لعب وجد

"لعب وجد"..

المغرب اليوم -

لعب وجد

بقلم - يونس الخراشي

وسط البلد، في العاصمة القاهرة، يختزل مصر كلها في مشهد واحد. ففضلا عن أنه يحتوي على معمار قديم باذخ وآخر بسيط ومتهالك، يمثل فترات مختلفة، فإنه يجمع كل أطياف المجتمع، وأشياءه الخاصة، وأنماط الحياة المختلفة.

بجولة خفيفة، هناك، يمكنك أن تلتقي بكل أطياف المجتمع وفئاته، فترى المسيحي القبطي، والمسلم، والغني، والفقير، والموظف والطالب، وهلم جرا. كل منهم يمضي إلى حاجته بين دروب معمار عجيب، باريسي المنشأ في عمومه، ولكنه يخبئ خلفه بيوتات متهالكة، ومقاه صغيرة عبارة عن "كاراجات" وأخرى فارهة للمرفهين.

كنت كلما اتجهت إلى المصارف لتغيير العملة إلى الجنيه المصري، أتفرس الوجوه من حولي، وهي منهمكة في الحياة اليومية. فبينما معظم الناس ينهشون العيش المحشو بالسلطة؛ من شطائر طماطم وبصل وخص، ترى من يسرع الخطى نحو وظيفته، وغيره بخطى بطيئة متجاذبا أطراف الحديث مع زميل أو قريب، وبين مصرف وآخر محل لبيع المأكولات؛ عبارة عن كشري أو فول وطعمية، أو عصير بأنواعه.

أكثر شيء كان يثيرني في تلك الأثناء هو تعاطي القاهريين مع المال. فلم يكن أحدهم يحاذر البتة وهو يحسب الأوراق النقدية، مع أن حركة الناس من حوله قد تحدث نفسه بإمكانية "النشل". وفي مرة من المرات سألت أحدهم عن ذلك، فلم يجد جوابا يقنعني به. وفهمت، مع مرور الوقت، بأنها مسألة اعتياد فقط، أو لعل لـ"النشالين" مواقع مفضلة غير وسط البلد.

كانت الحياة تبدأ في الصباح متثاقلة وبطيئة للغاية، بحيث يحلو تفرس المعمار على مهل، وهو يحدثك عن نفسه. فتنصت بإمعان لدار القضاء العالي، وأدراجها الشهيرة، وسياجها العجيب. وترخي السمع لما بينها وبين ميدان طلعت حرب، وتمثاله الذي يقف هناك حارسا على مستقبل البلد. وتستمع بإمعان لكل ما بين "غراند أوتيل" وحديقة الأزبكية، فترى الأشباح تملأ المكان سحرا.

أما حين تلوح العاشرة صباحا، فتتعالى النداءات بطلب الشاي. ثم يصبح السير على الرصيف بطيئا بفعل كثرة من يمشون عليه، مقبلين على الحياة. وينتصف اليوم فيضج المكان بأصوات السيارات، وتئن الطرقات. وفي المساء تنتشر المقاهي كعشب سريع النمو، مأهولة بمن جاؤوا يسمرون بالشيشة، ولعبة الطاولة، ينفثون الدخان، ويضحكون لنكتة "ورد غطاها"، أو جاؤوا يبحثون لهم عن مشتريات من محلات تشع أضواؤها، وكأنها بدأت للتو يومها.

ويتكرر المشهد في اليوم الموالي، كما يحدث مع أغنية خفيفة لعبد الحليم حافظ تسمعها هامسة من فتحة مقهى صغير، "اللحظة اللي تعدى بتروح ماتجييش.. ضحك ولعب وجد وحب.. عيش أيامك عيش لياليك.. خلى شبابك يفرح بيك.. عيش بالروح والقلب.. ضحك وجد ولعب وحب..".

وحين تهم بالتسؤال:"من أين يأتي هؤلاء الناس بهذه الهمة لكي يستمروا في نضالهم اليومي مع حياة صعبة؟"، تأخذك الأشياء من حولك ثانية، إلى ذلك المزيج العجيب، والمثير، والمثالي، لخليط من الناس، والأعمار، والألبسة، والأنغام، والأيام، والمعمار، والروائح، والأطعمة، وغيرها، فتفهم بأن ههناك أمورا فوق أن تفهم، ما لم تربط بالقلوب؛ حيث مستقر الإيمان، وحيث هذا باعث الأمل، وحيث هذا وقود كل حياة.
إلى اللقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لعب وجد لعب وجد



GMT 14:13 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

نهاية شهر العسل

GMT 11:30 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

البطولة المنسية

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 18:23 2019 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

يا آسفي علينا !!

GMT 19:54 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيخ كومارا استثناء والبقية في مهب الريح

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز

GMT 03:47 2019 الأحد ,20 تشرين الأول / أكتوبر

ثعلب وسنجاب بطلا أفضل صورة للحياة البرية لعام 2019

GMT 11:48 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

شخصيات في حياة أحمد زكي والعندليب

GMT 00:01 2013 الأحد ,09 حزيران / يونيو

فقمة القيثارة مخلوق غريب لايتوقف عن الأبتسام

GMT 12:14 2017 الثلاثاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

السعادة المؤجلة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib