عين على مرض الملك وعين على التاريخ

عين على مرض الملك وعين على التاريخ

المغرب اليوم -

عين على مرض الملك وعين على التاريخ

بقلم - توفيق بو عشرين

بلاغ قصير من الطبيب الخاص للملك محمد السادس، عبد العزيز الماعوني، أخبر المغاربة بأن ملكهم أجرى عملية جراحية في مستشفى بفرنسا من أجل إزالة «الظفرة» من العين، وأن الجالس على العرش سيخلد للراحة لمدة أسبوعين، وأن العملية نجحت، وفِي آخر البلاغ دعاء بالشفاء العاجل لجلالته… تلقى الرأي العام الخبر غير الاعتيادي بطريقة هادئة وعقلانية، ولاحظت، سواء من خلال تتبع منصات التواصل الاجتماعي أو تعليقات بعض المواطنين، أن الخبر لم يقلق أحدا، ولا خضع للتأويلات المعتادة في مثل هذه الحالات… هل هذا أمر جديد؟ وهل يؤشر على دلالات سياسية وثقافية وتواصلية أم لا؟

أولا: هذه ثالث مرة يعلن الديوان الملكي، في ظرف 18 سنة، عوارض صحية تطال ملك البلاد -شأنه في ذلك شأن كل البشر- وهذا التواتر في إخبار الرأي العام بالوضع الصحي للجالس على العرش أسس «ثقافة تواصلية» حديثة، جعلت الناس يتلقون بشكل طبيعي وصحي أخبار مرض من يحكمهم، ويثقون في ما يذاع من معلومات ومعطيات، وهذه العادة طارئة على الملوك المغاربة، فإلى وقت قريب، مثلا، لم يكن الملوك يعلنون شيئا عن أوضاعهم الصحية، فيوم دخل السلطان محمد الخامس إلى غرفة العمليات في قصره بالرباط في فبراير سنة 1961، لإجراء عملية جراحية بسيطة على الحلق، لم يصل الخبر إلى المغاربة آنذاك، حتى فوجئوا بولي العهد مولاي الحسن يعلن الخبر الحزين عن وفاة محمد الخامس، بعدما لم يستيقظ أبو الاستقلال من التخدير العام الذي خضع له قبل إجراء العملية… هذا معناه أن «السياسة التواصلية» للقصر -ورغم كل الملاحظات التي يسجلها الصحافيون المغاربة والأجانب على وتيرتها وفعاليتها- تعد مظهرا من مظاهر التحديث الذي يخترق كل المؤسسات، بما فيها الأكثر محافظة. فإخبار الرأي العام بصحة الملوك تقليد أوروبي وليس عربيا ولا إسلاميا، ومعناه أن التاج موضوع فوق رأس بشر وهو يعترف بحق المواطنين في معرفة كل ما يتعلق بأحوال الملك، بما في ذلك حياته الخاصة وأوضاعه الصحية.

ثانيا: يوم الأربعاء أعلن الطبيب الخاص أن الملك محمد السادس سيخلد للراحة لمدة أسبوعين، ويوم الخميس خرج ولي العهد، مولاي الحسن، لإعطاء انطلاق الموسم الدراسي الجديد. هذا معناه أن الملكية مؤسسة وليست فردا فقط، وأن استمرار عملها مكفول، وأنها تقوم بمهامها ولو كان رأسها في عطلة استشفائية. «الاستمرارية» la continuité، مظهر من مظاهر تحديث الحكم الذي ما زال يحتاج إلى خطوات أخرى لعصرنته وتحديثه حتى يواكب حجم التغيرات الهائلة التي تسري في الجسد المغربي كل يوم.

ثالثا: لو أعلن خبر مرض الملك في واحدة من مملكات الشرق، هل كانت شعوب تلك الدول ستتعامل معه بطريقة عادية وهادئة وعقلانية؟ أجزم بالجواب وأقول لا، وهذا راجع إلى «الثقافة السياسية» السائدة في تلك البلدان، حيث مازال المجتمع يرى في الملك أبا وليس حاكما فقط. أظن أن المغاربة بدؤوا يتجاوزون العلاقة «البطريركية» التي كانت تجمع بين «الرعية» وسيدها، بين الأب وأبنائه… مياه كثيرة تدفقت تحت جسر العلاقة بين القصر والشعب بفعل اتساع التعليم وزيادة الوعي، وارتفاع منسوب الانفتاح على ثقافة العالم الحي، والخروج من جلباب الماضي.. الماضي الذي جعل الصدر الأعظم باحماد يتستر على وفاة السلطان مولاي الحسن (1873 إلى 1894)، الذي كان راجعا إلى عاصمة ملكه فاس من رحلة إلى تادلة، فتوفي في الطريق، فعمد باحماد إلى إخفاء الخبر الجلل عن «العامة» إلى أن يرتب لخلافة مولاي الحسن، حيث وضع ابنه، مولاي عبد العزيز، وهو مازال طفلا لم يكمل آنذاك ربيعه 14، على العرش، وقفز على أخيه محمد، وذلك ليبقى باحماد الآمر الناهي في مملكة العلويين، حتى إن قنصل فرنسا في آسفي كتب إلى باريس رسالة يخبر فيها بالنازلة، ويقول إن جثة مولاي الحسن تعفنت في شهر يونيو القائظ، وإن البغال التي كانت تحمل الجثة أصيبت بالدوخة. وكان حدث القفز من محمد إلى مولاي عبد العزيز واحدا من أسباب تمرد بوحمارة على نفوذ السلطة آنذاك، حيث ادعى هذا الأخير في بداية ثورته، أنه هو محمد بن مولاي الحسن الأحق بعرش المغرب، في زمن لم يكن فيه تلفزيون ولا هاتف محمول ولا صور ولا فيسبوك… بالشفاء العاجل للملك محمد السادس.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عين على مرض الملك وعين على التاريخ عين على مرض الملك وعين على التاريخ



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib