بقلم - مجدي حمدان
خبير تطوير الذات وبناء القدرات
لقد أثبتت الدراساتُ النظريةُ والواقعية التي قام بها علماءُ النفس أن العطاء الإنساني له تأثيرٌ إيجابيٌ كبيرعلى نفسيةِ وصحةِ الشخصِ الذي يقوم به فيما يمكن أن نُسميَه بـ"كيمياء العطاء" حيثُ أظهرت دراسةٌ قام بها العالمان كوهين وويلز عام 1985 أن الدعم الاجتماعي يُسهم في تخفيف الضغوط النفسية ، وهذا الدعم الاجتماعي قائم على فئتين رئيسيتين الهيكلية والوظيفية فالوسائلُ الهيكلية هي : "وجود عدد من العلاقات لشخص معين".
والوسائلُ الوظيفية هي : "المساعدة والعطاء للأفراد في مهام الحياة اليومية".
كما وُجدَت الكثير من الروابط بين العطاءِ وتقديمِ المساعدة وتعزيزِ الإيجابيات النفسية مثل : الشعور بالمعنى ، والهدف ، والانتماء، والاهتمام ، والكفاءة الذاتية، واحترام الذات ، كما أنه قد ارتبط بالسعادة وخفض الاكتئاب.
كما لاحظ علماءُ الاجتماع كذلك أن العطاء ومساعدةَ الآخرين يرتبطُان بالسعادة. وأكد العلماء في نفس الصدد أن العطاء والعمل التطوعي ومساعدة الآخرين تؤثر في سلوك الفرد وشعوره بالأهمية وخاصةً في سن الشيخوخة.
وكما بينت دراساتٌ أجريت على أفرادٍ متطوعين وآخرينَ لا يقومون بالعمل التطوعي قام بها علماء نفس أن الأفراد الذين هم أكثر عطاءً هم أكثرُ قوةً في الشخصيةِ ومرونةً في الحياة ، وأن العطاءَ يجعلُ الأفراد أفضلَ في التعامل مع الضغوط الحياتية ، ويُقلل الإصابة بالاكتئاب.
وتحدثَ العلماءُ أن أصحابَ العطاء يكونون أكثر استقلاليةِ وأكثر قدرةً على تحمل الأعباء والمهام. كما يرتبط العطاءُ بتكوين روابط اجتماعيةٍ وثيقة مع الناس ، وهو ما يكون وثيق الصلةِ بالأمان النفسي ، والثقة في النفس ، والعطف على الآخرين ، والتعاطف معهم ، والالتزام والانضباط السلوكيّ.
وعلى الجانبِ الطبي العضوي فإن للعطاءِ تأثيرًا على بعض الهرمونات المتورطة في رفع الضغط. وقد تبين أن الترابط الاجتماعي والتعلق بالآخرين ينظمان استجابة الجسم لإفراز الكورتيزون المسبب لارتفاع ضغط الدم كما أوضح علماء مثل كارتر وهنري عام 1998، وربما كذلك زيادة مقاومة المرض وتحسين الشعور بالسعادة.
وفي الواقع تشيرُ الأدلة الأخيرةُ من خلال البحث العلمي إلى وجود ارتباط عصبي هرموني بين مساعدة الآخرين وتنظيم الضغوط ، كما يؤثر العطاءُ والترابط الاجتماعي الناشيء عنه على تنظيم هرمون الأوكسيتوسين، وهو هرمون يُقلل من الضغوط العصبية بشكلٍ قوي.
بل دفعت الدراسات خلال 5 سنوات العالمة براون وزملاءها لفرضية أن مساعدة الآخرين قد تكون مرتبطة مع انخفاض معدل الوفيات ، كما أظهرت تلكَ الدراساتُ أن العطاء وتقديم الدعم للآخرين كان سببًا في قلة معدلات الأمراض في عينة المسنين التي أجريت عليها هذه الدراسة.
إنها كيمياءُ العطاء التي تمنحُ الفرد المُتعةٌ النفسيةٌ العظيمةٌ التي لا تُقدرُ بثمن ، وكأنما هي إكسيرُ السعادةِ الذي تطيرُ به القلوبُ في سماءِ السلامِ النفسي والصفاءِ الروحيّ .