حكاية  مغربي عائد من معسكرات «داعش»

حكاية مغربي عائد من معسكرات «داعش»

المغرب اليوم -

حكاية  مغربي عائد من معسكرات «داعش»

توفيق بو عشرين

لا حديث للعرب والمسلمين إلا عن أخبار «داعش»، وفتوحات «داعش»، وخلافة «داعش»، والرؤوس المعلقة في الموصل والرقة بسيوف «داعش»، وقدرة البغدادي على استقطاب جيش من المتطوعين من 40 دولة للقتال تحت رايته السوداء..
للمغاربة نصيب وافر من حكاية «داعش»، لأن أكثر من 3000 مغربي حجوا إلى العراق وسوريا، وهم الآن يقتلون ويُقتلون من أجل وهم اسمه الخلافة الإسلامية، أعلنها البغدادي في خطبة للجمعة، واختفى إلى الآن..
«داعش»، تنظيم سياسي قبل أن يكون دينيا،  لهذا، فإن «داعش» ظاهرة سوسيولوجية وليست إيديولوجية. كيف ذلك؟
بغض النظر عن ظروف ميلاد هذا التنظيم المنشق عن القاعدة، والأسباب التي ساعدت الوحش على النمو والتمدد. وكيف عملت دول وقوى وأطراف كثيرة على السماح له باحتلال مساحة كبيرة في العراق وسوريا، لأهداف متعددة؟ ليس أقلها ضرب الثورة السورية وتشويه سمعة الربيع العربي، وتخويف الغرب من القوى التي يمكن أن تخرج من عباءة التحولات الجارية في المنطقة، وضرب النفوذ الإيراني في العراق، بغض النظر عن الأموال التي وجدت طريقا سهلا إلى خزائن «داعش» من دول الخليج، فإن التحاق الآلاف من الشباب العربي والمسلم بالجيش الأسود  يطرح سؤالا معقدا ومركبا حول الدواعي والأسباب العميقة التي دفعت آلاف الشبان إلى الفرار من  بلدانهم وأسرهم والالتحاق بفرق الموت الداعشي...
هل هؤلاء الشباب متدينون أكثر من سواهم؟ وهل هم طهرانيون يبتغون وجه الله بالجهاد في سبيله؟ هل هؤلاء أصحاب مذهب فقهي أم إيديولوجية دينية لها أسس وخطاب ومنهج وتحليل وقراءة للنص والواقع؟

أبدا، الأغلبية الساحقة من كتيبة البغدادي بلا تكوين علمي أو فقهي،  وجلهم تعرف على الحالة السلفية حديثاً، وليس له تكوين ولا تجربة في العمل السياسي أو الحركي أو الدعوي، وأغلبهم - حسب المعلومات المتوفرة - مروا بتجربة السجن أو قدِموا من حرف بسيطة، وبعضهم احترف الإجرام والأنشطة غير المشروعة، قبل أن يلتحق بداعش. لهذا، فإن فهم ظاهرة «داعش» غير موجود في كتب الفقه القديمة، ولا في مجلدات أحكام القتال، ولا في فتاوى ابن تيمية، ولا في تاريخ صراع السنة مع الشيعة، ولا في أحكام دفع الجزية، وسبي النساء، وقطع الأيادي. كل هذا (التراث) كان موجودا منذ قرون. فلماذا يُبعث اليوم وعلى يد من؟ ولأي غرض؟

لا يوجد عالم ديني واحد معترف به في العالم الإسلامي ينتمي إلى «داعش»، أو يؤيدها ! لا يوجد كتاب واحد ألفه البغدادي أو وضعه تنظيم «داعش» لشرح (العقيدة الداعشية). كل ما نراه صور وفيديوهات وأعمال انتقام بشعة وعنف مريع ينفجر بين يدي مخلوقات شوه الفقر، والاستبداد، وفشل التعليم، وإخفاق الاندماج، وأعطاب التنمية، نفوسها وعقولها، فوجدت أن الباب مفتوحٌ في العراق وسوريا للانتقام لنفسها ولوجودها، الذي صار بلا معنى، فالتحقت بكتيبة القتل عسى الجهاد المفترى عليه يعوض  صاحبه على وظيفة لم يعثر عليها. ولعل الشهرة تحت السيف تعوض صاحبها كرامة واعتبارا لم يجده في كل حياته القصيرة. ولعل دروس «الكلاشينكوف» والأحزمة الناسفة تحل محل مقعد دراسة لم يكن من حظ صاحبه الجلوس عليه ..

حكى لي محامي مغربي ينوب عن معتقل عائد حديثاً من جحيم الحرب بسوريا إلى المغرب بعد أن قاتل في صفوف الدولة الإسلامية وهو الآن في التحقيق، قصة التحاق هذا الشاب المغربي بصفوف التنظيم الأخطر  في العالم، فقال نقلا عن محضر الاستماع للمتهم وبلسانه (لم يمض على التزامي بالصلاة والآداب الإسلامية سوى أسبوع واحد على يد جماعة سلفية صغيرة في الحي، حتى وجدتهم يقترحون عليّ التوجه إلى سوريا للجهاد ضد جيش الأسد، الذي يقتل الأطفال والنساء والأبرياء، ولم تكن وسائل الإقناع غير مشاهِدة لنشرة أخبار «الجزيرة» وفيديوهات من «اليوتوب»، عن البراميل المتفجرة والمجازر التي يقوم بها النظام (العلوي) ضد السنة في العراق، وبما أني بلا عمل وعلاقتي بالأسرة ليست على ما يرام، فقد وافقت على رحلة الجهاد خارج الحدود، فوجدت أمامي تذكرة سفر إلى تركيا وفوقها 600 دولار، لم أفكر في شيء، توجهت إلى المطار ومن اسطنبول إلى أنطاكيا، وجدت نفسي أمام مرشد أخذ مجموعة من المغاربة إلى جبهات القتال، ووزعونا على أكثر من تنظيم (داعش، النصرة، أحرار الشام، وتنظيمات أخرى). كان نصيبي «داعش». تدربت على الأسلحة في معسكراتهم، وأصبحت جنديا يقاتل جيش الأسد إلى اليوم الذي وجدت نفسي أقاتل مغربيا آخر، جاء معي على متن الرحلة نفسها من الدار البيضاء إلى سوريا! سألت كيف لي أن أقتل أخا في الدين والوطن والمذهب؟ قالوا لي هذا من جبهة «النصرة» وهؤلاء رفضوا بيعة الإمام الشرعي البغدادي، لهذا فقِتالهم مقدم على قتال الكفار والروافض (أي الشيعة الذين رفضوا البيعة لأبي بكر الصديق قبل 15 عشر قرنا). صدمت من هذا الرد وعرفت أني في ورطة. عقلي لم يتقبل حكاية قتل مغربي لم يُبايع الإمام  الشرعي، كان يمكن أن أكون أنا مكانه يوم وزعونا على الجماعات المسلحة.  طلبت منهم أن يسمحوا لي بالعودة إلى المغرب، فرفضوا وهددوني، ولأن جواز سفري كان بحوزتهم، فقد بقيت عالقا بين أيديهم إلى أن وجدت حيلة للرجوع، وهي الاتصال بعائلتي وإخبارهم بالحقيقة، ثم طلبت منهم أن  يخترعوا كذبة أو خدعة، وأن يتصلوا بي ويخبروني أن والدي على فراش الموت، وأنه يطلب رؤيتي.. هكذا، سمحوا لي بالسفر إلى المغرب بعد أن التزمت بالرجوع مرة أخرى إلى ساحة الجهاد..).

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكاية  مغربي عائد من معسكرات «داعش» حكاية  مغربي عائد من معسكرات «داعش»



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib