القاهرة - المغرب اليوم
أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي الـ"فيس بوك" عبارة "العيال ماتت"، بعد رحيل الفنان الساخر سعيد صالح، وهى المسرحية التي مازالت تلقي صدي لدى كل من يشاهدها، فقد ماتت المدرسة الساخرة برحيل أعضاءها.
وبدأ الجميع يترحم على زمن الكوميديا التي كانت تضفي على الشعب المصري نوعًا من البهجة في أوقاته العصيبة، ليترك لهم الفنان الساخر رصيدا للضحكة والاكشن بلغ 300 مسرحية و 500 فيلم سينمائي.
وأكد الناقد الفني طارق الشناوي، أنه عندما يذكر اسم سعيد صالح يداعبك على الفور اسم رفيق المشوار عادل إمام ، فهما في الذاكرة الجماعية الصديقان مرسى الزناتى وبهجت الأباصيرى في " مدرسة المشاغبين" تلك المسرحية التي شكلت مرحلة انتقالية في مسار ومصير الكوميديا ، حيث أعلنا انقلابا في المملكة، سعيد وعادل قدما شفرة كوميدية عصرية لها مذاق مختلف بعد جيل مدبولى والمهندس وعوض ، ومن بعدها تسيدا المسرح والسينما والتليفزيون.
عادل وسعيد أو سعيد وعادل لم يكن هناك في البداية من يستطيع أن يؤكد من هو الزعيم بل إن سعيد كان هو المرشح الأول لدور الأباصيرى ، وكان عادل هو الزناتى ووافق سعيد على التغيير في اللحظة الأخيرة نزولا على رغبة صديقه وأصدرا خلال عرض المسرحية البيان الأول لمملكة الكوميديا الجديدة ، وهو ما أدركه عبد المنعم مدبولى الذي كان يؤدى دور الناظر قبل تصوير المشاغبين تليفزيونيا بحسن مصطفى ، أيقن مدبولى أن هناك من يريد إزاحة جيلهم ولهذا كان يعلن يوميا التذمر مهددا سمير خفاجة صاحب فرقة المتحدين المنتجة للعرض بالانسحاب لو لم يوقف سعيد وعادل عن الخروج على النص ووجد خفاجة بخبرته أن هؤلاء هم القادمون لا محالة فضحى بمدبولى.
"الأول أكلنا المش، والثاني علمنا الغش ، والثالث لا بيهش ولا بينش " واحدة من مأثوراته المسرحية مثل "اللي يتجوز أمي أقوله ياعمى وأستك منه فيه " وغيرها لو تتبعت سيكولوجيا قانون " للزمة " لأيقنت أن ترديد الجماهير لها هو مكافأة لا يمنحها إلا لمن يمنحهم حبا مطلقا.
اللازمة الممزوجة بالسياسة هي التي ترشق في قلوب الناس لأنها تشفي غليلهم من النظام وهو ما يخشاه النجوم لأن الدولة لا تنسى بينما سعيد لا يُلقى بالًا لكل ذلك فهو لم يفكر أبدا في العواقب، هكذا جاء تعبير " لثالث لا بيهش ولا بينش " في مطلع الثمانينيات مستقبلا بداية حكم المخلوع حسنى مبارك فهو الثالث وكان يقصد بالطبع الأول عبد الناصر والثاني السادات لم تدخله هذه العبارة السجن مباشرة ، ولكن لم تنسَها له أجهزة الدولة فكان أول فنان يدخل السجن بعدها ببضعة أشهر لخروجه على النص وذلك عندما أمسك بسنارة في إحدى المسرحيات وسألوه ماذا تفعل؟ أجابهم " يصطاد نسوان " وهى جملة كما ترى مهذبة جدا بالقياس لما كنا نسمعه ونستمع إلى أكثر منه الآن ، ولكنها تعد في عرف القانون خروجا عن النص المسرحي المصرح به من قبل الرقابة ، وهى بالتأكيد" تلكيكة" وبعدها عرف السجن مجددا بتلكيكة أخرى بسبب تعاطي المخدرات وذلك في منتصف التسعينيات حيث ألقوا القبض عليه في شقته بالإسكندرية ، والتعاطي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن من عام إلى خمسة أعوام ولكن هل يعتقد أحد أن سعيد صالح الوحيد بين أقرانه الذي يدخن الحشيش أم أنهم نشنوا عليه في كل الأحوال سعيد لن يخجل يوما من الشهور التي أمضاها في السجن فلقد تعلم منها الكثير، ولكن هل فعلتها الدولة حقا لأنها تريد مكافحة التعاطي الدولة في كل العهود تلجأ إلى سلاح الانتقاء سواء عن طريق ملاحقة الضرائب أو المتابعة الشخصية
وجاء الرحيل الثاني للفنان يونس شلبي الذي ولد" 31 مايو 1941 وتوفي 12 نوفمبر 2007 " ممثل مصري ولد في ميدان الطمهي بالمنصورة درس بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة ، جذب الانتباه بدور منصور في المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين مع سعيد صالح وأحمد زكي و عادل إمام.
وقدم يونس شخصية الفتى الأهوج غير الناضج عقليا في كثير من مسرحياته ومنها العيال كبرت وحاول تفهم يا زكي ، وشارك يونس بأدوار صغيرة في نحو 77 فيلما سينمائيا وقام ببطولة عدد قليل من الأفلام التي يعتبرها سينمائيون ذات طابع تجاري قليل القيمة فنيا ومنها " العسكري شبراوي " و" ريا وسكينة " و" مغاوري في الكلية " و" سفاح كرموز " لكن أدواره الأكثر أهمية في رأي النقاد كانت في أفلام قام ببطولتها آخرون ومنها " الكرنك" و" شفيقة ومتولي "للمخرج علي بدرخان و" إحنا بتوع الأتوبيس " للمخرج الراحل حسين كمال ، كان آخر أدواره في فيلم "أمير الظلام " عام 2002.
كما شارك يونس في أكثر من 20 مسلسلا تلفزيونيا منها"عيون " و" الستات ما يعملوش كده " و" أنا اللي أستأهل " إضافة إلى " بوحي وطمطم " ، وهو مسلسل للأطفال قدم على مدى سنوات في شهر رمضان. قل نشاطه الفني بسبب المرض وذلك لحين وفاته .
توفي يونس شلبي في 12 نوفمبر 2007 بأزمة تنفسية حادة كان أجرى أكثر من عملية لزراعة شرايين في ساقه وأخرى جراحة قلب مفتوح ، وكان الأطباء قد أجروا تغيير ثلاثة شرايين في القلب حتى توفي ودفن في مقابر العيسوي بالمنصورة.
وكانت رحلة علاج يونس شلبي قد بدأت في السعودية حيث أجرى جراحة في القلب وقد أجريت الجراحة بنجاح، إلا أنه ما لبث أن تعرض لظروف صحية صعبة وزاد من متاعب الفنان الكبير ارتفاع نسبة السكر في الدم.
يذكر أن زوجة الفنان المصري الكوميدي اشتكت من تجاهل نقابة الممثلين لأزمة زوجها الذي واجه حالة حرجة وطالبت آنذاك بعلاجه على نفقة الدولة أسوة بجميع الفنانين ، وكانت أسرته اضطرت إلى بيع آخر ما يملك في بلدته بالدقهلية ، مسقط رأسه للأنفاق على تكاليف علاجه، قبل أن تتكفل وزارة الصحة بها. اشتكى يونس شلبي في وقت سابق ومن فوق سرير المرض تجاهل الفنانين لمرضه والظروف الصعبة التي يمر بها العملاق أحمد زكي عبد الرحمن "أبو الدهب"مولود في مدينة الزقازيق وهو الابن الوحيد لأبيه الذي توفى بعد ولادته فتزوجت أمه بعد وفاة زوجها فرباه جده وحصل على الإعدادية ثم دخل المدرسة الصناعية، حيث شجعه ناظر المدرسة الذي كان يحب المسرح وفى حفل المدرسة تمت دعوة مجموعة من الفنانين من القاهرة ، وقابلوه ونصحوه بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية ، وأثناء دراسته بالمعهد عمل في مسرحية "هالو شلبي"، وتخرج في المعهد عام 1973، وكان الأول على دفعته ، وعمل في المسرح في أعمال ناجحة جماهيرياً مثل مدرسة المشاغبين ، أولادنا في لندن ، العيال كبرت ، وفى التليفزيون لمع في مسلسلات "الأيام " ، و"هو وهى"، و"أنا لا أكذب ولكنى أتجمل"، و"نهر الملح" ، و"الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين"، وعمل في العديد من الأفلام التي حصل منها على جوائز عديدة ، وتزوج من الممثلة الراحلة هالة فؤاد ، وأنجب منها ابنه الوحيد هيثم.
وتألق زكي على الشاشة، في شخصيات من الطبقة الفقيرة ، البعيدة عن شخصية الأفندي التركي ، وراح في كل مرة يقدم وجها أكثر صدقا للمصري الأصيل ، واحتفظ بميزة التعبير عن الإنسان ذي المرجع الشعبي ، ويفسر أحمد زكي ذلك قائلا : تغيرت السينما كثيرا عما كانت عليه وزادت الشخصيات تعقيدا ، فالسينما الواقعية اليوم ليست تلك التي تنزل فيها الكاميرا إلى الشارع فقط، بل أيضاً تلك التي تتحدث عن إنسان الحاضر بكل مشاكله وأفكاره ودواخله".
كما يرى زكي بأن التركيبة الشخصية اختلفت باختلاف الأدوار التي أداها : صحيح لعبت دور صعلوك أو هامشي في أفلام "أحلام هند وكاميليا" و"طائر على الطريق" و"كابوريا" ، لكن كل دور ذي شخصية مختلفة ، شخصيات اليوم غالبا رمادية ، ليست بيضاء وليست سوداء ، ليست خيرة تماما وليست شريرة تماما ، وما على الممثل سوى ملاحظة الحياة التي من حوله حتى يفهم أن عليه أن يجتهد كثيرا في سبيل فهم هذه الحال، توفي الفنان أحمد زكي في 27 مارس 2005 بعد صراع طويل مع مرض سرطان الرئة.