بقلم - بدر الدين الإدريسي
نبدي كأفارقة كل الإعجاب بالتاريخ الجميل الذي سطرته أسود الكامرون غير المروضة، ولا نختلف على أن أساطير الكرة الكامرونية جملت صورة كرة القدم الإفريقية وحببتها للملايين حول العالم، عبر الإنجازات الرائعة التي وقعت عليها في كؤوس عالمية وفي ألعاب أولمبية، دون أن نسقط من العد لا الحصر الصولات على مستوى كأس إفريقيا للأمم.
هذا التقدير للكرة الكامرونية الذي لا يقبل بالمزايدة، لا يفرض علينا كأفارقة وتحديدا على الهيئة الوصية على كرة القدم الإفريقية، أن تراضي الكامرون، فلا تتحقق من قدرتها فعليا على تنظيم نهائيات كأس إفريقيا للأمم بعد أقل من سنتين بالمستوى التنظيمي الذي يليق بالحدث الرياضي الأكثر استئثارا بالمتابعة عالميا في قارتنا الإفريقية، المستوى الذي يرتفع كثيرا عن الرداءة والإسفاف والسوء الذي رافق تنظيم آخر نسختين من «الكان».
لقد أدهشني فعلا، أن تتعامل الصحافة الكامرونية بكثير من الإسفاف والتعالي مع ما راج مؤخرا من إمكانية سحب تنظيم نسخة 2019 لكأس إفريقيا للأمم من الكامرون، بعد التصريحات المزلزلة لرئيس الكونفدرالية الإفريفية لكرة القدم، الملغاشي أحمد والتي جهر فيها بحقيقة أن الكامرون أبعد ما تكون عن تنظيم كأس إفريقية مثالية بـ 24 منتخبا.
وإن كانت الحداقة السياسية قد ميزت الخروج الإعلامي لرئيس الجمهورية الكامرونية بول بيا، الذي رد على تصريحات أحمد، بأن الكامرون ستكون جاهزة لكسب رهان تنظيم الكان سنة 2019 وأنه يجعل هذا الأمر أولوية في رزنامته السياسية، فإن الفولكلورية وحتى السوفسطائية ستحضر بقوة في تصريحات رئيس الجامعة الكامرونية الذي وجد نفسه رئيسا مجمد المهام من قبل الفيفا أياما فقط بعد أن نقل رسالة خبيثة لرئيس «الكاف» ولنائبه فوزي لقجع، وأيضا في الزاوية التي اختارتها بعض وسائل الإعلام الكامرونية للرد على الملغاشي أحمد.
لقد أذهلني بالفعل أن يذهب صحفيون كامرونيون إلى ابتداع حبكة من وحي الخيال، سيقت للمتلقي الكامروني والإفريقي على أنها مؤامرة جرى تدبيرها في الكواليس بين الملغاشي أحمد رئيس «الكاف» وفوزي لقجع نائبه الثالث، من أجل تجريد الكامرون من حقها في تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2019 ونقلها إلى المغرب.
ذات الصحفيين الذين استحضروا في حبكهم للرواية نظرية المؤامرة، قالوا أن أحمد ربط سحب كأس إفريقيا للأمم 2019 من الكامرون، بصعوده لرئاسة الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وقد تأكد لهم أن المغرب بما لم يقيموا عليه دليلا، جند إفريقيا من أجل الإطاحة بالكامروني عيسى حياتو من على عرش الكرة الإفريقية وانتخاب الملغاشي أحمد بدلا منه، ولكي يعيد أحمد الدين للمغرب وافق على عقد مناظرة حول الكرة الإفريقية بالصخيرات لتكون محطة لكتابة آخر فصل في مسلسل التواطؤ على الكامرون، وعندما حازت الكاف موافقة الجمعية العمومية على زيادة عدد المنتخبات المشاركة في النهائيات إلى 24 منتخبا، أي بنسبة 50% فإن ذلك كان فعلا قصديا بل وكيديا غايته تركيع وتعجيز الكامرون التي نالت حق تنظيم كأس إفريقيا للأمم من 16 وليس من 24 منتخبا.
وكانت خاتمة هذا الهذيان الإعلامي، الذي قرأت فاصلا منه في الصحافة الجزائرية، ولست أدرى أكان ذلك تطابقا أم توارد أفكار شيطانية؟ أن هؤلاء توعدوا المغرب بعقاب شديد في حال ما إذا عمدت «الكاف» لسحب تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2019 من الكامرون وأناطت به للمغرب، انتقاما من الكامروني الشيخ عيسى حياتو الذي كان قد جرع المغرب مرارة سحب تنظيم كان 2015 منه ومعاقبته بما أبطلته المحكمة الرياضية الدولية.
أما العقاب فهو أن تحشد الكامرون دولا إفريقية وأخرى صديقة من قارات أخرى لإجهاض حلم المغرب في تنظيم كأس العالم 2026.
لا خلاف على أن المغرب كان صوتا من أصوات التغيير الكثيرة في إفريقيا والتي ارتفعت بحجج كثيرة من أجل أن تستبدل الكونفدرالية الإفريقية قيادة عمرت لثلاثين سنة بقيادة هي من روح العصر، ولا خلاف على أن المغرب كان من دعاة عقد مناظرة للكرة الأفريقية تضع خارطة طريق متوافق عليها وموضوعة من قبل الخبراء وذوي الإختصاص، ولا خلاف على أن المغرب يطمع مثل كل الأفارقة في أن تكون كأس إفريقيا للأمم عيدا للأفارقة وليس مأتما لنجومها بسبب أن الكونفدرالية صرفتها الأموال التي تجنيها من عائدات التسويق، عن صيانة البطولة من مظاهر تنظيمية جالبة للعار.
والمغرب عندما يتصدر قوى التغيير، لا يفعل ذلك انتقاما من حياتو ولا طمعا في تنظيم كأس إفريقية ولا نكاية بالكامرون، وإنما يفعل ذلك من وحي الفلسفة التي أسس لها مع انفتاحه على محيطه القاري، الفلسفة التي تقوم على بناء مصلحة مشتركة قائمة على فائدة متبادلة أساسها الصدق في المعاملة.
هذا ما غاب عن بعض الصحافة الكامرونية، ولو حضر عندها لما تركها تسرح وراء خيالها الذي يفضي للجنون.