عادل عامر
إن المستثمرين يسعون إلى الشركات التي تتمتع بهياكل حوكمة سليمة، حيث إنها تلك المجموعة من "قواعد اللعب" التي تجرى بموجبها إدارة الشركة داخليًا، كما يتم وفقًا لها إشراف مجلس الإدارة على الشركة، بهدف حماية المصالح والاستثمارات المالية للمساهمين في ظل وجود الشافية والإفصاح الكامل عن كل ما يتصل بنتائجها المالية في الوقت المناسب لتفادي الأزمات المالية التي فجرها الفساد وسوء الإدارة في الآونة الأخيرة.
أصبحت درجة التزام الشركات بتطبيق مبادئ الحوكمة أحد المعايير الأساسية التي يضعها المستثمرون في اعتبارهم عند القيام باتخاذ قرارات الاستثمار، خاصة في ظل النظام الاقتصادي العالمي الحالي والذي يتسم بالعولمة واشتداد المنافسة بين الشركات والمؤسسات المختلفة لدخول أسواق المال سواء المحلية أو العالمية من أجل الاستثمار، أن نظام الرقابة الداخلية يمثل قاعدة أساسية وضرورية للاطمئنان إلى دقة البيانات المالية والتحقق من قدرتها على تحقيق أقصى كفاية إنتاجية للمحافظة على الاستثمار، لابد أن يحقق مستويات ملائمة من المراجعة والفحص داخل كل شركة، ويؤدى التطبيق السليم لمبادئ الحوكمة إلى جعل عمل المراجعين أكثر سهولة، حيث يساهم في دعم التعاون المشترك بين الإدارة والقائمين على نظام الرقابة الداخلية.
كما يجب أن يتم وضع نظام الرقابة الداخلية بناء على تصور ودراسة المخاطر التي قد تواجه الشركة مع ضرورة متابعة وتقييم تلك المخاطر بشكل دوري، كما أن أساليب الرقابة الداخلية التي يحتوى عليها نظام الرقابة الداخلية تساعد الإدارة الرشيدة من خلال أسلوب حوكمة الشركات في الوصول إلى درجة من التأكيد المعقول Reasonable Assurance عند قياس وتقييم المخرجات المالية حتى يمكن تقدير المنافع ومقارنتها بالتكاليف، وتلعب جودة المراجعة دورًا كبيرًا في تفعيل أسلوب حوكمة الشركات حيث يزيد معدل الثقة لدى مستخدمي التقارير المالية، حيث أن وضع نظم للرقابة على الجودة والالتزام بها تلعب دورًا كبيرًا في ضمان جودة عملية المراجعة.
بالإضافة إلى ذلك، تفرض العديد من هذه القوانين واللوائح التزامات على نفس القدر من الأهمية على الشركات بوضع الضوابط الداخلية والممارسات المحاسبية التي تمنع استخدام الأموال لدفع رشاوى أو مبالغ غير قانونية، ومن الأهمية بمكان أن يتم الاحتفاظ بحسابات الشركة بطريقة من شأنها أن تكشف عن أي تناقضات حتى يمكن اتخاذ الإجراءات الإصلاحية الملائمة.
فقد كان الفساد في مصر ذكيا ومراوغا، خاصة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وهو ما يحتاج إلى صياغة التشريعات جديدة، لان جهود مكافحة الفساد متواضعة رغم وجود ترسانة تشريعات عقابية أن قواعد تقييم شركات القطاع العام في عهد حكومات عاطف عبيد وكمال الجنزوري وأحمد نظيف ساوت بين الشركات الرابحة والخاسرة وخالفت قانون قطاع الأعمال، وان الادعاء بتخفيض مديونيات القطاع العام غير قائم على جهود الخصخصة، وإنما يتم أساسا من خلال بيع الشركات بمديونياتها أو استخدام عائد بيع بعض الشركات التي تحقق أرباحا كبيرة في سداد ديون شركات خاسرة بما يشير إلى التوظيف السيئ لعائدات الخصخصة وهو ما يبخس القيمة البيعية للأصول ويتعارض مع الثمن المحدد لتقييم الأصول المشتراة، لان هذه القواعد سمحت للمستثمر المشتري بأمرين مخالفين للقانون، الأول هو تغيير الغرض من استخدام الأرض من الأغراض الصناعية إلى غيرها من الأغراض بمحض إرادته، والثاني هو تعديل أسلوب التقييم المعتمد من مجلس الوزراء إلى أسلوب التقييم وفقا للقيمة السوقية متى أراد المستثمر ذلك ووقتما يشاء.
أحد قواعد التقييم تقضي بالتزام المشترى بعدم استخدام الأراضي المشتراة في غير الأغراض الصناعية، وإذا قام بتغيير الغرض يسدد للدولة (وزارة المالية) الفرق بين ثمن السوق للأراضي المشتراة وبين ثمن الأراضي الصناعية في أقرب مدينة عمرانية جديدة.
وفي هذا تفريط شجع المستثمر على قبول الشراء وفقا لما تقرره الدولة من قواعد للتقييم والتربص بفرصة تغيير الغرض كما يشاء ووقتما يريد ليقتصر الأمر على سداده لفرق التقييم دون نظر لضرورة المحافظة على استمرار النشاط وعلى نوعية وعدد العمالة القائمة ودون مراعاة لضابط تجنب بيع الأراضي وأي أصول أخرى زائدة على النشاط ووجوب نقل ملكيتها إلى الشركة القابضة المختصة فقد تعاملت هذه القواعد مع كل من الشركات الخاسرة والرابحة وقليلة الربحية معاملة واحدة، فلم تفرق فيما بينها، بل جعلت معيار التقييم الوحيد هو القيمة الدفترية، وتبنت تقييم الأراضي اللازمة للنشاط موضوع البيع أيا كانت المدينة الكائنة بها بسعر المتر في الأراضي الصناعية في أقرب مدينة عمرانية جديدة.
وهذه القواعد تميز بغير سند بين المشتري للأرض في المدن وبين المشتري لإحدى شركات قطاع الأعمال الموجودة في ذات المدن، حيث يشتري المستثمر الشركة بسعر المتر في أراضى التنمية الصناعية بأقرب مدينة عمرانية جديدة (150 جنيها للمتر المربع) ليتمكن بعد ذلك من تعمد تصفية الشركة وبيع الأرض أو توظيفها في استخدامات جديدة مع تحقيق أرباح تصل إلى أضعاف السعر الذي دفعه في الشركة عند خصخصتها.
ولا تحظر قواعد التقييم الحكومية على المستثمر ذلك، بل توصي فقط بتحصيل الفرق بين هذا التقييم وقيمة الأرض، وهو منتهى ما يهدف إليه المستثمر، بما يفقد تلك المعايير أي قيمة قانونية قانون قطاع الأعمال في عهد مبارك بحاجة إلى تعديل بالطبع، فقواعد تقييم شركات القطاع العام في عهده خالفت الفقرة الأخيرة بالمادة 10 من قانون قطاع الأعمال الصادر بالقانون رقم 203 لعام 1991، والتي حظرت التصرف بالبيع في أي أصل من خطوط الإنتاج الرئيسية إلا بعد موافقة الجمعية العامة وطبقا للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية لعب القضاء الإداري دورا كبيرا في إشعال جذوة ثورة 25 كانون الثاني/يناير عبر أحكامه ببطلان الانتخابات في جميع دوائر الجمهورية في عهد مبارك، فما هو الدور الذي يقوم به مجلس الدولة في الكشف عن الفساد الآن؟ وما هي أبرز الدعاوى القضائية وملفات الفساد التي سيتناولها المجلس في الفترة القادمة؟ في الحقيقة أصبح الفساد ظاهرة تثقل كاهل كافة المجتمعات دون استثناء ويترتب عليه نطاق واسع من الآثار الضارة والمدمرة لها، فهو يقوض أسس الديمقراطية وسيادة القانون ويؤدي إلى ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان ويخلق الأجواء المناسبة لتفشي الجريمة المنظمة ويساعد على المساس بالقيم الأخلاقية والتنمية المستدامة كونه يعدّ عقبة أساسية على طريق التنمية.
وعلى نحو خاص فإن تأثيره المدمر يبدو أكبر في دول العالم الثالث، على المجتمع المدني :-
أ - كشف الفساد وتعبئة الرأي العام ضده بحيث يتولد لدى أفراد المجتمع، إن مرتكب الجريمة هو شخص منبوذ ولا يصلح أن يكون قدوة حتى وأن كان من الأثرياء حيث تعلو الأخلاق على المادة ، وهو ما يمثل علاجًا نفسيًا يساعد الشباب على تخطى أزمة انتشار الفساد بين كبار المسؤولين والأثرياء واللذان يتخذهما الشباب قدوة لهم
ب - تفعيل دور الصحافة في كشف الفساد على أن تلتزم هذه الأخيرة بنشر المعلومات الصحيحة والمؤكدة ومحاسبتها إذ مالم تلتزم بذلك إن للفساد المالي تكلفة ، وخاصة في الشركات العامة ، حيث يتم الحصول على مكاسب مالية وامتيازات أخرى على حساب المجتمع. وبصفة عامة يمكن تلمس بعض الآثار الاقتصادية للفساد كما توصلت إليه دراسات الباحثين علي النحو التالي :
جـ - يساهم الفساد في تدني كفاءة الاستثمار العام وإضعاف مستوى الجودة في البنية التحتية العامة ، وذلك بسبب الرشاوى التي تحد من الموارد المخصصة للاستثمار وتسيء توجيهها أو تزيد من تكلفتها .
د ـ للفساد اثر مباشر في حجم ونوعية موارد الاستثمار الأجنبي لما تنطوي عليه هذه الاستثمارات من إمكانات نقل المهارات والتكنولوجيا ، فقد أثبتت الدراسات إن الفساد يضعف هذه التدفقات الاستثمارية وقد يعطلها ، وبالتالي يسهم في تدني حجم الضرائب ومن ثم تراجع مؤشرات التنمية البشرية خاصة فيما يتعلق بمؤشرات التعليم والصحة .
هـ ـ يرتبط الفساد بتردي حالة توزيع الدخل والثروة ، من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم المميزة في المجتمع وفي النظام السياسي ، مما يتيح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادية التي يقدمها النظام بالإضافة إلى قدرتهم على مراكمة الأصول بشكل مستمر مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين هذه النخبة وبقية أفراد المجتمع .
و - انخفاض الأسعار السوقية لأسهم الشركات في البورصات المالية والخسائر المالية الفادحة التي أضرت بمصالح حملة الأسهم والآخرين من أصحاب المصلحة.