السياسة والدعوة…

السياسة والدعوة…

المغرب اليوم -

السياسة والدعوة…

بقلم - توفيق بو عشرين

هذا الحوار جرى في سجن العقرب في مصر، أحد أسوأ السجون فوق الأرض، وكاتبه محامٍ وحقوقي معتقل مع الإخوان في ملف رابعة، المجزرة التي قالت عنها منظمة «هيومن رايتس ووتش» إنها الأسوأ في كل تاريخ مصر… إنه عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط المعتقل منذ ثلاث سنوات دون محاكمة… في هذا النص أسئلة وأجوبة لم يحسم فيها العقل «الإخواني» لجل الإسلاميين، في المشرق والمغرب، عن علاقة سياسة بالدعوة، والدولة بالدين، والعقل بالنص… يقول عصام سلطان في مقالة كتبها في السجن قبل أيام ونشرها في أكثر من موقع: ‘‘سألت الإخوان: «ماذا تدرسون من مناهج داخل الأسر الإخوانية؟»، فأجابوني: «ندرس الفقه والعقيدة والتفسير والدعوة و… فقط».
سألتهم: «هل تدرسون شيئاً عن السياسة أو القانون العام أو الاقتصاد أو تاريخ مصر الحديث أو المجتمع المصري؟» فأجابوني بالنفي.
أضفت: «إذن، كيف كان تصوركم لحكم وإدارة واقع لا تدركون أبعاده وعمقه وتحدياته؟»، تعددت الإجابات، والحيرة واحدة!
في اليوم التالي، ابتدرني قيادي شاب بحماس: «نحن ندرس الإسلام، وهو نظام شامل وكامل ينظم كل مناحي الحياة. ألا يكفي هذا؟».
قلت: «نعم، الإسلام نظام شامل، ففيه الدعوة والفقه والتفسير، وفيه أيضاً السياسة والاقتصاد والاجتماع؛ لأنه شامل، إلا أنكم تدرسون جزءاً، وهو الدعوة وأخواتها، وتتركون جزءاً وهو السياسة ولوازمها، وهذا يعد إخلالاً بمبدأ الشمول الذي تحتج به!».
ردّ قائلاً: «طالما أنني ملتزم بالسلوك الدعوي، سواء داخل أو خارج الحكم والسياسة، فلا تثريب عليَّ».
قلت: «لا»، وشرحت أن كثيراً من قواعد ومبادئ الدعوة عكس قواعد ومبادئ السياسة، ففي الدعوة أن الزمن جزء من العلاج، وفقاً لمبدأ التدرج الذي يناسب عقل الإنسانية، أما في السياسة فإن مرور الزمن جزء من استفحال المشكلات وتفاقمها، إذ لا بد من اقتحامها وحلها بقرارات جريئة وسريعة، وإلا أطبقت عليك من كل جانب، واستغلها خصومك للإيقاع بك، وفي الدعوة أن الأصل في التعامل افتراض حسن النية في الآخرين (التمس لأخيك سبعين عذراً)، أما في السياسة فلا يمكن استبعاد سوء النية أبداً، فقد يبدو أحدهم أمامك بمظهر الناسك المتبتل، في حين أنه يُعدّ العُدّة لخيانتك والانقلاب عليك، وفي الدعوة يمكن التصدّق بعرضك لمن تشاء، أما في السياسة فلا بد من إنفاذ القانون على مَن يعتدي على عرضك أو عرض أحد المواطنين، وإلا استُبيحت الأعراض، وانتُهكت، وفسد المجتمع كله، وفي الدعوة فإن الوسيلة الوحيدة هي الوعظ والإرشاد، ثم تقف عند ذلك، فليس عليك هداية الناس (ليس عليك هُداهم)، أما في السياسة فلا مجال للوعظ والإرشاد، وإنما استخدام القوة المشروعة لتطبيق نصوص الدساتير والقوانين وأحكام وقرارات القضاء؛ لأنك مطالب بتحقيق نتائج وفقاً لبرنامجك السياسي الذي أعلنته، وانتخبك المواطنون لتحقيق حياة أفضل لهم. وعلى العموم، إذا طبقت القواعد الدعوية على العمل السياسي تفشل السياسة وتضيع الدعوة، وإذا جمعت بينهما فقد جمعت بين أساليب ووسائل متناقضة، فيبدو أداؤك أمام الناس محلاً للاستغراب والدهشة، ومن الصعب، بل من المستحيل، أن ينجح في ممارسة العمل السياسي مَن تكونت ملكاته وقدراته على أساسٍ دعويٍّ صرف، وعاش أغلب عمره داعيةً، فلا بدّ من التخصّص، أو الفصل الوظيفي، بين وظيفة الداعية ووظيفة السياسي، وذلك في إطار المرجعية الإسلامية الشاملة لكليهما’’.
هذا ليس مشكلا إخوانيا مصريا، هو أيضا مشكل «إخواني» مغربي، فرغم أن حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح اقتنعا مبكرا بضرورة الفصل الوظيفي بين الدعوي والسياسي، وانقسما إلى شقين، «إخوان الحزب» و«إخوان الحركة»، مع تمايز يكبر ويصغر حسب الظروف والأحوال، فإن ثقافة الخلط بين الدعوي والسياسي مازالت قائمة، وتظهر عند الاختبارات الكبرى ومنها الأزمة الحالية التي يتخبط فيها حزب المصباح، الذي أضاع البوصلة، حيث يعجز عن إيجاد مبررات سياسية وديمقراطية للمشاركة في الحكومة، فيبحث عن مبررات دعوية، مثل حماية نشاط حركة التوحيد والإصلاح، أو مثل قول العثماني إن مشروع الحزب ثقافي واجتماعي قبل أن يكون سياسيا، وما في حكم هذا الأدب التبريري.
يتصرف بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية سياسيا ويفكرون إخوانيا، يتقدمون للانتخابات من أجل تطبيق برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي، لكنهم عندما يواجهون صعوبات تلاقي كل صاحب مشروع، يتحولون إلى دعويين، ويختبئون وراء المشروع الثقافي ليبرروا الضعف أو الخوف أو الطمع في القرب، كل حسب مذهبه وقناعته واستعداده النفسي… من هنا تنبع قيمة حوار سجن العقرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة والدعوة… السياسة والدعوة…



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib