إيميلات المدام

إيميلات المدام

المغرب اليوم -

إيميلات المدام

بقلم : توفيق بو عشرين

2060 رسالة كانت كافية لإدخالها متاهات سياسية وقانونية، انتهت بسقوطها من على منصة التتويج برئاسة البيت الأبيض.. مدام هيلاري كلينتون، التي اعتزلت السياسة قبل أسبوعين، تورطت في جريمة استعمال إميل شخصي غير محمي لبعث رسائل تتصل بموضوعات حساسة داخلية وخارجية عندما كانت كاتبة دولة في الخارجية الأمريكية ما بين 21 يناير 2009 و1 فبراير 2013، حيث عثرت FBI على إيميلات المدام مبعثرة في أكثر من حاسوب، ما جر عليها تحقيقا قانونيا، انتهى بعدم توجيه أي اتهام إليها السنة الماضية، إلى أن اقترب موعد الاقتراع، فخرج المدير العام للأمن الداخلي يعلن إعادة فتح التحقيق بناء على معلومات جديدة توصل إليها المحققون، على إثر تقرير نشرته صحيفة بريطانية عن تورط زوج كبيرة مساعدي هيلاري (هوما عابدين) في علاقة جنسية إلكترونية مع قاصر. هنا فتح المحققون إيميلات الزوج والزوجة، فعثروا من جديد على إيميلات هيلاري التي وصفت بكونها حساسة وتتعلق بأسرار الدولة.. هنا كانت الضربة قاضية، حيث بدأ الفارق في استطلاعات الرأي يتقلص بين هيلاري وترامب، الذي قفز على الفضيحة، مصورا هيلاري بأنها فاسدة «جمعت أموالا لمؤسستها بطرق مشبوهة» وغير مسؤولة، ومتورطة في تعريض أمن الأمريكيين للخطر، لأنها اختارت إيميلات غير محمية لمخاطبة الإدارة والسفراء ومراكز القرار. الأمر لم يقف هنا، بل اتُّهمت هيلاري بأنها لجأت إلى الإيميل الخاص بها لتهرب من الرقابة المؤسساتية على أعمالها، ذلك أن القانون في أمريكا يجعل الحياة الخاصة والعامة للمسؤول الحكومي تحت الرقابة والتسجيل، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والمراسلات البريدية واللقاءات الرسمية وغير الرسمية، وحتى الهدايا التي يتوصل بها المسؤول الحكومي تكون تحت المراقبة، مخافة أن توثر على سلوك أو قرار الوزير أو الرئيس بما يضر بالمصلحة العامة والأمن القوم.، هنا أصبحت ورطة كلينتون أكبر، فهي لم تخرق إجراءات أمنية روتينية فحسبن، بل هي لجأت إلى استعمال بريد خاص لإخفاء معلومات ومعطيات ومراسلات لا تريدها أن تظهر لدى الأرشيف الرسمي لوزارة الخارجية، ولا تريد لأحد أن يطلع عليها.
هكذا خسرت مدام هيلاري فرصة الوصول إلى أرفع منزل للقرار العالمي، حيث استغل الشعبوي ترامب الفرصة لتسديد ضربة قاضية إلى كلينتون، بعدما مهد الطريق لنفسه بدغدغة مشاعر الفئات غير المتعلمة من الناخبين ببرنامج غير واقعي وعنصري حتى.
هذا طبعا يجري في أمريكا، أما عندنا في المغرب، فإن البلاد تمشي كلها بالهواتف والأوامر الشفوية، والإيميلات غير المحمية، والرسائل المفضوحة، ولا وجود لنظام مضبوط يقنن اتصالات الوزراء وكبار مسؤولي الدولة، ويجعلهم تحت مراقبة مؤسساتية وقانونية لحماية المصلحة الوطنية والأمن القومي.
عندما نشرنا وثائق بريمات مزوار وبنسودة في صفقة «عطيني نعطيك»، التي كان المفعفع يحصل بمقتضاها على 90 ألف درهم علاوة شهرية لوزير للمالية، في حين يعطي هذا الأخير 100 ألف درهم للخازن العام للمملكة، نور الدين بنسودة، قامت ضجة حول ما سمي بتسريب وثائق سرية إلى الصحافة، وعندما ذهبنا إلى المحكمة لمؤازرة موظف ومهندس اتهما زورا بتسريب الوثائق إلى الجريدة، اكتشفنا ،أثناء المحاكمة، غيابا تاما لأي نظام لأرشيف القرارات التي يصدرها الوزير أو كبار المديرين في وزارة المالية، ودهش الجميع عندما اكتشفوا أن أصل الوثائق التي نشرتها «أخبار اليوم» اختفت من الإدارة، وجرى سحبها للتغطية على نظام الريع الضارب أطنابه في واحدة من أهم الوزارات في المملكة، أكثر من هذا، لم يسقط أحد من المتورطين في هذا الريع، فوزير المالية أصبح وزير خارجية، والخازن العام مازال يسود ويحكم في إمارته الغنية، رفقة مديري المالية الآخرين الذين لا يقترب أحد من ميزانياتهم واعتماداتهم، سواء الأصلية أو الإضافية.
كان لويس الرابع عشر في فرنسا يملك ويحكم ويقرر في مصير البشر، وكان كلامه يعتبر بمثابة قانون، إلى أن تطورت فرنسا، فجاء الحكماء وقالوا له: «يا جلالة الملك، لا اعتراض لأحد من رعيتك على جعل كلامك قانونا، كيفما كان هذا الكلام، لكن، لو تكرمت فجعلت رجال القانون يكتبون أقوالك حبرا على ورق حتى يعلم به كل الناس، ويسهل على المحاكم والمقاطعات الرجوع إليه»، فوافق الملك الذي كان يردد: «L’état c’est moi»، لكنه لم يفطن إلى الحيلة إلا عندما أصبح يتناقض في أقواله، ويوقع الناس في حيرة من أمرهم، لأن المكتوب صار شاهدا على الملك، وأصبحت تناقضاته عارية أمام الناس، حتى اجتمع مرة البرلمان الفرنسي لمناقشة مراسيم الملك، فغضب لويس الرابع عشر، ولبس ثياب الصيد، واقتحم البرلمان، والسوط بيده، طالبا من سكانه أن ينفضوا مانعا إياهم من مناقشة قراراته، وفي الليلة نفسها حل البرلمان، وأقام مجلس خاصا ملكيا تحت وصاية الملك. بعد وفاته تغير كل شيء، وجاءت الثورة فقلبت الموازين، وبقية القصة معروفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيميلات المدام إيميلات المدام



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib