كوابيس الحسيمة وأوهام الدولة

كوابيس الحسيمة وأوهام الدولة

المغرب اليوم -

كوابيس الحسيمة وأوهام الدولة

بقلم - توفيق بو عشرين

ليس فقط الهاتف والأنترنيت من غابا يوم الخميس عن الحسيمة ونواحيها، بل الغائب الأكبر كان هو الحكمة والتبصر.. كل عناصر التوتر والعنف والغضب والخوف كانت حاضرة، وانتهى المشهد بإراقة دماء المحتجين وبعض رجال الأمن، واعتقال أكثر من 34 متظاهرا، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة.. أما دخان قنابل الكريموجين الذي ملء سماء الحسيمة الجريحة، فقد أضفى أجواء (حرب شوارع حقيقية) على المشهد العام، حيث دفعت الدولة برجال الأمن لمواجهة انتفاضة منطقة كاملة ترفع شعار :”الموت ولا المذلة”.

يوم أسود انضاف إلى (ريبرتوار) الجرح الريفي حيث خرج ألاف المواطنين أول أمس الخميس رجال ونساء، أطفالا وشيوخا، موظفين وعاطلين، فقراء ومتوسطي الحال، إلى الشوارع للاحتجاج على الحكرة وعلى اعتقال 176 من أبنائهم في سجون البيضاء والحسيمة.. لم تثنيهم بلاغات وزارة الداخلية، والنيابة العامة، وأحزاب الأغلبية التعيسة، عن الخروج إلى الشارع لرفع الصوت وتحدي قرار المنع وإكمال تسعة أشهر من النضال في سبيل نيل حقوق بسيطة..

قالها العقلاء منذ ثمانية أشهر ونكررها اليوم، غضب الشعب لا يدار بالقانون الجنائي، وبلاغات الداخلية، وبيانات النيابة العامة، وموجات الاعتقال، احتجاجات المواطنين ليست جريمة حق عام، حتى وان صاحبها تجاوز للقانون..

نحن أمام انتفاضة شعبية بدأت اجتماعية وتحولت إلى سياسية، وبدأت محلية وصارت وطنية، وبدأت اقتصادية وصارت الأن نفسية، تمعنوا في طبيعة الشعارات التي حملها المتظاهرون، وتمعنوا في مشاركة المرأة في المسيرة في منطقة محافظة لا تعطي ثقافتها مكانا للمرأة في المجال العام، وتأملوا في نهر البشر المتدفق من الشوارع في مدينة لا يزيد عدد سكانها عن 52 ألف، ومنطقة لا تربو ساكنتها عن 140 ألف..

اقتربت شرطية بزي نظامي من سيدة ريفية وهي تحاول ان تبعدها عن مكان الاحتجاج، فبدأت المرأة تبكي وتصرخ متشبثة بحقها في الوقوف على مقربة من أبنائها، رافعة شعار النصر مخاطبة الشرطية اختها في الوطن والجنس بالقول:”حسوا بِنَا ولادنا معتقلين ونحن أموات في صورة احياء”، تأثرت الشرطية التي قادها حظها إلى هذه المهمة الصعبة، وفي الأخير دفعتها بعيدا عن الساحة وهي تقول :”انها الأوامر ياخالتي”…

المسيرة وما أحاط بها من دراما إنسانية على ضفاف المتوسط، تعبر عن إفلاس نخبة سياسية كاملة، لم تعرف كيف تتعامل مع أحلام وغضب جيل جديد في الريف لم يبق أمامه سوى الشارع ينقل إليه همومه وأحزانه وحگرته، لأن الموسسات مغلقة، والمجالس المنتخبة فاقدة للمصداقية، والتمثيلية منعدمة، والوساطة غير موجودة، والأمل خرج ولم يعد… المسيرة ومن سقط فيها من جرحى ومكلومين تعبير عن جيل جديد من الحركات الاجتماعية جيل يسائل الدولة في حقل حساس بلا هامش للمناورة تقريبا، انه الحقل الإجتماعي بكل أعطابه الكثيرة وأمراضه المزمنة، ولأن الدولة لم تفهم هذا الحراك ولم تفهم هذا الجيل، فانها تتصرف بالأساليب القديمة والعقلية البالية فتصب الزيت على النار، وتوسيع رقعة الاحتجاج، والتهديد بنقله إلى مناطق أخرى أكثر هشاشة من الريف..

واسالوا من حضر مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في بني ملال، ماذا سمع هناك من كلام قاس ليس فقط في حق الحكومة، بل وفي حق الدولة بكل موسساتها.. عندما يخرج ألاف المواطنين إلى الشارع للتظاهر السلمي في تحد للخوف و للقانون والبوليس والنيابة العامة والحكومة وأحزاب الأغلبية والمعارضة.. فهذا معناه ان السكين وصل الى العظم، وان الناس لن يقبلوا ان يدخلوا “سوق راسهم”، قبل ان يخرج ابناؤهم من السجن، وقبل ان يرفع عنهم الحصار، وقبل ان يجدوا جهة ذات مصداقية تحاورهم وتنصت لهم وتحس بهم وتلتزم أمامهم بتحقيق دفتر مطالبهم في آجال معقولة.. لا يوجد نظام ولا حكومة ولا أحزاب تجرم التظاهر السلمي والمطالب الاجتماعية وتضع 200 شاب في السجن ثم تذهب إلى الفراش فتنام قبل أن يصل رأسها إلى الوسادة..  هذا وهم لا يتحقق حتى في الأحلام ..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كوابيس الحسيمة وأوهام الدولة كوابيس الحسيمة وأوهام الدولة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib