الدار البيضاء - جميلة عمر
يخلد المخرج الشاب يوسف بريطل في فيلمه الطويل الأول "الشعيبية" تجربة تشكيلية متفردة ومسارًا إنسانيًا حافلًا بالدروس للفنانة الراحلة الشعيبية، إحدى رائدات الإبداع التشكيلي الفطري عبر العالم.
وعُرض هذا الفيلم أمس الثلاثاء، في مدينة طنجة ضمن فعاليات المسابقة الرسمية للدورة الـ16 للمهرجان الوطني للفيلم، إ يطرق الشاب يوسف بريطل بطموح جدير بالتنويه باب سينما السيرة الشخصية التي تصبح ذاكرة جماعية تحتفظ ببصمات فنانة عصامية حملت ألوان المغرب وأجواءه ومخزونه التراثي إلى أرقى المحافل الفنية العالمية.
ويكتشف جمهور السينما من خلال هذا الفيلم كم تأخرت السينما المغربية في الالتفات إلى سيرة حياة إنسانة وفنانة حياتها زاخرة بالمنعطفات والتجارب.
ويقدم يوسف بريطل الهندسة الزمنية والدرامية للعمل كالآتي: عام 2029 ستصادف الذكرى المائوية لميلاد الشعيبية، إذ يبدأ الفيلم في بيت أسرة ميسورة تمتلك لوحات للشعيبية، تتطلع إليها طفلة تمارس على الورق شغفها الأول بالألوان.
ويبدأ استرجاع ذاكرة فنانة ابتداء من مولدها عام 1929، ليتابع نموها في مراحل مختلفة من عمرها، بدءا من طفولتها في اشتوكة مرورًا بمرحلة إقامتها لدى عمها في الدار البيضاء وزواجها المبكر برجل عجوز يرحل ليتركها في مواجهة القدر، فتكافح من أجل التكفل بطفلها الصغير، الذي سيصبح لاحقا الفنان الحسين طلال.
وينتقل الفيلم بسلاسة واختصار غير مخل من مرحلة إلى أخرى ليركز الاهتمام على مرحلة النضج الفني للشعيبية، التي شخصت دورها الفنانة السعدية أزكون.
وينوع بريطل بين التصوير الداخلي وفضاءات للتصوير الخارجي تنقل المشاهد إلى أجواء الرحلات الفنية التي قادت الفنانة إلى أروقة باريس ولندن وكوبنهاغن وروما وغيرها.
كما تمكن من أن يجعل من فيلمه مصدرًا للإطلاع على تطور مسار الفن التشكيلي في المغرب، لاسيما أنَّه يسلط الضوء على رائدي الحركة التشكيلية المعاصرة في المغرب، الجيلالي الغربالي ومحمد الشرقاوي، اللذين ارتبطا بعلاقة صداقة مع الشعيبية.
ويفتح هذا الفيلم الأبواب لمعجب هذه الشخصية من أجل التعرف عليها أكثر، والتعرف كذلك على مسار شخصية فريدة من نوعها جاب صيتها أرقى المحافل الفنية في العالم.
ولعلَّ الفيلم يفتح شهية مخرجين آخرين للالتفات إلى رموز وطنية بارزة في مختلف القطاعات، لاسيما أنه يأتي بعد وقت قليل من إنجاز المخرج إدريس المريني لفيلم "العربي" الذي يستعيد سيرة لاعب كرة القدم الراحل العربي بنمبارك.