انقلاب ناعم

انقلاب ناعم

المغرب اليوم -

انقلاب ناعم

بقلم : توفيق بو عشرين

مرت خمسة أسابيع على ظهور نتائج الانتخابات ولا حكومة في الأفق. مرت خمسة أسابيع على تعيين رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ولم يصل بعد إلى تشكيل أغلبية جديدة للمرور إلى حكومة جديدة. مرت خمسة أسابيع على انتخاب مجلس النواب الجديد، لكنه مازال مجلسا معطلا، لا يشتغل لأن التوافق حول الأغلبية لم يولد بعد، ورئيس مجلس النواب مازال اسمه في علم الغيب.
البازار السياسي لن يغلق قريبا، ومن المحتمل أن تطول مفاوضات بنكيران مع الأحزاب شهرا آخر قبل أن يقتنع هو بإرجاع المفاتيح إلى أصحابها، والاستعداد لانتخابات جديدة تفرز أغلبية ومعارضة، أو يقتنع خصومه بأن هذا اللعب السياسي لا ينتج شيئا سوى «بهدلة» الأحزاب السياسية، واحتقار قواعد اللعب الديمقراطي، ومن ثمة، يرفعون أيديهم عن ميلاد الحكومة.
أحرار أخنوش يريدون أن يلعبوا الدور الذي كان موكولا إلى الأصالة والمعاصرة، لكن من داخل الحكومة وليس من خارجها، والحركة الشعبية تريد أن تكون ملحقة للأحرار كما كان هذا الأخير ملحقا بالبام، أما الاتحاد، فإنه وصل إلى درجة من العطب يصعب معها أن يلعب دورا مؤثرا في أي مقابلة حاسمة.
واضح، إذن، أن هناك مخططا مدروسا لإفشال مساعي بنكيران لتشكيل الحكومة الثانية، وسرقة النصر الذي أحرزه المصباح في السابع من أكتوبر، والاتجاه نحو عقاب جماعي لمليوني ناخب صوتوا لحزب العدالة والتنمية، وذلك بافتعال أزمة سياسية، وربما دستورية، تمنع ميلاد حكومة طبيعية من رحم صناديق الاقتراع، وكأننا بلاد على حافة الحرب الأهلية.
الطبقة السياسية متورطة في جريمة كاملة اسمها: «قتل الزمن الحكومي والتشريعي». قانون المالية مجمد في ثلاجة البرلمان، وجل مرافق الدولة متوقفة، وحكومة تصريف الأعمال لا يمكنها أن تقوم سوى بالحد الأدنى من إدارة الشأن الجاري في بلاد لا تقدر قيمة زمن الإصلاح.
بنكيران في مفترق طرق، حيث لم يسبق لأحد قبله أن تعرض لهذا الامتحان. الاتجاه «المحافظ» في حزبه وخارجه ينصحه بالصبر، وإغلاق فمه، وإبداء مرونة كبيرة، ولمَ لا فك الارتباط مع حزب الاستقلال، والارتماء في حضن حمامة الأحرار، وانتظار نزول الفرج من الأعلى، وعدم إعلان الفشل في تشكيل الحكومة، لأن هذا يمكن أن يجر على بنكيران وحزبه غضب المخزن، فلم يسبق لأحد من زعماء الأحزاب أن أرجع مفاتيح الحكومة إلى القصر، بالعكس، فالمطلوب حسب هؤلاء -وجلهم خائف على منصبه ومتطلع إلى توافق مع الدولة منتج للمصالح المادية والرمزية- أن يعض بنكيران على الحكومة بالنواجذ، وأن يشكل أغلبية «باللي عطا الله»، أما اللجوء إلى انتخابات جديدة، فهذا من المحرمات، أو من رابع المستحيلات، ولكي يضغطوا على بنكيران نفسيا يقولون له: «إذا فشلت في تشكيل الحكومة، فإن هذا سيفتح الباب إما لتعيين رئيس حكومة آخر من العدالة والتنمية، وهذا سيخلق الفتنة وسط الحزب، وإما اللجوء إلى الحزب الثاني، وتكليف أحد رموزه بالبحث عن أغلبية جديدة، لهذا، يجب أن تصل مع «الملياردير» إلى حل، وأن تجعله جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة، مادامت علاقاته مفتوحة مع القصر، ويستطيع أن يساعد على تصريف الأمور، حتى وإن كلّف دوره هذا ثمنا باهظا».
أما الاتجاه الإصلاحي في حزب العدالة والتنمية، وخارجه، فينصح بنكيران باحترام المنهجية الديمقراطية في تشكيل حكومة قوية ومنسجمة، والتقيد بمقتضيات الدستور التي تجعل اختصاص البحث عن الأغلبية اختصاصا حصريا لرئيس الحكومة (يستطيع الملك أن يتحفظ أو يرفض أسماء الوزراء مادام تعيينهم بيده، لكنه لا يمكن أن يتدخل في التركيبة الحزبية للأغلبية).
إذا لم يرفض بنكيران مخطط «البلوكاج»، الذي يريد أن يبتزه وأن يأخذ بالسياسة ما عجز عن أخذه بالاقتراع، فإنه لن يفرط، فقط، في إمكانية ميلاد حكومة منسجمة وقوية، بل سيخسر جزءا كبيرا من صلاحياته كرئيس حكومة، فأخنوش، الذي جاء إليه مسلحا بأصوات الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، لا يريد، فقط، إخراج حزب الاستقلال من الأغلبية، ولكنه يريد اقتسام رئاسة الحكومة مع بنكيران، وميلاد حكومة لا تشبه نتائج صناديق الاقتراع، والرسالة واضحة: ليس المواطنون من يختارون حكومتهم، وليس الدستور مرجعا حصريا للحياة السياسية، وليست الأحزاب سوى قطع شطرنج تحرك بأوامر من الأعلى.
هذه لحظة امتحان كبرى لبنكيران ومشروعه الإصلاحي.. جزء كبير من الناخبين وضعوا ثقتهم فيه، ولولا نظام الاقتراع وتدخل السلطة لكانت الأغلبية الآن في جيبه. بقي عليه هو أن يستمع إلى صوت الضمير، وأن يسهم في تطوير قواعد اللعب السياسي لتقترب من الديمقراطية، لا أن تتيه في غابات السلطوية التي كلفت بلادنا الشيء الكثير.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انقلاب ناعم انقلاب ناعم



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 03:28 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يستقبل الرجاء الكوديم والوداد يواجه الفتح

GMT 03:05 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تواركة يعمق جراح شباب المحمدية

GMT 08:39 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عملة البتكوين تتخطى 80 ألف دولار للمرة الأولى في تاريخها

GMT 02:38 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تسعى لشراء قمح في ممارسة دولية

GMT 19:22 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 00:46 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

دبي تعلن عن أكبر صفقة عقارية هذا العام بأكثر من 137 مليون دولار

GMT 15:58 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يسدد ديون الضمان الاجتماعي

GMT 06:55 2018 الأربعاء ,05 أيلول / سبتمبر

طريقة عمل بروتين لشعرك من "المواد الطبيعة"

GMT 01:31 2023 الثلاثاء ,17 كانون الثاني / يناير

آرون رامسديل يتعرض للانتقادات في آرسنال

GMT 20:41 2020 الأحد ,26 تموز / يوليو

غرف نوم باللون التركواز
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib