العيون الأكثر زرقة

العيون الأكثر زرقة

المغرب اليوم -

العيون الأكثر زرقة

توفيق بوعشرين


8 مارس من كل سنة فرصة لنلقي التحية بطريقة خاصة على المرأة، وعلى قضيتها العادلة، في أن تكون إنسانا، لا أنثى فقط.. أن تصير مواطنا وليس امرأة فقط.. أن تعيش بكرامة وحرية ومساواة مع الرجل، ووسط مجتمعها الذي يحمل وزر الأجداد الذين وضعوا المرأة في قفص ومضوا إلى حال سبيلهم، ولم يستطع الدين ولا العلم تخليصها من قيود التقاليد والأعراف التي حبست المرأة في أدوارها التقليدية في البيت والمطبخ والفراش وحضانة الأطفال…

لكن أنا اليوم لن أتحدث عن العقلية الذكورية التي مازالت تستوطن مجتمعنا، رجالا ونساء، ولا أريد الحديث عن مظاهر الظلم التي تعيشها المرأة بيننا، وفي مقدمتها التحرش الجنسي والعنف الجسدي واللفظي، والاستغلال الذي تعانيه المرأة في المعمل والحقل، وأماكن شغل كثيرة تبذل فيها مجهودات شاقة دون أن تحصل على ما يحصل عليه الرجل من أجر.. هذه مهمة أتركها لغيري…

أريد أن أتحدث عن عبودية أخرى تعانيها المرأة، وقيود تضعها بنفسها لنفسها.. إنها فكرة أن تكون دائماً وأبدا جميلة لتعجب الرجال، وأنيقة لتثير الانتباه.. شعرها حرير، ووجها صاف مثل بحيرة لوزان، وجسمها أكثر رشاقة من كمنجة، وأسنانها مصفوفة كأسنان المشط، وعيناها زرقاوان مثل فتاة اسكتلندية، تمشي مثل عارضات الأزياء في الشارع، ولا ترضى بأقل من شكل الأمريكية كيم كاردشيان…

 هذه ليست موضة ولا أذواق تلقائية وعفوية.. هذه سياسة ماركوتينغ وراءها ميزانيات ضخمة تصرف من قبل الشركات العالمية لتسويق صورة المرأة العصرية الجذابة الجميلة التي تحدثت عنها الداودية وتقول: «تدير حالة في الرجالة».

هناك نساء لا يفارقن صالونات التجميل إلا ليرجعن إليها، وهناك نساء يصرفن على الماكياج والعطور ومستحضرات التجميل أكثر مما يصرفن على صحتهن ودراستهن وثقافتهن واحتياجاتهن الأخرى… هناك نساء يقضين ساعة وساعتين في الصباح قبل الخروج إلى العمل، ويقتطعن هذا الوقت من نومهن من أجل أن يظهرن بشكل لا علاقة له بشكلهن الحقيقي. نعم، الاهتمام بالشكل قد يكون صفة نسائية وميزة للأنثى، لكن أن يصبح هذا هو الشغل الشاغل للمرأة، فهذه عبودية ناعمة لدور الماكياج العالمية التي تربح المليارات من الدولارات كل سنة من جيوب النساء…

سنة 1993 حصلت الروائية الأمريكية الزنجية، توني موريسون، على جائزة نوبل للآداب عن رواية «العيون الأكثر زرقة»، وهي رواية عميقة تحكي عن فتاة زنجية اسمها بيكولا، تحلم بأن تنعم يوما بعينيين زرقاوين فيما يحاصرها المحيطون بها جراء لون بشرتها… الروائية في هذه الرواية تعري واقع المرأة ذات البشرة السوداء تجاه خصمين: الأول هو الرجل الأبيض الذي يحتقر السود، والخصم الثاني هو الأسود الذي يحاصر ذاته عندما يريد أن يقلد الأبيض، ومعايير الأبيض، ونظرة الأبيض، وذوق الأبيض… بيكولا الفتاة السوداء محاصرة حتى في أحلامها.. هي امرأة زنجية تحلم بعينين زرقاوين، ولا تعرف أنها تسجن نفسها مرتين؛ مرة عندما تقبل عبودية الآخر وتستسلم لها، ومرة عندما تسجن أحلامها في تقليد الأبيض.

سيدتي، إنك تحتقرين نفسك عندما لا تقبلين بها كما هي.. عندما لا نحطم القيود ولا نسخر من المعايير والقوالب التي يضعنا فيها الآخر نهزم أنفسنا بأيدينا…

أتجول بين الحين والآخر في الجمهورية الزرقاء للفايسبوك، وأرى أن جل تعليقات الشبان منصبة حول صور الشابات ولباسهن وأناقتهن وسحرهن وابتساماتهن ونظراتهن، ماذا عن آرائهن واختياراتهن ومواقفهن… هؤلاء شباب اليوم أي رجال الغد، وهذه الصور والكليشيهات عن المرأة اليوم هي ثقافة وسياسة واختيارات الغد، والمؤسف أن تكنولوجيا التواصل الحديثة لا تقربنا من الحداثة والتغيير والإصلاح، بل، في كثير من الأحيان، تبعدنا عن هذه القيم لأن الشكل حديث، أما العمق فغارق في التقليد. هل رأيتم إدريس لشكر، التقدمي الذي يطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، يعيب على فنانة مثل تباعمرانت لدخولها السياسة وجلوسها إلى جانبه في البرلمان…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العيون الأكثر زرقة العيون الأكثر زرقة



GMT 15:55 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 15:52 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 15:49 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 15:47 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 15:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 15:43 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 15:40 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

نقمة.. لا نعمة

GMT 15:34 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ابعد يا شيطان... ابعد يا شيطان

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib