أوهام التناوب الثالث

أوهام التناوب الثالث

المغرب اليوم -

أوهام التناوب الثالث

بقلم : توفيق بو عشرين

ما لم يقله الوزير التقدمي نبيل بنعبدالله في الصخيرات قاله في البيضاء، وفتح قلبه لجمعية خريجي العلوم السياسية بباريس ووضع أصحابها في صورة الإكراهات السياسية غير المرئية التي تحدث خلف الستار، والتي لا يتحدث عنها الناطق الرسمي باسم الحكومة ويكتفي عبد الإله بنكيران بالتلميح إليها بين الحين والآخر حسب الظروف والأحوال، يقول وزير السكنى وسياسة المدينة: «إكراهات كثيرة واجهتنا في الحكومة، لقد تبين أن هناك ملفات من الصعب على الحكومة الاقتراب منها، رئيس الحكومة نفسه كان يكتشف أن أمورا تتم في الدولة بالموازاة مع عمل الحكومة وهو لا علم له بها». وفي الختام يقول زعيم التقدم والاشتراكية فيما يشبه الخلاصة: «لا يمكن للمغرب أن يتقدم إذا لم يكن رئيس الحكومة مسؤولا عن كل شيء وعن كل الملفات في الحكومة، باستثناء ما هو منصوص عليه في الدستور من صلاحيات للملك في المجال الديني والعسكري ووظيفة التحكيم».

الآن نحن أمام شاهدي عيان من داخل الحكومة على وجود دولتين في المغرب، أو كيان مواز يشتغل بمنطق (يدي ويد القابلة). عبد الإله بنكيران الذي قال قبل أسابيع: «توجد في المغرب دولتان، الأولى يترأسها جلالة الملك، والثانية لا نعرف من يرأسها». وشهادة نبيل بنعبد الله عن وجود ملفات لا يمكن للحكومة أن تقترب منها وعن قرارات تتخذ من وراء ظهر الحكومة التي انتخبها الشعب، ولو امتلك الوزراء الآخرون الشجاعة لقالوا الشهادة نفسها بطرق مختلفة.

لقد سبق للوزير الأول السابق عبد الرحمان اليوسفي أن قال نفس المعنى بكلمات أخرى بعد أن أنهى ولايته الحكومية وسافر إلى بروكسيل لينعي من هناك صفقة التناوب التي لم تنجح، لكن هذا كان في ظل دستور 1996، وكان مبررا إلى حد ما باعتبار أن الحكومة كانت تحت وصاية كاملة للقصر الملكي، لكن أن نبقى إلى اليوم ضمن خطاطة 96 وأن لا ننتقل إلى خطاطة 2011، فهذه خسارة سياسية كبيرة، وانحراف دستوري وسياسي يجب التوقف عنده، ويجب مناقشة أسبابه العميقة، ويجب على الأحزاب التي تتبارى اليوم على ثقة الشعب في الانتخابات أن تخبره عن برنامجها للعودة إلى الدستور الجديد الذي صادق عليه الشعب وأصبح المرجعية العليا للأمة بما له وما عليه.

بنكيران كان أمام ثلاثة خيارات عندما رأى أن توزيع الصلاحيات في الدولة يجري خارج ما ينص عليه الدستور، وأن هناك كيانا موازيا يحاول أن يتصرف في القرار العمومي على منوال ما كان سائدا قبل الدستور، كان الخيار أمام بنكيران إما أن يقدم استقالته ويذهب إلى بيته ويحدث قطيعة كبيرة مع الدولة، وإما أن يقبل بالأمر الواقع ويتحمل الضربات ويغلق فمه، وإما أن يصبر على هذا الوضع ويتمسك بالمنصب الحكومي وأن يصارح الرأي العام بما يجري، وأن يعوض بالكلام ما عجز عن تغييره باليد، وعينه على تطور العملية الديمقراطية ومشاركة الرأي العام أكثر في السياسة ودواليبها… اختار الحل الثالث، ولكل خيار ثمن، ولكل سياسة فاتورة والشعب هو الذي سيحكم على منهجية بنكيران وحكومته في التعاطي مع الدستور الجديد، الذي لم يعد المرجعية العليا لتدبير القرار العمومي في المملكة.

السؤال الآن عن برامج الأحزاب إزاء هذه النازلة أو بتعبير آخر كيف تنزل الحكومة المقبلة الدستور الجديد للملكة بكل تفاصيله، دون أن تصطدم مع الأنوية الصلبة في الدولة؟ وكيف يحافظ رئيس الحكومة المقبل على صلاحياته كاملة، وعلى مسؤوليته على الإدارة والسياسات العمومية، وفي نفس الوقت على الانسجام والسلاسة مع آلة السلطة التي تميل إلى التأويل الرئاسي المفرط لنظامنا السياسي عِوَض التأويل البرلماني المنفتح بحسب تعبير المؤرخ المغربي عبد الله العروي.. المغرب يتغير وأجياله تتبدل وثقافته تتحول والمحيط من حوله يتزلزل، لكن السياسة تصر على أن تستحم في مياه النهر مرتين!.

في نظري هذا أهم سؤال سياسي في المرحلة المقبلة والجواب عنه سيرسم مستقبل الأحزاب السياسية ودورها في الإصلاح ومستقبل التحول الديمقراطي في المغرب، هذا التحول الذي تاه عن المسار الذي رسمه له الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس الذي أعقب انتفاضات الربيع العربي…

أما نبوءة إدريس لشكر حول قرب حلول زمن (التناوب الثالث)، فهذه أضغاث أحلام، نحن مازلنا نجر خيبات فشل التناوب الأول الذي قاده الزعيم التاريخي للاتحاد عبد الرحمان اليوسفي، وإذا كانت مدينة طنجة قد فرحت بافتتاح شارع باسمه وسطها، فإن السياسة المغربية لم تفرح بخيبات فشل مشروع اليوسفي الكبير مع الحسن الثاني حول تناوب الشجعان…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوهام التناوب الثالث أوهام التناوب الثالث



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib