بيروت - المغرب اليوم
في ظل انتشار وباء "كورونا" وأخذ إجراءات الوقاية للحد من الإصابات به، تروج في لبنان كما العالم أجمل المعارض الفنية الافتراضية. فهي توفر لهواة معارض الرسم والتصوير والنحت وغيرها من الفنون التشكيلية فرصة الترويح عن النفس والاستفادة من الحجر المنزلي. فتسمح لهم بمشاهدة معارض من هذا النوع عبر الإنترنت وهم يجلسون على مقاعدهم في منازلهم. يقومون بزيارات افتراضية لساعات قليلة تبقيهم على اتصال مباشر بموضوعات الفن التثقيفي الذي ينجذبون إليه.
وفي هذا النطاق أطلق "غاليري أليس مغبغب" في الأشرفية معرض "مخيمات اللاجئين في لبنان... عبء العوز والحرمان" ليستمر لغاية منتصف شهر مايو (أيار) المقبل. ويتضمن نحو 100 صورة فوتوغرافية موقّعة من هدى قساطلي إحدى أشهر المصورين الفوتوغرافيين في لبنان، التي كان لها باع طويل في هذا المجال. فهي سبق والتقطت صورًا لمدينة بيروت ولشاطئ وصخرة الـ"دالية" فيها، وأخرى تناولت فيها مدينة طرابلس والثروات البيئية في لبنان وغيرها.
ويأتي معرض "مخيمات اللاجئين في لبنان... عبء العوز والحرمان" ضمن سلسلة معارض كان "غاليري أليس مغبغب" قد أدرجها على أجندة نشاطاته الفنية لعام 2020 الذي خصصه للفنانة المذكورة.
وبعدما انشغل العالم برمّته بوباء "كوفيد - 19" وكيفية الحد من انتشاره، كان من البدهي أن ينضم "غاليري مغبغب" إلى متاحف ومعارض أخرى في لبنان لجأت إلى مواقعها الإلكترونية لعرض الأعمال الفنية.
وتعلّق أليس مغبغب في حديث: إنّه "معرض فني كان مبرمجًا في 7 الجاري. وبسبب ما نمرّ به في ظل وباء (كورونا) قررنا تأجيله إلى 14 أبريل (نيسان) وهو الوقت الذي استغرقناه لتحضيره إلكترونيًا". وتضيف: "يحمل المعرض رسائل إنسانية مباشرة وأخرى يستشفها الزائر من لقطات تحكي أوضاعًا مؤلمة للنازحين واللاجئين ولكن بكاميرا ملونة ومشبعة بالأمل".
وعن رأيها بظاهرة المعارض الافتراضية تقول: "مهما تطور العلم والتكنولوجيا فهي لا يمكن أن تحل مكان تلك الحقيقية التي نراها بالعين المجردة. فنتأملها ونستمتع بكل تفاصيلها عن قرب. ونلمس روح الفنان فيها ونستطلع خبايا ريشته أو صورته ومنحوتته بكل ما يتخللها من معانٍ إنسانية وفنية وثقافية".
ويقدم المعرض مجموعة صور التُقطت بين عامي 2012 و2019 في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في برج البراجنة (قرب بيروت) ونهر البارد (قرب طرابلس) وفي مخيمات النازحين السوريين في البقاع٠
من خلال المناظر الطبيعية والمشاهد الداخلية، وعبر تجسيدات للطبيعة الميتة وبورتريهات شخصيّة، يتطرّق المعرض إلى المواضيع الرئيسة التي تطغى على الحياة في المخيّمات، من هندسة الأماكن إلى حياة اللاجئين اليوميّة، ومن هويّة السكّان إلى المستقبل الغامض المبهم. فتعمد قساطلي إلى كشف النقاب عن واقع حَجْر من نوع آخر، إذ لا موعد لنهايته.
وتقول قساطلي: "إنني أتناول في هذا المعرض، من خلال 100 صورة التقطتها بين مخيمات النازحين واللاجئين في لبنان، حجْرًا منزليًا من نوع آخر. وقد عايشت تجارب هؤلاء الناس عن قرب وتعرفت إلى همومهم ومشكلاتهم وهو ما ساهم في التقاطي صورًا فوتوغرافية تنبض بالحياة". وتضيف، وهي التي نقلت عادات وتقاليد لا يزال عدد كبير من النازحين السوريين يستحدثونها في خيامهم البلاستيكية للشعور بأمان الوطن: "لا أمر مرور الكرام على مواقعي التصويرية بل أغوص فيها وأقيم تواصلًا مع سكانها كي أستشفّ منها نواحي إنسانية أحتاج إليها في صوري. ويمكن أن نلاحظ بسرعة في هذا المعرض مدى تعلّق النازح السوري بوطنه. فهو لا يزال حتى الساعة يستخدم ديكورات وأدوات وأغراضًا تذكّره بسوريا الأم وبأسلوب حياة لا يرغب في الانفصال عنه. أمّا اللاجئ الفلسطيني فيلفتنا عنده فقدانه الأمل وتعايشه مع واقع لا يرضى عنه، ولكنّه في المقابل لا يقوم بأي مجهود لربطه بفلسطين أو تحسينه. فالحالتان تختلفان اختلافًا كبيرًا سيما أنّ الفلسطينيين فقدوا الأمل بالعودة إلى وطنهم الأم بعد عملية تهجير يبلغ عمرها عقودًا طويلة متتالية. بينما يخوض النازحون السوريون تجربة حياة مرحلية يأملون وضع نهاية لها في القريب العاجل".
وتقول قساطلي، إنّ "ما يعيشون فيه ليس مجرد خيام بلاستيكية كما يتراءى لنا من الخارج، بل هي بيوت مقسمة على طريقة منازلهم الأساسية ضمن جناح للنساء وآخر للرجال وثالث للطبخ. فكل ذلك يلمسنا عن قرب ويكشف لنا معاناة أشخاص لم يشاءوا دفن ماضيهم بل النبش به حتى يبقى حيًا في قلوبهم وأفكارهم".
خيام ملونة بأقمشة مطبوعة يلتصق بعضها ببعض وأخرى مرسوم عليها باليد، وصورة ولد يبتسم رغم حياته المليئة بالشوك، ونساء يعملن على تأمين الطّعام، وصور أخرى تؤلّف مسار المعرض. فيتنقل الزائر بين حناياه كأنه يستطلع عالمًا جديدًا لم يسبق أن تعرّف إليه من قبل. فيغوص في معاناة إنسانية ملونة بالأمل والنور، ومشهدية جمالية عادةً ما تتمسك بها هدى قساطلي لإبراز الخطوط الإنسانية لأعمال فنية تعبق بالأمل، رغم واقعها القاتم.
قد يهمك ايضا :