ماذا يدور في رأس الداعشي

ماذا يدور في رأس الداعشي؟

المغرب اليوم -

ماذا يدور في رأس الداعشي

توفيق بو عشرين

أدان العالم في الشرق والغرب، في الشمال والجنوب، مجزرة بروكسيل، وتألم الناس من كل الديانات لاستهداف المدنيين في قاعة سفر بالمطار ونفق ميترو تحت الأرض، ولم يفرح بالدم الذي نزل سوى عصابة داعش التي تبنت العملية، وقلة من الإرهابيين الذين ينشرون الرعب حول العالم.
كل من تحدثت معه أمس وجدته يتساءل: من هؤلاء الذين قاموا بهذه الأعمال الوحشية؟ من أين أتوا؟ كيف يولدون في بلجيكا وفرنسا وبرلين ولندن ومدريد… وبعد ذلك يعضون الأيدي التي امتدت إليهم؟ كيف يفجرون مجتمعات ولدوا فيها، وتربوا وسطها، ودرسوا في مدارسها، ولا يتكلمون إلا لغتها؟ أي غسيل دماغ هذا الذي يستطيع أن يدفع شابا في العشرينات إلى الانفجار وسط أناس لا يعرفهم، وأن يغادر هذا العالم الذي مازال عمره يعطيه فيه فرصا للارتقاء والنجاح وتجاوز خيبات الأمل.
إدانة الإرهاب لا تكفي للقضاء عليه، يجب فهمه وتفكيك الإيديولوجيا التي وراءه، وتتبع مسارات المجندين في كتائبه.. إنه مجهود علمي وفكري وتاريخي مطلوب من قبل الباحثين السوسيولوجيين والمثقفين المهتمين بقضايا الاندماج والدين والثقافة والحركات الراديكالية.
 يقول أوليفي روا، الباحث الفرنسي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، في تفسير بروفيلات الجيل الجديد من الإرهابيين: «ليس منهم من سبق له الانتماء إلى الإخوان المسلمين، كما أن لا أحد منهم سبق له النضال في صفوف حركة سياسية، بما فيها الحركات المناصرة للقضية الفلسطينية في أوروبا، ولا أحد منهم سبق له النهوض بمهام من قبيل: توزيع وجبات الإفطار في رمضان، أو إلقاء المواعظ في المساجد، أو في الشارع، بل ولا أحد منهم سبق له متابعة دراسات دينية جادة في معاهد متخصصة، ولا أحد منهم أبدى اهتماما بالفقه الإسلامي أو بطبيعة الجهاد أو طبيعة الدولة الإسلامية حتى».
 من أين يأتي مقاتلو داعش إذن؟ وقبل داعش القاعدة، وقبل القاعدة الجماعة الإسلامية المسلحة؟ يجيب أوليفي روا: «يتشكل هؤلاء الشبان المتطرفون في مجموعات صغيرة من الأصدقاء الذين التقوا في مكان معين (الحي، السجن، ناد للرياضة البار…)، ويعيدون تشكيل ‘‘أسرة’’، ويرتبطون بنوع من ‘‘رابطة الأخوة’’. والواقع أن هناك جانبا لم يهتم أحد بدراسته: رابطة الأخوة غالبا ما تكون بيولوجية، ونعثر بانتظام على حالات قام فيها ‘‘أخوان’’ بتنفيذ عملية إرهابية (الأخوان كواشي، الأخوان عبد السلام، عبد الحميد أباعوض الذي «اختطف» شقيقه الصغير، والآن الأخوان بكراوي، والأخوان «كلين» اللذان اعتنقا الإسلام معا، دون إغفال الأخوين «تسارنييف» اللذين نفذا هجوم بوسطن في أبريل 2013). فكأنما يشكل تطرف الإخوة والأخوات إشارة إلى البعد الجيلي وإلى القطيعة الكاملة مع الآباء». 
لماذا يختار شاب منحرف أو شابة لعوب قبعة الإسلام الراديكالي للقتال تحت رايته؟ يجيب أوليفي روا، الذي اشتغل على محاضر التحقيق مع من اعتقل من هؤلاء المتطرفين، وأجرى مقابلات مع آباء المتطرفين وعائلاتهم: «لماذا الإسلام الراديكالي؟ الأمر واضح ولا لبس فيه بالنسبة إلى أبناء الجيل الثاني: إنهم يستعيدون هوية يعتبرون أن آباءهم لم يكونوا مخلصين لها ولم يمثلوها أحسن تمثيل. إن المتطرف يعتبر نفسه أكثر إسلاما من المسلمين، وبالخصوص أكثر من آبائه، وما يدل على هذا الأمر هو ذلك المجهود الهائل الذي يبذله الداعشي أو القاعدي أو الأصولي عبثا لـ‘‘إعادة’’ هؤلاء الآباء إلى «الإسلام الحق»، ولكن هذا الأمر يكشف، من جهة أخرى، مدى بعدهم عن الواقع (كل الآباء لديهم حكايات حول النقاشات الطويلة مع أبنائهم المتطرفين). أما بالنسبة إلى المعتنقين الجدد، فهم يختارون الإسلام لأنه لا يوجد غيره حاليا في سوق التمرد والتطرف والراديكالية (الالتحاق باليسار الراديكالي يتطلب التوفر على رصيد مهم من الثقافة وحب القراءة، والانخراط في مسار نضالي طويل، ولكن هؤلاء الشباب المتطرفين لا يقرؤون، ولا وقت لديهم لتتبع مسار نضالي طويل)، والانضمام إلى داعش يعني ضمان زرع الخوف في الآخرين وإرهابهم بسرعة وبقوة وفعالية».
أوليفي روا لا يرى في الداعشي إسلاميا راديكاليا ورعا استقطبته داعش بإيديولوجيا، بل يرى أن الداعشي أولا متمرد على ثقافة والده وثقافة بلده، وهو يعيش عزلتين في آن واحد، وهو منحرف جرب السجن والخمر وحياة الليل وأصبح ذا سوابق، وهو، ثالثا، راديكالي وجد في الإسلام الداعشي سلاحا فعالا لنشر الرعب في مجتمع لم يعد يقبل به.
إنه إطار تفسيري يستحق التأمل لجيل ضائع في أوروبا لا يشكل أي نسبة معتبرة وسط المسلمين، لكنه قادر على خلق مشاكل ومتاعب ومخاطر على ملايين المسلمين في أوروبا والعالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا يدور في رأس الداعشي ماذا يدور في رأس الداعشي



GMT 21:07 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادي

GMT 21:05 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا وتخمة القادة الأسطوريين

GMT 21:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الآن؟

GMT 21:01 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 20:57 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سلام عليك يا شام

GMT 20:55 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

فريدريش ميرز... وأوان الترمبية الألمانية

GMT 20:53 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

أوراق اعتماد

GMT 20:51 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

دولة صيدنايا!

صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

الرياض - المغرب اليوم

GMT 13:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best
المغرب اليوم - إيمان العاصي تكشف تفاصيل مشاركتها في حفل جوائز the best

GMT 16:08 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إنستغرام تتخلص من التحديث التلقائي المزعج عند فتح التطبيق

GMT 16:24 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الجدي" في كانون الأول 2019

GMT 06:43 2018 السبت ,15 كانون الأول / ديسمبر

أمزازي يؤكد أن الإحباط يحدّ من الرقي بمستوى الجامعات

GMT 20:23 2017 الإثنين ,20 شباط / فبراير

محمد برابح ينتقل إلى فريق نيميخين الهولندي

GMT 01:58 2020 الإثنين ,30 آذار/ مارس

علامة صغيرة تشير إنك مصاب بفيروس كورونا

GMT 06:32 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم في إطلالة جذابة باللون الأسود

GMT 01:51 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين زفاف تُناسب شكل جسم العروس وتُظهر جمالها

GMT 14:27 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

محمود الخطيب يُشعل حماس لاعبي "الأهلي" قبل مواجهة "الترجي"

GMT 06:12 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"إيتون Eaton- واشنطن" عنوان مميَّز للفنادق الفخمة

GMT 14:01 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حياة "غريس موغابي" المرفهة تتحول إلى أمر صعب للغاية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib