برغماتية العدالة والتنمية

برغماتية العدالة والتنمية

المغرب اليوم -

برغماتية العدالة والتنمية

بقلم : توفيق بو عشرين

تتجه المعركة السياسية والانتخابية بين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة لتكون مواجهة (حياة أو موت)، بمقتضاها يحصل المنتصر على كل شيء تقريبا، ويفقد الخاسر كل شيء إلى حد ما، ولهذا يخرج كل طرف أحدث الأسلحة التي بحوزته وأكثرها فتكا بخصمه، فيما الأحزاب الأخرى تقف على مسافة تتفرج في هذا النزال القاتل، آخر فصول هذه المواجهة اشتعلت على جبهة التزكيات الانتخابية، وهي تزكيات من نوع خاص.

أقدم حزب العدالة والتنمية على فتح قوائمه الانتخابية لشخصيات من مشارب مختلفة لا تنتمي إلى الحزب، وربما لا تقاسمه كل تفاصيل مشروعه السياسي والفكري، فوضع السلفي حماد القباج الذي تمرد على شيخه الوهابي محمد المغراوي على رأس لائحة كيليز في مراكش، ووضع نجيب الوزاني الذي يرأس حزب العهد على لائحة الحسيمة، ووضع بوصوف المنشق عن البام في تاونات، ووضع الشاب المتمرد سمير عبد المولى ثانيا في قائمة بوليف بطنجة، ويستعد لوضع نساء ورجال من اليسار واليمين على قوائمه الانتخابية من أجل دخولهم إلى مجلس النواب تحت ظل المصباح، الذي يتوفر على هامش انتخابي واسع يسمح له باستقطاب أسماء كثيرة إلى قوائمه الانتخابية دون أن يخشى شيئا.

سألت أمس عبد الله بوانو، رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية، عن دلالات هذا الانفتاح على أصوات من خارج الحزب فقال: «رسالتنا إلى الجميع من وراء هذه الترشيحات تتلخص في بعدين: أولا، حزب العدالة والتنمية حزب مفتوح في وجه كل المغاربة وليس لطائفة أو تيار. ثانيا، معركتنا الأولى هي ضد التحكم وضد الحزب الذي يريد إرجاعنا إلى الوراء، وكل من هو مقتنع اليوم بأن التحول الديمقراطي في بلادنا في خطر، فسنضع يدنا في يده ونقدمه على أخواتنا وإخواننا في الحزب من أي اتجاه كان، ومن أي إيديولوجية كان، هذا هو استحقاق المرحلة».

نجيب الوزاني الذي تربى في حزب الحركة الشعبية قبل أن يغادرها لتأسيس حزب العهد، خاض تجربة فاشلة للاندماج في حزب البام، لكنه خرج مبكرا لما أحس أنه سيذوب في مشروع آخر لا يبحث عن الأحزاب الصغيرة التي ضمها تحته إلا ليحل إشكالية الولادة الملتبسة. الوزاني عاد ليقف في وجه البام في الحسيمة معقل الريف، لكن هذه المرة حاملا سيف المصباح، فقد قال أول أمس في اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، حيث حضر للمصادقة على تزكيته على رأس اللائحة في الحسيمة: «أنا أترشح اليوم على قوائم «البي جي دي» في الحسيمة لمواجهة الخوف، ولتشجيع الناس على التصدي للتحكم الذي يريد أن يخيف المواطنين في هذه المدينة».

قبل العدالة والتنمية المغربي، جرب زميله التركي سياسة الانفتاح على شخصيات وتيارات من داخل وخارج معسكره الإسلامي، وكان شعار أردوغان آنذاك يقول إن حزب العدالة والتنمية مثل شمسية parasol كبيرة، وهي تظلل كل من يناهض سلطة العسكر الذي كان يتحكم في البلاد، وكل من يسعى إلى الحرية بغض النظر عن اسمه وعنوانه ونمط عيشه وتوجهه الفكري، سيجد مكانا تحت هذه الشمسية، وإن حزب المصباح ليس حزبا إيديولوجيا ولا عقائديا، بل هو حزب سياسي يدافع عن الحرية السياسية واقتصاد السوق، وأمله الكبير الالتحاق بالاتحاد الأوروبي. وإذا كان مؤسسوه محافظون، فإنهم مثل سائق قطار يحمل وراءه مسافرين من كل الاتجاهات لكن لوجهة واحدة. بهذه السياسية البرغماتية نجح الحزب التركي في استقطاب سياسيين وجامعيين ومثقفين وفنانين من كل الاتجاهات، ولم يكن شيخ أردوغان نجم الدين أربكان يتصور أنه سيتواجد معهم تحت سقف واحد..

سيسيل ترشيح القباج والوزاني وبوصوف وآخرين الكثير من المداد، وسيتهم حزب بنكيران بأنه يخلط الأوراق ويهرب من التصنيف، وأنه يمس بنقاء الانتماء الحزبي، لكن يجب أن ننتبه إلى ملاحظتين في هذا السلوك السياسي: الأولى أن العدالة والتنمية يمنح لهذا النوع من المرشحين حظوظ الفوز بأصوات وجودة في حوزته يضمنها إشعاعه وحضوره التنظيمي وآلته الانتخابية القوية، في حين أن هؤلاء المستقلين يمنحونه طابع الانفتاح. في الوقت الذي يطلب فيه الأصالة والمعاصرة من مرشحيه الكبار البحث عن الأصوات بمختلف الطرق، وإهدائها إلى حزب لا جذور له تنظيمية في التربة السياسية المغربية، في حين يعطيهم هو المقعد في البرلمان والوجاهة في المجتمع. المسألة الثانية هي أن ترشيحات «البي جي دي»، وبغض النظر عن طابعها البرغماتي والتكتيكي في معركة انتخابية شرسة، فهي تعمق من توجه هذا الحزب نحو الانفتاح على المجتمع والانخراط في نسيجه الثقافي والسياسي، والخروج من الخانة الأصولية إلى الخانة المحافظة التي تقبل بالتعددية السياسية والإيديولوجية، وتحتكم إلى الديمقراطية بما لها وما عليها. فأن يعلن حزب الإسلاميين المغاربة أن معركته اليوم هي مواجهة التحكم وحماية الانتقال الديمقراطي الهش والدفاع عن الإصلاحات الدستورية، وليس تطبيق الشريعة أو تنصيب الحكومة الإسلامية أو القضاء على العلمانية أو العودة إلى نموذج سلفي مات ولن ترجع إليه الحياة… فهذا تطور مهم بغض النظر عن «البوليميك»، وعن درجة التزامه بهذه الشعارات وجدالات آخر ساعة انتخابية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

برغماتية العدالة والتنمية برغماتية العدالة والتنمية



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib