الرئيسية » قصص وروايات

القاهرة ـ وكالات

تقص رواية «سمراويت» للكاتب حجي جابر(المركز الثقافي العربي) خبر رحلة «عمر» الشاب الإريتري الذي ولد في جدة من أبوين إريتريين ثم عاد إلى بلده الأصلي إريتريا الذي حدثه والداه عنها كثيراً. فالبلد حاضر في البيت دائماً في كل شيء ولكنه غائب دائماً، فهو لم يره أبداً. وفي وسط الثلاثينات من عمره يغامر ويزور لأول مرة بلده الذي يسمع عنه. روايته تراوح فصلاً بعد فصل بين مدينة جدة مغتربه أو «الوطن» الذي ولد فيه وعاش ولعب وتعلم ومزح وحزن وصادق حيث تكوّنت حياته الاجتماعية والثقافية، ولكنه أيضاً غريب فيه وعنه قانونياً، فيقرر أن يزور بلاده الغريبة ويلتقي بطلنا «عمر» في أسمرا بـ «سمراويت» الغريبة مثله عنه وعن بلدها، ثم يسير بك النص رخاء في غير عجلة ولا بطء كسفينة المهاجرين الأول قديماً إلى بلاد الحبشة «إريتريا» كما يلمّح - بل يوضح لك- الراوي. «سمراويت» تقطر شعراً وشفافية، وحواديث وصوراً جمّلها بافتتاحيات من الشعر لكل فصل، انتخبه بذوق رفيع، فأنت تقرأ في مفتتح كل فقرة قولاً لأحد شاعرين بادل بين أبياتهما طوال الرواية، فلعله أشفق عليك ألا تكون قد انسجمت معه كثيرا، أو خاف أن قوله يحتاج لشفاعة شاعر، أو لصورة مجلوبة من قصيدة، أو ليقول لك خذ على الطريق صورة فنية خالدة ربما كان مأسوراً بها ذات يوم. حجي «أو عمر» ترك أريتريا جنيناً في بطن أمه وهاجر به والداه إلى جدة، فتكوّن عربياً ذلق اللسان سلس القلم ينظر بعين تراثه ويرسم عالمه الذي صنعه. ولكم اشتقنا لأريتريا عربية فأعادها جارة قريبة غضة خفيفة مازحة وعاشقة وشاكية باكية من الغبن والضياع على دروب الغزاة وقسوة المحررين من أبنائها الذين أرادوا تحريرها فقيدوها وأخافوها، وزادوها فوق الضعف فقراً وعزلة. في الرواية نقاش جميل عن حال إريتريا وتحولاتها، فهي حاضرة ليس في لقاءات الإريتريين في جدة بل في مجتمعها الثقافي وفي منتدياتها جولات نقاش عن إريتريا في منتديات المثقفين في جدة في النادي الأدبي، وفي ثلوثية سعود مختار، وثلوثية المكية مع عنقاوي، وأحدية محمد سعيد طيب، وإثنينية عبدالمقصود خوجة، كيف وإريتريا أقرب المنازل للحجاز بل كانت أقرب من كثير من أرجاء الجزيرة العربية، وقربها كان من أسباب الهجرة الأولى للصحابة إليها. ثم ينقل الراوي عن الأديب الحجازي محمد صادق دياب أنه عشق أسمرا قديماً وأكثر من زيارتها، ويوم كان في الفندق «فوجئ بالشرطة تطرق الباب، وظن أن في الأمر خطأ، لكنه سرعان ما عرف سبب وجود الشرطة، فقد أخبروه أن جواربه المعلقة على جانب الشرفة المطلة على الشارع تشوه المنظر العام. وضجت القاعة بالضحك والتصفيق» (ص 50).   لقاء وسجال الرواية لقاء وسجال بين عمر وسمراويت، بين المُغتَرب العربي (جدة) والمُغتَرب الأوروبي (فرنسا)، شعب يهيم في المغتربات، بين البلد والمهجر، وبين جدة وأسمرا ونادراً ما ذهبت الرواية الى مدن أخرى. ينقل عن جدة المدينة التي ولد فيها وعاش، فكانت هي الوطن الوحيد الذي رآه، وقد أصبح من محبيها «لأنها غير» لولا أنها عدّته من الغرباء. ويروي لنا عن صديقه الأريتري أيضاً الذي كان يتعصب للنادي الأهلي «قبل أن يتردى أسوة بأشياء كثيرة» وقبل أن تميزه السلطة بغربته وقبل أن يوقفهم الشرطي. ثم يختصه بصفعة لأنه ليس أصلاً من هنا، عندها أحس الصديق بغربته فيها: «أصبح يشجع كل المنتخبات، كل المنتخبات بلا استثناء حين تلعب ضد المنتخب السعودي» (ص 142). لدى كل الغرباء ثقافة خاصة يحملونها عبر البلدان والثقافات، وتجد صورة منها عند حجي وهو ينقل عن جدته تحذيرها من تقبل عادات مجتمع جدة حتى لا يعتادوها «فسنبدو كالغرباء حين نعود» (ص 148 ). ولهذا فعلى الشاطئ القريب المجاور هوية وثقافة أخريان تحذر الجدة من نسيانهما ومن فقدان هويتهما. للسياسة نصيب في الرواية لم يكثر، بل كاد أن يقل، لمن يقرأ أول رواية عن إريتريا «العربية». الرواية فازت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وهي تستحق الجائزة وأكثر. في الرواية بجوار الفن تاريخ لمهجر الصحابة في مصوع ولآثار مسجد تتجه قبلته للقدس. وفي الرواية هوية مستبطنة وقليلة الظهور، ثم يبرزها مكثفة وملخصة في صفحة واحدة يقص فيها عليك القصة في بلده التي لم يساعدها العرب، بل تخلّوا عنها دائماً. والكاتب يذكرك «بعمق العروبة ودورها» ثم يقول أو ينقل عن المناضل الأريتري الشهير عثمان صالح سبي: «عروبتنا في إريتريا هي مصيبتنا، ولكننا قابلون بها، ولا نرضى عنها بديلاً. نعتقد أن مسألة العروبة في إريتريا هي الأساس، لأن لولاها لما كانت هناك حاجة للثورة أصلاً. إن إرتيريا المستقلة في ذلك الموقع الإستراتيجي المهم هي مع العرب اليوم وغداً وإلى الأبد، سيكون لها دورها في الشد على عنق العدو الصهيوني والمساهمة في خنقه. إن الثقافة العربية والإسلامية في إريتريا والقرن الأفريقي هي ثقافة مؤسسة منذ أكثر من ألف عام في هذه المنطقة وليست جديدة بل عميقة الجذور. إن الدول الكبرى لا تريدنا لأن الصراع يدور حول مسألة العروبة وبخاصة عروبة البحر الأحمر. في إحدى زياراتنا لروما قالوا: لماذا تصرون على التعامل مع العرب؟ لماذا لا تتفاهمون مع إسرائيل؟ قلنا لهم نفضل التعامل مع العرب لأننا عرب فلا حاجز بيننا وبين الأثيوبيين سوى الثقافة... إننا ننتمي إلى حضارة مختلفة وقد حارب الأحباش التعريب ألف سنة» (ص 172). ضاقت إريتريا بالتضييق وكبت الأنفاس، حتى صديقه الذي توسط به في أسمرا ليجلب له سراً شريحة هاتف، يأتي بها ويصف الموقف: «دسّ سعيد شريحة هاتف في يدي. هذه باسم خالتي خصصتها لأصدقائي الزائرين. لا تخبر أحداً بذلك، كي لا تكون آخر من يستخدمها.» (ص 61 ). وفي تعقيب للفتاة «سمراويت» الإريترية المغتربة التي يقابلها في أسمرا لتكون صاحبة بطل الرواية تتحدث عن حال وطنها أريتريا وحجتها في المعارضة للنظام تقول: «الوطن ليس وجهة نظر، الوطن لا يعيش في المناطق الرمادية، إما أننا في وطن حر وديموقراطي أو أننا نعيش في ظلام التخلف والديكتاتورية، وأظن أنك تعرف تماماً أين نحن، إلا إذا كان لك رأي آخر؟» (ص 61 ). وخذ هذا المقطع عن حب الراوي للعربية وهو يصف قول أحد أدبائها الإريتريين: «تخرج الكلمات من فمه وقد تعطرت بعربية فصيحة، وأدب باذخ» الراوي المغترب عن بلده ينتهي حبه الطارئ للمغتربة العابرة أيضا ببلدها بقوله : «يا للأسى حتى الوطن بات مثلنا تماماً شيئاً طارئاً» (ص189 ). هذه الرواية لا تغرق في حزن دائم ولا في مرح دائم، وتلبس كل الأحوال، أخيراً يبدو أن الرحلة والمحبة والغربة والثورة تنتهي نهايات متشابهة! مزج الراوي بين أسمرا وسمراويت بين الذات والبلد، وما حققه من تجانس وذكاء في رحلته، من ذهاب وإياب بين فصل وآخر تقنية لطيفة في ذكرياته عن بلده وغربته وزيارته، أو بلد حياته وميلاده وبلد قيل له إنه منه. ولعل قوتها في قرب الحقيقة من الخيال، أما إن لم يقصد هذا فما الناقد إلا مؤول على أطراف نص، يقدم فهمه أكثر مما يقدم نص غيره، وليبقى العمل مفتوحاً للتفسير.

View on Almaghribtoday.net

أخبار ذات صلة

رواية "نهر النار" عن مشروع كلمة تسرد تاريخ الهند…
"نصف شمس صفراء" رواية أفريقية عن أحزان نيجيريا في…
إتاحة كافة إصدارات الوزارة عبر الموقع الرسمى لهيئة الكتاب
صدور "زوجات من اليابان" رواية ترصد معاناة المهاجرين فى…
"زوجات من اليابان" رواية ترصد قصة المهاجرين في أميركا

اخر الاخبار

الملك محمد السادس يُهنئ رئيس رومانيا بمناسبة احتفال بلاده…
مجلس التعاون الخليجي يًُؤكد على مواقفه الثابتة الداعمة لمغربية…
رياض المالكي يُشيد بالدعم الذي يُقدمه الملك محمد السادس…
الأونروا تؤكد محاولة إدخال مساعدات إلى غزة لكنها سرقت…

فن وموسيقى

منى زكي تحتفي بعرض فيلمها "رحلة 404" في هوليوود…
الكويت تسحب الجنسية من الفنان داوود حسين والمطربة نوال
حسين فهمي يكشف تفاصيل تحضيره لمهرجان القاهرة السينمائي في…
سعد لمجرد يُصدر أغنيته الهندية – المغربية الجديدة «هوما…

أخبار النجوم

إلهام شاهين تكشف عن سعادتها بحصولها على تكريم خاص…
كريم عبد العزيز يتمنى أحدث أفلامه السينمائية "الأرض السوداء"…
شيرين عبد الوهاب تُعبر عن سعادتها بسبب الحفاوة الكبيرة…
المغربية ابتسام تسكت تكشف عن جديدها الفني المُرتقب عرضه

رياضة

محمد صلاح يؤكد أن مباراته أمام مان سيتي ستكون…
"الفيفا" يُعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034…
3 لاعبين مغاربة في قائمة المرشحين لجوائز الأفضل لعام…
"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

صحة وتغذية

وزير الصحة المغربي يؤكد أنه لا يمكن وضع تشريعات…
السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة
النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
فواكه طبيعية تعزز صحة الكلى وتساعد في تطهيرها بشكل…

الأخبار الأكثر قراءة