يا حوستي

"يا حوستي"..

المغرب اليوم -

يا حوستي

بقلم: يونس الخراشي

سألني زميل مصري من "الأهرام"، ونحن نستعد لصعود حافلة ستقلنا من المركز الإعلامي لاستاد القاهرة إلى داخل الملعب، عن بقية زملائي في الجريدة، فقلت له، مبتسما:"إنهم في الحافلة الأخرى". وشعرنا بالحافلة تتحرك، فعم صمت مهيب.
كانت مباراة المغرب ومصر هي الثانية في المجموعة التي ضمت، حينها، كوت ديفوار وليبيا. وجرت مساء، تحت أضواء كاشفة، في ملعب لا مكان فيه لأي فراغ. فحيثما وليت وجهك ثمة جمهور مصري يهتف للفراعنة. وحيثما دققت النظر ثمة خوف كبير من نتيجة قد تصدم الناس.
كنت الموفد الوحيد لجريدتي حينها. أشتغل يوميا على صفحتين أو ثلاث صفحات. أبدأ يومي، في السادسة صباحا، أو أقل، بالكتابة، معتمدا على ما دونته بالأمس في مذكرتي؛ مما جمعته من أخبار المنتخب الوطني، ومحيطه، بمقر إقامته، ومن مشاهداتي عبر التجوال، ومما تجيء به الصحف المصرية ليلا، ويتعلق بكل ما له صلة بالدورة الأفريقية لسنة 2006، أكان فنيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا، أو سياسيا أيضا.
وإذ كنا نستعد لحضور المباراة بين المغرب ومصر، ولها خصوصيتها العجيبة لدى المغاربة والمصريين معا، صعد معي في الحافلة التي ستقلنا إلى داخل الملعب ثلة من الزملاء من يومية "الأهرام". وقال لي زميل عزيز منهم إنهم سيشتغلون على صفحات مميزة للمواجهة، بحيث يراقب كل منهم لاعبا، وتكون الحصيلة في الأخير بالتفاصيل الدقيقة.
عندها بالضبط، وقد أبديت إعجابي الكبير بالفكرة، وبالعدد الهائل الذي جاء يغطي المباراة من جريدة واحدة، سألني:"آه، وانت، فين بقية زملاءك من الجريدة؟". وفهمت من سؤاله بأنه يظنني مرفوقا بصحافيين آخرين من جريدتي، فقلت له، والشفقة على نفسي تأخذ بي من كل جانب:"إنهم في الحافلة الأخرى".
كانت كذبة زرقاء، لصحافي يعيش على وقع عذاب يومي، بوسائل بسيطة جدا، ويعرف عز المعرفة أن عمله قد لا يلاقي، على الأرجح، أي اعتراف. فلولا تلك الرسائل التي كانت تأتيني من زملاء أقدرهم، ومن قراء لا أعرفهم، لما استطعت المضي بعيدا في تغطيتي، سيما أنني، وبعض الزملاء ممن ذهبوا للتغطية، لم نكن ننام سوى لبعض الوقت، ثم نبدأ العمل برحلات وكتابات لا تتوقف.
كل شيء من حولي، في القاهرة الجميلة، ولو بأشيائها السيئة هنا وهناك، كانت تستثير عندي ملكة الكتابة. فأكاد أجن لكثرة ما تتزاحم الأفكار في رأسي، وتستدعيني كي أكتب، دون أن أملك لها الطاقة اللازمة وأنا الفريد الوحيد المرهق.
فوسط البلد تحفة معمارية باريسية جميلة تستحق أن أكتب عنها. والنيل يقسم المدينة، ويعبر بأنفة وكبرياء، يستحق. والبرج ودار الإذاعة والتلفزيون الموشومان في الذاكرة يستحقان. والتماثيل الشامخة تستحق. ونكهة الشاي العجيبة تستحق. ودخان المعسل المثير يستحق. والشال العجيب على كتفي مجلبب يستحق. وضحكة رجل بسيط تستحق. وتوازن سلة العيش على رأس شاب تستحق. وتدفق الكركديه الخمري يستحق. والأهرام البعيدة العنيدة تستحق. وأشياء أخرى كثيرة تستحق.
انتهت المباراة بصفرين كبيرين. وبدا حينها بأن المنتخب الوطني صار قريبا من مغادرة الدورة، فيما سيذهب المصريون بعيدا جدا، إذ سيفوزون بلقبها. وخرجت من الملعب بحصة كبيرة من التصريحات، والمشاهد، التي كان يتعين علي ترجمتها إلى حبر على ورق، وإرسالها إلى الدار البيضاء، مستثمرا الآليات التي وضعت رهن إشارتنا بالمركز الإعلامي للملعب.
حين كنت أعود إلى الفندق، كانت القاهرة الليلية، التي تشبه خيمة نجوم، في سماء صافية، تحرضني على المشي، والمتعة. غير أنني لم أكن أستطيع شحن دماغي بصور جديدة تستدعي الكتابة. لم يعد ذلك ممكنا حينها. استسلمت للنوم. فلم يعد يفصلني عن السادسة صباحا سوى القليل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يا حوستي يا حوستي



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib