وادي الذئاب

وادي الذئاب

المغرب اليوم -

وادي الذئاب

توفيق بو عشرين

فقدت النخبة السياسية في المغرب البوصلة، ومنها من فقد عقله، ومنها من فقد صلته بالواقع… في البرلمان فجروا زوبعة في فنجان لأن بنكيران نعت اتهامات شباط له بأنه من داعش والنصرة والموساد بكلام السفاهة، وأوقفوا أشغال الجلسة الشهرية، ثم تفرق السياسيون في البلاد يسبون بعضهم بعضا، ويسفهون السياسة أمام أنظار الرأي العام. وقبل نازلة السفاهة هذه أقامت أحزاب المعارضة الدنيا ولم تقعدها لأن بنكيران ادعى أن الملك هو من حمى حكومته ومنعها من السقوط قبل سنة ونصف عندما خرج الاستقلال من الائتلاف، وبسبب هذا التصريح حرروا شكاية ووضعوها في القصر، وطلبوا من الملك أن يغلق فم بنكيران. هل هذه هي مشاكل البلاد الحقيقية؟ هل هذه هي القضايا التي تشغل الناس؟

بيع الوهم تجارة قديمة احترفها جل السياسيين عندنا، ولأن يوم الاقتراع ليس يوم حساب الناخب مع هذه الأحزاب فإن تجارة الوهم في ازدهار ورقم معاملاتها في تصاعد. ثلثا الناخبين يقاطعون صندوق الاقتراع، والثلث الباقي منهم من يضع الورقة بيضاء، ومنهم من يتقاضي 100 و200 درهم مقابل صوته، ومنهم من يُخدع بالوعود الكاذبة، والقلة من تصوت عن قناعة واختيار. إذن، السياسيون عندنا «دايرين الناخب في جيوبهم»، وإذا أزعجتهم الصحافة فإن بعضهم يشتريها، وبعضهم يقمعها، وبعضهم يدعو عليها، وفي النهاية يقتلون السياسة بمعناها النبيل، ويتحولون إلى ذئاب ينهش بعضها بعضا…

مشاكل المغرب الحقيقية أربعة أو خمسة، وكلها بلا علاج جدي أو وصفة ناجعة، ولا خطة على الطاولة سواء بالنسبة إلى الحكومة أو المعارضة…

هناك مشكل البطالة التي تفوق نسبتها 20 في المائة وسط الشباب «المتعلم».. أكثر من 200 ألف شاب يدخلون إلى سوق الشغل سنويا، ولا يجد سوى 30 ألفا منهم فرصة عمل، فيما يبقى الآخرون في قاعة كبيرة للانتظار، وهكذا صار المغرب أكبر قاعة انتظار، والأدهى أن لا أحد لديه برنامج أو فكرة أو مقترح أو مخطط عمل لامتصاص جيش البطالة هذا. الجميع يردد وصفات البنك الدولي: تشجيع النمو، استقطاب الاستثمارات، وإصلاح التعليم و… لقد ثبت أن زيادة نسبة النمو لا تعني أن هذه النسبة ستوزع بالتساوي على الفقراء والأغنياء، والاستثمارات التي تستقطبها بلادنا جلها لا يخلق فرصا كبيرة للشغل، وإصلاح التعليم ورش يستغرق 10 سنوات على الأقل، إن نجح.

المشكل الثاني الذي يؤرق المغاربة هو انهيار المدرسة العمومية، ومعها انهيار المصعد الاجتماعي الوحيد الموجود في البلاد. الفقراء يدفعون أبناءهم إلى مدارس بلا أفق، ثم إلى جامعات بلا أمل، والأغنياء يدفعون أبناءهم إلى المدارس الكبرى والبعثات الأجنبية، ومنها إلى فرنسا وأمريكا ولندن، ليعود الأبناء لوراثة الآباء في المراكز القيادية في القطاعين العام والخاص، والطبقة الوسطى تقطع اللحم الحي من دخلها وتصرفه على أبنائها في التعليم الخصوصي الذي أصبح دجاجة تبيض ذهبا..

بنكيران نفض يده من هذا الملف، وسمح للقصر أن يضع من يراه في الوزارة ومعها المجلس الأعلى للتعليم، ووقف رئيس الحكومة يتفرج من بعيد على شيخ في آخر العمر يجرب للمرة الثانية حظه في إصلاح التعليم غير القابل للإصلاح في ظل الشروط الراهنة…

المشكل الثالث الذي يؤرق المغاربة هو استقلال القضاء ونجاعة وسرعة أكبر مرفق، بعد التعليم، يحتك به المغاربة. وزير العدل والحريات وضع إطارا قانونيا لهذا الإصلاح، أي مشروع على الورق، في حين أن 90 في المائة من مشاكل القضاء في الأيدي والضمائر والأخلاق وعادات القضاة والمحامين والخبراء وكتاب الضبط، وجل هؤلاء غير مستعد لأن يتخلى عن عاداته القديمة، ولا عن مصادر دخله غير المشروعة، ولا عن امتيازات المنصب. ولأن الإصلاح في البلاد بلا أظافر ولا أسنان، فإن السيد الرميد يجرب إصلاح العدالة بنفس أدوات فسادها! فادعوا الله له بالتوفيق أن ينزل معجزة من السماء لكي يحالف النجاح مشروع إصلاح العدالة…

المشكل الرابع الذي يعانيه 60 في المائة من المغاربة هو حالة المدن الفوضوية.. لا الطرق طرق ولا المستشفيات تستحق اسمها، ولا الإنارة العمومية تضيء الدروب المعتمة، ولا الحدائق للناس منها نصيب، ولا الأمن يغطي كل تراب المملكة، ولا المجالس الجماعية تخاف الله، أما القانون فإنها تعزف عليه الألحان التي تروقها. مدننا غارقة في المشاكل، محاصرة بأحزمة الفقر والتهميش الذي يولد التطرف والإجرام وكل العاهات الاجتماعية الممكن تصورها… الأدهى من ذلك أن القانون الجديد لا يعالج إشكالية تدبير المجال الحضري، كما أن الانتخابات المقبلة لن تزيد إلا في تكريس الفساد والعجز وعدم الكفاءة في المجالس المنتخبة…

المشكل الخامس الذي يؤرق المغاربة، ويستنزف جزءا مهما من الميزانية هو مشكل الصحراء.. هذا الجرح النازف في جسم الوطن منذ 40 سنة، كل عام نضع أيدينا على قلوبنا مخافة أن ينزلق الملف إلى المزيد من التدويل في الأمم المتحدة، وكل سنة نصرف 4 إلى 5 ملايير دولار على شراء الأسلحة، وعلى دعم المواد الأساسية في الصحراء، وعلى توزيع الريع على أمراء الحرب الذين يأكلون مع المغرب وقلوبهم مع الجهة الأخرى… لا الحرب حلت المشكل، ولا السلم أنهى النزاع.. لا الاستفتاء نفع ولا الحكم الذاتي سهل الوصول إلى حل. هل قلت حل؟ لا، لا حل في الأفق مادام العسكر يحكم الجزائر

هل رأيتم أن السياسيين في واد ومشاكل المغاربة في واد آخر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وادي الذئاب وادي الذئاب



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib