بقلم: بدر الدين الإدريسي
نربط المسؤولية بالمحاسبة.. هذا التزام دستوري لا محيد عنه، وليس لنا إلا الإذعان لسلطته، لأن الوطن سئم ومل من الذين يظنون أنهم فوق المساءلة والمحاسبة، وما حدث للفريق الوطني بمصر من إقصاء مر ومن خروج كارثي من الدور ثمن النهائي لكاس إفريقيا للأمم، يستوجب بالفعل المساءلة ويفرض أخلاقيا أن يحاسب كل من تحمل مسؤولية الإخفاق من قريب أو بعيد، وما أظن أن فوزي لقجع ومعه كل أعضاء المكتب المديري للجامعة، سيعجزهم أن يأتوا إلى محكمة الرأي العام الرياضي، ليقدموا كشفا بالحساب، حساب النوايا وحساب الأحلام التي بنيناها على صروح من رمال، ولن يضيرهم في شيء أن يقدموا إستقالتهم إن تبث أنهم قصروا في حق الفريق الوطني.
كثير من الشعبوية وكثير من الإثارة الرخيصة يجري اليوم إسقاطها على معالجة الخروج المهين للأسود أمام سناجب بنين من دور ثمن نهائي كاس إفريقيا للأمم، ولا أظن أن من مصلحة كرة القدم ولا من باب التهوين والترويح على النفس من شدة الحزن المتفجر من الضلوع، أن نختار هذه المقاربة العدمية التي تريد أن ترمي جهد السنين في البحر، وأن تحرق على الملأ عشرات المبادرات التي دعمناها كل من جانبه لتغيير واقعنا الكروي، وللإرتفاع به فوق الرداءات، وأن تنتصر لأولئك الذين يريدون إلهاء وصرف المغاربة عن وجعهم الحقيقي.
بالطبع يصيبنا هذا الذي حدث للفريق الوطني بمصر بالكثير من القروح والجروح كيف لا وهم أسال الكثير من الدموع على الوجنات، وأكثر ما يعظم عندنا المصيبة، هي أن الفريق الوطني كان بالفعل يملك كل المقومات الفنية لكي يمضي بعيدا في المونديال الإفريقي، بل إنه حظي بإمكانيات لوجيستية نوعية لكي يمضي إلى ما كنا نؤمن أكثر مما نحلم به، إلى اللقب القاري، ولكن هل كل مسؤولية الإخفاق تتحملها الجامعة دون سواها؟
لا أنصب نفسي مدافعا عن الجامعة بتشكيلها الحالي، وأنا الذي يصر على أنه تشكيل غير مثالي على كل حال، برغم يقيني الكامل من أنه أفضل ما يوجد في مشهدنا الكروي، الذي نجمع على أنه قاصر كل القصور عن إفراز النخب الجيدة والتي تتحقق معها الحكامة الجيدة، لا أدعي أنني سأتصدى لكل من يغير اليوم على الجامعة ويطالب بحلها وبإقالة كل من يتولى إدارتها، ولكنني لا أريد أن يذهب بنا الألم المتفجر من الشرايين إلى حد تحطيم الصرح الكروي بكامله، فما أكثر ما تسببت لنا نوبات الإقصاء في هدم الصروح، وبعدها قضينا سنوات نمشي في صحراء بلا ماء ولا هواء.
مسؤولية الإقصاء يتحملها المدرب هيرفي رونار، وقد وقع على ذلك اعترافا بخط اليد، ويتحملها اللاعبون، وقد قدموا بشأن ذلك إعتذارا للجماهير، وتتحملها الجامعة، برغم أنها وفرت ما تستطيعه من إمكانيات بعضها يفوق الخيال، وجاءت لهذا الفريق الوطني بمدرب أجمع كثير منا على أنه كان ذات وقت رجل مرحلة، ولا يمكن بالقطع أن ننتظر من رئيس الجامعة ردة فعل تحت تأثير الحزن، فهناك حاجة لمقاربة الفشل من مسافة موضوعية تنتفي معها المعالجة الإنفعالية.
لن أهرول كما الآخرين إلى أوعية اللغة وإلى خطابات الأزمة الجاهزة، لأستعير من العبارات ما يطلق على العواهن بدون فرامل ولا محاسبة، ومن دون استحضار مصلحة الوطن، والتي تقول بضرورة مساءلة النفس عند كل إخفاق ولكنها تحظر أن يتم إعدام كل المبادرات وعدم المراكمة على نجاحات تحققت في مجالات أخرى قد لا يكون لها اتصال وثيق بالفريق الوطني، وأبدا لن أتاجر كما البعض في أحزان الوطن، لذلك أنا ملح في أن ما حدث بمصر يستوجب حضور السؤال النقدي وحضور عنصر المحاسبة إذا ما تبث أي تقصير في تحمل المسؤولية، ولكن ليس بإسم المساءلة والمحاسبة نسقط البيت على الرؤوس ونعدم كل الأشياء الجميلة.