هموم أطلسية

هموم أطلسية

المغرب اليوم -

هموم أطلسية

بقلم : توفيق بو عشرين

بعيدا عن بركة السياسة الراكدة في المغرب، حضرت يوم أمس المنتدى الخامس لمركز ocp policy centre، الذي استضاف باحثين وسياسيين وخبراء وأساتذة جامعة من الأركان الأربعة للعالم للحديث عن المتغيرات الدولية والخرائط الجديدة لعالم الغد.
اللقاء جمع بين الفكر والعمل، بين النظرية والتطبيق، بين الخبراء وصناع القرار في جل المجالات الحيوية، وكانت الهموم كالتالي: كيف السبيل لتوفير فرص عمل جديدة للشباب أمام تطورات الثورة الرقمية التي ستلغي، في الخمس عشرة سنة المقبلة، أكثر من نصف مناصب الشغل التقليدية؟ كيف السبيل لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية في عالم يتسابق نحو خطب ود المال الذي لا يؤمن بشيء سوى بالربح وضمانات الدخول والخروج من أي بلد؟ كيف السبيل لتوفير تعليم جيد للأجيال المقبلة، وإنشاء مدارس النجاح المربوطة بسوق الشغل وحاجيات الشركات القديمة والجديدة؟ ما هو الطريق لمحاربة الفساد والرشوة التي تنخر جل دول العالم، والتي تضيع على الاقتصاد نسب نمو كبيرة، وتنشر عادات وطباع سوء في الإدارة والاقتصاد وثقافة المواطنين؟ ما هي الوصفة الأنجع لإقرار ديمقراطية مستقرة ومنتجة للتوافق والتراضي بين الأطراف المختلفة، وحتى المتصارعة، في عالم لم تعد فيه أي دولة معزولة عن الأخرى، وصار هناك نهر كبير افتراضي وواقعي في الوقت نفسه، يربط بين الشعوب والحضارات والأفراد والثقافات عبر الأنترنت وتكنولوجيا الاتصال والتواصل؟ الابتكار والتجديد والاختراع والتكوين المستمر والتكيف مع التحولات الجارية… هي مفاتيح المستقبل، فمن يملكها اليوم؟ وأين يمكن شراؤها في سوق كبير؟ التعاون شمال جنوب مهدد اليوم بصعود موجات اليمين الشعبوي الذي يسوق أجندة الخوف من كل شيء، من المهاجرين والإسلام والصين والإرهاب والتعددية الثقافية، وحتى العولمة واقتصاد السوق، فما السبيل للوقوف في وجه هذه الموجة التي تهدد ما بقي من السلم والأمن الدولي؟
للجواب عن بعض هذه الأسئلة المعقدة والمتشعبة، أختار مقتطفات من تجربة حاكم ولاية نيفادا (Brian Sandoval governor of Nevada) الذي عرض أسلوبه في إدارة الولاية، فله الكلمة: «جئت قبل سبع سنوات إلى هذه الولاية، فوجدت شركات كثيرة تعلن إفلاسها، والسياحة في نزول، والبطالة في صعود، وجوا من اليأس يضرب معنويات الأمريكيين في نيفادا، فطرحت برنامج إصلاحات طموحة، وفزت بثقة الناخبين، فكان العمل من اليوم الأول الذي وضعت فيه رجلي في مكتب الحاكم».
ماذا فعل صاحبنا أمام هذا الوضع؟ يحكي: «بدأت بتهيئة مناخ مناسب لجلب الاستثمارات، واستقطاب المشاريع الكبرى للشركات. غيرنا القوانين المتعلقة بالاستثمار، وراجعنا تعريفة الضرائب، واجتمعنا مع عمداء كليات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والعلوم، ودعونا مديري الشركات إلى الجلوس معهم إلى طاولة واحدة، حتى يعرف أصحاب مختبرات تكوين وتعليم الطلبة ما هي حاجيات المصانع والشركات والمقاولات، وعرضنا مساعدة مالية على الجامعات لتكييف برامجها مع سوق الشغل الجديد. أكثر من هذا، أنشأنا صندوقا لدعم العاطلين عن العمل من أجل إيجاد الشغل عن طريق دورات تكوينية جديدة، وعرضنا منحا على الجامعات لفتح أبوابها أمام الفئات الهشة، وطفت البلاد شرقا وغربا للبحث عن ضيوف يقبلون بالنزول عندنا، والاستفادة من الفرص التي خلقناها في الولاية». سأل الجمهور حاكم نيفادا عن ثمار هذه السياسة، فقال مزهوا بحصيلته: «استقطبنا شركة آبل التي وضعت عندنا مركزا ضخما لبياناتها بالمليارات من الدولارات، واستقطبنا أكبر شركة لصناعة البطاريات، حيث ستنتج كمية أكبر مما ينتجه العالم كله من البطاريات، على مساحة 10 ملايين متر مربع، ويد عاملة تتجاوز 6000 مواطن، ومازلنا نفتح فرصا جديدة لشركات أمريكية وأجنبية للاستقرار في ولايتنا، مع توفير بيئة صديقة للمقاولة»، ثم توالت الأسئلة على حاكم نيفادا: ما هو السر في هذا النجاح؟ فرد مرة أخرى ببساطة الأمريكي وصراحة الجنوبي: «لا أسرار في العملية، انطلقنا من الاستثمار في التعليم، وأقمنا علاقة شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص. الأول يملك سلطة التنظيم والثاني يملك سلطة المال، وحاولنا أن نجد انسجاما بين سياسة الولاية وسياسة الدولة في واشنطن، ولم ندخر جهدا للاهتمام بالبيئة وبإطار العيش المريح، ووجهنا الشباب إلى الاهتمام بالاقتصاد الرقمي، والاعتماد على الابتكار، وعدم الابتعاد عن التكوين المستمر، والبقية تركناها للتواصل والدعاية لإصلاحاتنا وتحفيزاتنا، حتى تصل إلى أصحاب القرار في الشركات الكبرى. هذا كل شيء».
كنت أتمنى أن أجد بعض عمداء مدننا في القاعة للاستماع إلى حاكم نيفادا الذي جاء إلى مدينة البهجة ليعرض تجربته الناجحة، لكن أملي خاب، فجل الحضور من أمريكا وأوروبا وإفريقيا وآسيا.. القوم عندنا مشغولون بما هو «أهم».

المصدر : صحيفة اليوم24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هموم أطلسية هموم أطلسية



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib