحة البحث الأثري بالمغرب سنة 2021 اكتشاف بالصدفة خلال أشغال إعادة تهيئة المدينة العتيقة بسلا لبناية تحت الأرض، سبق أن كانت سجنا للأوروبيين في فترة “الجهاد البحري”، ومخزنا سريا للمؤونة.
هذا الموقع الأثري المسمى “فندق القاعة القديمة”، بوصفه “بناية ضخمة متينة”، كان يستوجب “نفقات كثيرة، وعناية فائقة”، وبالتالي لم يكن سيشيد “إلا بأمر سلطاني”، وفق عالم الآثار لحسن تاوشيخت، المشرف على حفريات الموقع.
وبإقليم بركان، كشفت في شهر يناير نتائج بحث فريق من الأساتذة الباحثين، من جامعات ومعاهد مغربية وإسبانية، نقوشا فنية جدارية تعود إلى نهاية العصر الحجري الأعلى، وتعد “أقدم التعبيرات الصخرية التي اكتشفت، إلى حد الآن، داخل الكهوف والمغارات في كامل شمال إفريقيا”، وفق الموقع الرسمي لوزارة الثقافة والشباب والرياضة – قطاع الثقافة.
وأنجز البحث الذي أدى إلى هذا الاكتشاف تحت إشراف الحسن أوراغ، الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، ورامون فينياس، الباحث بمعهد علوم البيئة البشرية القديمة والتطور الاجتماعي بتاراغونا – إسبانيا، وشارك فيه عبد الهادي فك، الأستاذ بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، وعائشة أوجع، الأستاذة بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط.
وعرف شهر يوليوز كشف “أقدم مرجع للاستيطان الإنساني” بموقع “طوما 1” بالدار البيضاء، يعود تاريخه إلى مليون و300 ألف سنة، في بحث نشرت نتائجه في أحد أبرز المجلات العلمية العالمية، وهي “سايَنتيفيك ريبورتس” التابعة لمجلة “نيتشر”، بعدما كشفَ وجود أقدم شاهد على حضور الثقافة الأشولية في منطقة شمال إفريقيا، بالمغرب.
هذا الاكتشاف أثبته علميا فريق بحث مغربي فرنسي إيطالي، خلص إلى أن شاهد الدار البيضاءِ هذا يوفر “أول إطار زمني عالي الدقة يمكن من تأريخ أقدم أطوار الثقافة الأشولية بشمال إفريقيا”، كما أنه يشكل “أقدم مرجع للاستيطان البشري بالمغرب”؛ وتكمن أهميته، وفق المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، في كونه الأقدم بشمال القارة، ما يجعلها تحتل، للمرة الأولى؛ “مكانة أساسية داخل النقاش الحالي حول بزوغ الثقافة الأشولية بالقارة الإفريقية”.
كما شهد شهر شتنبر اكتشاف “حلي” في مستوى أركيولوجي مؤرخ ما بين 142 ألفا و150 ألف سنة في مغارة بيزمون بالصويرة، عثر فيها فريق مغربي دولي على 32 قطعة مصنوعة من نوع من الأصداف البحرية تسمى “تريتيا جيبوسولا”، وهي من أقدم قطع الحلي التي اكتشفت عالميا حتى الآن.
معارض فنية بارزة
في شهر فبراير من سنة 2021، افتتح متحف بنك المغرب بالرباط معرضا استعاديا خصص لإبداعات الفنان المغربي البارز الراحل عباس صلادي، يركب عالمَه، ويقرّب إبداعه المتفتّق خارج قيود المدارس والمذاهب الفنية، بعالم يمتزج فيه الواقع المراكشي بالاعتقاد الإسلامي، خاصة في جانب عوالمه الأخروية، وثقافة الأولياء والصالحين بالمغرب، والمعمار الفرعوني.
وشهدت مدينة الدار البيضاء معرضا مثيرا للانتباه للفنان المغربي مبارك بوحشيشي، يفكك قضايا اللون والنظر للمغاربة ذوي البشرة السوداء، وهو عمل فريد في السياق المغربي.
وفي شهر غشت، استقبل “المتحف الوطني للفوتوغرافيا” معرضا جمع الساحة الفوتوغرافية المغربية، المكرّسة والشابة، بعد عمليات اقتناء فنية من طرف وزارة الثقافة والشباب والرياضة والمؤسسة الوطنية للمتاحف، خلال فترة جائحة “كورونا”.
وفتح متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر أبوابه لأربعة وعشرين فنانا من مختلف دول القارة الإفريقية، مقدما أعمالهم الفنية ضمن معرض “إفريقيا بعيون مصوريها: من سيديبي إلى اليوم”؛ ومن بينها عمل الماليّ مالك سيديبي، الذي كان من بين رواد التصوير الحديث بإفريقيا منذ الستينيات.
كما استقبل المتحف معرضين بارزين لعمل دولاكروا وكارتيي بريسون، كانا الأوّلين من نوعهما بالقارة الإفريقية؛ حيث “عاد” عمل الفنان البارز دولاكروا إلى المغرب، ملهمه، الذي خلّد ما رآه فيه، وما علق بذاكرته ودفاتر ملاحظاته عنه. واستقبل منجز الفوتوغرافي البارز هنريه كارتييه – بريسون، بمعرض يضم الصور الأصلية التي التقطتها عدسته، ذات التأثير البارز في تاريخ الفوتوغرافيا، ومن بينها صور ذات حضور في الثقافة البصرية العالمية.
ومن المغرب إلى فرنسا، حيث نظم معرض خاص بالفنان المغربي البارز فريد بلكاهية، أحد مؤسسي الحداثة التشكيلية بالمغرب، بمركز جورج بومبيدو بالعاصمة باريس؛ وقدم بوصفه “أحد مؤسّسي الحداثة الفنية المغربية، وبشكل أوسع الحداثات العربية، والحداثات ما بعد الاستعمارية”.
واهتم رواق صندوق الإيداع والتدبير بالرباط، هذه السنة، بالتجارب العصامية في الفن التشكيلي، مخصصا أحد معارضه للتشكيلية الفطرية الشعيبية طلال، وتجربتها وألوانها، كما قدم في متم سنة 2021 الجارية معرضا للإبداع المتحرر من قيود “تاريخ الفنون”، عند فنانين، من بينهم محمد بن علال، وعباس صلادي، وحسن الكلاوي.
وعرفت سنة 2021 مبادرة ذات رمزية كبرى، بعدما وقعت زوجة المقاوم والسياسي البارز عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان من رموز المعارضة وقاد تجربة التناوب قبيل وفاة الملك الحسن الثاني، عقد هبة إلى المؤسسة الوطنية للمتاحف ومؤسسة أرشيف المغرب، سنة بعد وفاته، من بين ما شمله وثائق، وحساب لم يكن يصرفه كوزير أول، وتقاعده، وحساب باسمه وباسم زوجته، وحساب باسم هيلين اليوسفي، إضافة إلى سيارتين، وأحد منزلين في ملكية هيلين بمدينة كان الفرنسية، ستبيعه وتحول أمواله للمؤسسة، مع ترك المنزل الذي كان يقطن به مع زوجته للمؤسسة الوطنية للمتاحف من أجل تكوين الشباب والشعراء والفنانين.
نفَس جديد
شهدت هذه السنة تجديدا لنفَس أكاديمية المملكة المغربية، بعد صدور قانون إعادة تنظيمها رقم 74.19، في الجريدة الرسمية. ومن أبرز ما حمله هذا القانون الجديد إلحاق المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب بالأكاديمية، وإحداث “الهيئة الأكاديمية العليا”، و”المعهد الأكاديمي للفنون”.
وعين في هذا الإطار الملك محمد السادس المؤرخ محمد كنبيب مديرا للمعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب، خلفا للمؤرخ محمد القبلي.
وشهدت سنة 2021 تسجيل “التبوريدة” (تقاليد الفروسية بالمغرب) تراثا إنسانيا ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو؛ كما عرفت تسجيل الخط العربي ضمن اللائحة نفسها بعد تقديم المملكة العربية السعودية ملفا مشتركا إلى جانب مجموعة من البلدان العربية، من بينها المغرب.
وفي ذكرى تأسيسها العاشرة، شهدت المؤسسة الوطنية للمتاحف إصدار قانون جديد يضبط استعمال تسمية “متحف”، ويحدث سجلا وطنيا للمتاحف، تدبره وتحينه المؤسسة، ويربط الحصول على صفة “متحف” بعدد من الشروط والالتزامات، من أجل الحد من “استسهال” تسمية فضاءات عرض بكونها متاحف.
واختتمت، في 2021، قرنا من عمرها العلمي، مدرجة جديدها في موقعها الرسمي؛ وهي مجلة علمية، تابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، رأت النّور عام 1921، وجمعت مجلتين هما “” التي أنشأها الفرنسيون في العاصمة، مع مجلة “تمودا”، التي أنشأها الإسبان في تطوان، ليصير اسمها “، قبل أن ينتقل بها المؤرّخ المغربيّ الراحل جرمان عيّاش من “عهد الحماية إلى عهد السيادة الوطنية المسترجعة”، وفق نصّ للأكاديمي المغربي إبراهيم بوطالب الذي أشرفَ عليها بعد ذلك.
تكريمات وجوائز
شهدت هذه السنة الثانية في ظل انتشار جائحة “c” تحركا في المشهد الثقافي، والجامعات، من بين أوجهه استقبال ندوات، من قبيل ندوة تكريمية للأكاديمي والأديب سعيد بن سعيد العلوي، نظمها مختبر الحوار والمقاصد للأبحاث والدراسات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، وندوة استقبلتها جامعة مولاي إسماعيل بمكناس، كرمت المؤرخ إبراهيم القادري بوتشيش.
وظفر مثقفون مغاربة هذه السنة بجوائز بارزة عربيا، مثل “كاتارا” التي فاز بها في صنف الدراسات التي تعنى بالبحث والنقد الروائي الناقد محمد الداهي، عن دراسته النقدية: “سلطة التلفظ في الخطاب الروائي العربي المعاصر”، والناقد يحيى بن الوليد، عن دراسته “مرايا التمدين والتهجين في الرواية العربية الجديدة”؛ فيما توج بالجائزة في فئة الروايات العربية غير المنشورة الأديب المغربي يونس أوعلي عن روايته “أحلاّس، ذاكرة أليمة المدى”.
وأعلنت جائزة الأركانة العالمية للشعر تتويج الشاعر المغربي، الروائي ووزير الثقافة سابقا، محمد الأشعري، في دورتها الخامسة عشرة.
وفي أدب الرحلة، ظفر الكاتب المغربي محمد عيناق بـ”جائزة ابن بطوطة” في فئة الرحلة المحققة، عن تحقيقه المعنون: “الرحلة الحجازية 1796-1797 – أبو العباس أحمد بن محمد الفاسي”.
وأعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل نتائج جائزة المغرب للكتاب في دورتها الـ 53، التي منحت في صنف الشعر مناصفة للشاعرين محمد علي الرباوي، عن مجموعته “رياحين الألم”، ورشيد المومني عن ديوانه “من أي شيء”.
وفاز في صنف السرد، سنة 2021، الكاتب إسماعيل غزالي عن روايته “قطط مدينة الأرخبيل”، فيما آلت جائزة العلوم الإنسانية مناصفة إلى الباحثين بوبكر بوهادي عن كتابه “المغرب والحرب الأهلية الإسبانية 1936-1939″، ويحيى اليحياوي عن كتابه بالفرنسية “بيئة المعطيات الرقمية”. ومنحت جائزة العلوم الاجتماعية مناصفة إلى الباحثين يحيى بن الوليد عن كتابه “أين هم المثقفون العرب؟ سياقات وتجليات”، وإدريس مقبول عن كتابه “الإنسان والعمران واللسان، رسالة في تدهور الأنساق في المدينة العربية”.
وآلت جائزة الدراسات الأدبية والفنية واللغوية إلى نزار التجديتي عن كتابه “الناظم السردي في السيرة وبناتها: دراسات فيما وراء العيان والخبر”. واقتسم جائزة الترجمة المترجمان أحمد بوحسن عن ترجمته لكتاب “مغامرات ابن بطوطة: الرحالة المسلم في القرن الرابع عشر الميلادي”، ومحمد الجرطي عن ترجمته لكتاب “نهاية الحداثة اليهودية: تاريخ انعطاف محافظ”.
وفاز بجائزة الدراسات في مجال الثقافة الأمازيغية الباحث خالد أنصار عن كتابه بالفرنسية “الأصوات الصفيرية في الأمازيغية”. وآلت جائزة الإبداع الأدبي الأمازيغي مناصفة للكتابة حسن أوبراهيم أموري عن روايته “تيتبيرين تيحرضاض” (الحمامات العاريات)”، والطيب أمكرود عن ديوانه “أروكال” (جمر تحت الرماد).
وأعلنت شبكة القراءة بالمغرب فوز كتب ثلاثة كتّاب مغاربة بجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في دورتها السادسة؛ إذ توج كل من كتاب “قمر فاس” لفضيلة التهامي الوزاني في صنف الرواية، وكتاب “الطمأنينة الفلسفية” لسعيد ناشيد في صنف الكتاب الفكري المغربي، وكتاب “الإنسان العاري، الديكتاتورية الخفية للرقمية” للكاتبين مارك دوغان وكريستوف لابي، الذي ترجمه السيميائي سعيد بنكراد، في صنف الكتاب الفكري المترجم.
كما أعلنت الشبكة المهتمة بتنمية فعل القراءة عن نتائج الجائزة الوطنية للقراءة في المؤسسات التعليمية المغربية، متوجة في نسختها السابعة تلميذات قارئات وتلاميذ قارئين في التعليم الابتدائي، والإعدادي، والثانوي، والجامعي، مع تتويج “أحسن نوادي القراءة” بالبلاد.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
توقيع شراكة بين المؤسسة الوطنية للمتاحف ووزارة العدل لإحداث متحف للعدالة في تطوان