حادثة

حادثة

المغرب اليوم -

حادثة

بقلم: يونس الخراشي

تعالوا بنا ننسى مباراة أول أمس ضد مصر. 

فهي لا تستحق أن تضاف إلى سجلنا معا. لأنها كانت مواجهة بين متشنجين لا يريدون أن ينهزموا أكثر مما يرغبون في الفوز. ويمكن لكل من هذا وذاك أن يبرر أداءه، ويكون محقا. فقصة المدرب امحمد فاخر مع الأسود تعرفونها. وهي لا تختلف كثيرا عن قصة الفراعنة مع المدرب حسن شحاتة. 

الأول قيل له أعد نفسك للسفر غدا. هناك في مصر نهائيات لكأس الأمم الإفريقية. "صافي؟". وقيل للثاني إننا لا نثق بك، ولكن سنجربك. فلا تفرح كثيرا إذا نجحت. واستعد للرحيل إذا فشلت. "تمام؟".

ولكن كيف ننسى تلك المباراة؟

بأن نذكر نجمها الأول بخير. ثم مشي في هامشها معا.

فقد تألق الحارس طارق الجرموني في اللحظات العصيبة. كان حازما. لم يتردد في قراراته. أبعد الكرات التي ينبغي أن تبعد. واعتلى الآخرين حينما كان لا بد أن يعتليهم. وخرج في الأوقات المناسبة. وسد المنافذ في وجه من ظن الجمهور أنهم قريبون من الهدف. ولم يبد أي انزعاج في وجه زملائه، مهما أخطأوا. وخرج في الأخير كبيرا على صدره وسام الثقة من درجة أسد.

وطارق الجرموني من مواليد أواخر السبعينات من القرن الماضي. بدأ من شباب المحمدية. تألق معه. ارتأى مسؤولون في الوداد الرياضي أنه حارس المستقبل، فجاؤوا به. وبمرور الأيام صنع لنفسه اسما وهيبة. ليس لأنه حارس موهوب فقط، بل لأنه إنسان طيب متخلق لا يمكن لأي كان أن ينسى طيب معشره.

في مرة غلبه غضبه، فتعمد أن يضرب المهاجم الرجاوي بيضوضان. وسرعان ما تبين إلى أي حد هو صاحب معدن أصيل وهو يتوب عن فعلته، معترفا بالخطأ ومبديا الاستعداد للعقاب مهما يكن. 

في ما بعد طوى طارق الجرموني تلك الصفحة، واجتهد مع كل مدربيه الذين تتلمذ عليهم. وأكثرهم أثرا في مساره أحمد العينين، المدرب الحالي لحراس مرمى منتخب الإمارات، وفريد سلمات مدربه مع فريق الجيش الملكي وفي المنتخب الوطني.

صحح جملة من أخطائه، لأنه لم يكن يتغاضى عنها كبرا. واظب على العمل الزائد ليتقن، موقنا أنه يبتدئ كل يوم. تواضع ليرتفع. وثق به الزاكي وفاخر. وأنبته الله من تلك الثقة عرفانا من الجماهير المغربية. وهو يزيد، فتزيد.

هل نسيتم؟

لا أعتقد.

إذن، فلكم بعض المشاهد التي أثثت ملعب القاهرة الدولي مساء أول أمس. ولها مغزى. لعكم تنسون مباراة المغرب ضد مصر. ويا له من ضد.

فبعد نهاية المباراة خرج الصحافيون ليحصلوا للقارئ والمستمع والمشاهد على تصريحات من المدربين واللاعبين وبعض المسؤولين تشرح أكثر وتوضح أفضل. فإذا بهم يفاجؤوا مرة أخرى بهرج ومرج في الخيمة البلاستيكية التي أقيمت في الهواء الطلق ليلتقي فيها الإعلاميون أعضاء المنتخبات.

كانت الخيمة، وهي تشبه إلى حد بعيد خيمات الأعراس في الأحياء الشعبية عندنا، كما لو أنها موقع تصور فيه حادثة سير عربية كبيرة. 

أقصد عربية من العرب، وليس سيارة. 

لأن الإعلاميين، على كثرتهم وكثرة من اندسوا وسطهم من منظمين غير منظمين ودخلاء ورجال أمن، بدوا كما لو أنهم فضوليون تحلقوا حول مصابين وهميين وموتى. وعلا هرجهم حتى صار المشهد مكتملا بأضواء خافتة تدل على ليلفي طريق ثانوي.

وتواتر المشهد ليبلغ الأوج عندما ضاق صدر بعض الصحافيين الأوربيين فضجوا بالصراخ. وكانوا وسط اللامبالاة كما لو أنهم يؤدون دور من يدعو إلى الإسراع بالمناداة على رجال الشرطة وسيارات الإسعاف. وحين يتبين له أن لا حياة لمن ينادي، يصمت. ثم يبحث عن طريقة ينقد بها ما يمكنه الإنقاد.

في الأخير وقد غادر مروان الشماخ والمدرب امحمد فاخر الخيمة بعد جهد وصبر تطلبهما منهما الزحام بين المنصة والباب المؤدي إلى مستودع الملابس، بقي الوضع على ما هو عليه. بدون أي إسعاف. أقصد أي تنظيم أو تدخل لـ"تطلع الصورة حلوة".

على الجانب الثاني من الخيمة كان رجال الأمن يستعدون لدورهم في المشهد النهائي. وقفوا في صفين بأيدي مشتبكة بدعوى حراسة اللاعبين والتقنيين ليبلغوا حافلتيهما بأمان.

وكم كان وضع الأمنيين يوحي بأن من سيمر من بينهم متهم خطير سيؤخذ من مركز للشرطة إلى المحكمة أو العكس. وضعا متقنا ومضبوطا وساخرا أيضا. لأن رجال الأمن منعوا المصورين والإعلاميين من الاقتراب. ولم يبق للمشهد كي يكون رائعا سوى أن يمر اللاعبون والتقنيون مسرعين مغطين وجوههم. ثم يصيح المخرج. "تمام". وتتوقف الكاميرا عن التسجيل.

لا أظنكم نسيتم المباراة.

أكيد لن تستطيعوا أن تنسوها بسهولة. 

بل لا ينبغي أن تنسوها أبدا حتى يصحح الوضع. أقصد حتى يقلب. لأنه أصلا مقلوب، وقلبه الآن يعني أن جامعتنا ستسير على قدميها. وآنذاك سنلعب كرة القدم كما ينبغي. برؤوس عالية وأقدام على الأرض. 

لكم التحية. ولجامعتنا رحلة طيبة بعيدا عن كرة القدم المغربية. بسعر رخيص جدا ولا يتكرر. 

الاستقالة.

إلى اللقاء..

(كتبت المقالة شهر يناير 2006)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حادثة حادثة



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib