اللي عندو باب واحدة الله يسدها عليه

اللي عندو باب واحدة الله يسدها عليه

المغرب اليوم -

اللي عندو باب واحدة الله يسدها عليه

توفيق بوعشرين

لبس وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، جبة المحامي، وأصبح يطوف بمسودة القانون الجنائي مدافعا عنها ومنافحا عن طابعها التحرري والتجديدي في وجه الحداثيين الذين يعرفون كيف يضغطون على مراكز اتخاذ القرار، عكس المحافظين الذين لا يعرفون إلا النزول في التظاهرات الحاشدة في الشارع للتعبير عن الغضب.

الوزير الإسلامي فاجأ الجميع عندما بدأ يشرح ويؤول بنود مشروع قانون الجريمة والعقاب، في محاولة منه لإعطائه طابعا متحررا ينسجم مع العصر، ومع روح النص الديني في بلاد محافظة لكنها منفتحة، فماذا قال عن أكثر الموضوعات حساسية وحرارة؟

عن العلاقات الجنسية خارج الزواج، أو بالتعبير الديني الزنا، أو بالتعبير القانوني الفساد، قال الرميد إن القانون موجود لتنظيم الحياة العامة وليس الخاصة، وإن القانون الجنائي لا يتدخل في علاقات الرجال بالنساء إلا إذا كانت هناك شكاية أو اعتراف من المتهمين بالفساد، وإن وجود امرأة ورجل في غرفة النوم ليس فسادا من الناحية القانونية وليس زنا من الناحية الشرعية، «وأنا -يقول الرميد في يوم دراسي في البرلمان نظمه حزب الأصالة والمعاصرة أول أمس- ضد اقتحام الشرطة لبيوت الناس، فلا يجوز تكسير الأبواب على الناس، تحت أي ذريعة، ولكن إذا الناس تجاهروا بمخالفة القانون فيجب على السلطة أن تتدخل، هذا هو التوجه الذي أخذناه وهو روح الشريعة والقانون. التجسس على الناس منهي عنه شرعا ولا أساس له في القانون، إذا اشتكت امرأة أو رجل وجود خيانة زوجية، أو تجمهر الناس أمام بيت، نعم حينئذ تتدخل السلطة والقضاء يحكم، أما أن تذهب جهة معينة وتتحين الفرصة لتثبت حالة خلوة، فما أنزل الله بهذا من سلطان».

هذا حل وسط بين إباحة العلاقات الجنسية خارج الزواج قانونا أو المس بالحريات الفردية للمواطنين، واقتحام بيوتهم والمس بخصوصياتهم، وهذا الحل لا يمس بالدِّين الإسلامي الذي يشترط فقهه شروطا شبه مستحيلة لإثبات جريمة الزنا، ومنها أربعة شهود على الاتصال المباشر بين الرجل والمرأة، وإلا عد الشاهد الواحد متهما بقذف المحصنات والمحصنين، وهذا الحل لا يتعارض عمليا، وفي الظروف الراهنة، مع الحريات الفردية. يبقى التطبيق العملي لهذا المبدأ، والضمانات التي ستمنح للمواطنين في تطبيق القانون، وهذه حكاية أخرى.

في موضوع الإفطار في رمضان قال الرميد: «إن القانون الجنائي لا يعاقب على الإفطار في رمضان، بل يعاقب على الجهر بالإفطار في رمضان أمام الناس في محاولة لاستفزازهم ومس مشاعرهم، أي أن المُواطن الذي يدخل إلى بيته أو إلى مكان خال من الناس ويأكل هذا حسابه مع خالقه»، وهنا أعطى وزير العدل مثالا بأشخاص ضبطوا في مكان بعيد عن الأنظار يدخنون فاعتقلتهم الشرطة، ولما وصل الخبر إليه طلب من النيابة العامة أن تطلق سراحهم، فالقانون لا يجرم إلا الإفطار العلني في رمضان، أي في المجال العام لا الخاص، وهذا أيضا حل توفيقي بين إباحة الإفطار في رمضان بإطلاق أو منعه بإطلاق، والمس بحرية الأفراد وحقهم في الالتزام بالشعائر أو تركها.

في موضوع شرب الخمر هنا أيضا استعمل وزير العدل ميزان المجال العام والخاص، حيث أصبح شرب الخمر لوحده غير مجرم حتى وإن كان أمام الناس، بل ما هو مجرم هو إحداث الفوضى بسبب السكر العلني أو الاعتداء على حقوق الآخرين، أو المس بالنظام العام، قال وزير العدل والحريات مصطفى الرميد في لقاء نظمه حزب التقدم والاشتراكية بخصوص مسودة القانون الجنائي «لن تتم معاقبة شارب الخمر، إلا إذا قام الأخير بسلوكات تمس النظام العام، لقد خففنا موقفنا من هذا الأمر، لكن يبقى الأمر مختلفا إذا كان شرب الخمر أمام مسجد أو أمام أعين تلاميذ المدارس». هنا أيضا نلاحظ أن هناك محاولة للتوفيق بين محافظة المجتمع وحقوق الأقلية المتحررة داخله.

من خلال هذه النماذج من الجرائم التي حاولت مسودة القانون الجنائي الجديد أن تجتهد في إعادة تكييفها وفق منظور يأخذ بعين الاعتبار مرجعية الدين وحقائق الواقع، تتضح الصعوبات التي تعترض مجتمعا في طور التحول.. مجتمع يحرم الزنا لكنه يعرف أن 70٪ من الشباب غير المتزوج له علاقات جنسية، وأن الخمر حرام لكن المجتمع المسلم يستهلك منه آلاف اللترات كل يوم. هنا نحن أمام سؤال فلسفي إشكالي: هل نجعل النص القانوني يوافق الواقع، أم نخضع الواقع للنص القانوني ونجعله ينضبط له… لا يوجد جواب سهل عن هذا السؤال. نعم يمكن للمثقفين والمفكرين والنخبة في الصالونات أن يقولوا إن النص يجب أن يخضع للواقع، وإن الحريات الفردية لا قيود عليها، لكن إذا وضعنا أيا من أصحاب هذا الرأي غدا في مكتب وزارة العدل وقلنا له: «تفضل، اكتب أفكارك التقدمية في نص قانوني، ودافع عنها أمام المجتمع، وأمام البرلمان، وأمام المؤسسة الدينية الرسمية في بلاد ينص دستورها على أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وأن إمارة المؤمنين قائمة على أساس الدفاع عن حرمة هذه المرجعية». فما عساه يفعل آنذاك في مناخ ديني متوتر، وفي بلاد ينخرها الفقر والجهل والحرمان، ويرى بعضها في التشدد انتقاما لهم من الحرمان.

القانون الجنائي لا يحمي الأخلاق، والحبس والغرامة لا يحميان القيم والدين، والشرطة لا تفرض الإيمان، والقضاة ليسوا حراس العقيدة، هذه أمور لا سلطان لأحد عليها. الدين علاقة خاصة بين العبد وربه. نعم، هناك مجال خاص لا دخل لأحد فيه، وهناك مجال عام يجب تنظيمه وتقنينه دون مس بمشاعر الأغلبية، ولا اعتداء على حقوق الأقلية.. دون فهم ضيق للإسلام، ودون تحلل كلي من الدين، وهنا «اللي عندو باب واحدة الله يسدها عليه».. هذا مجال للاجتهاد وإعمال العقل وترجيح المصلحة، ألم يقل القدماء: «أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللي عندو باب واحدة الله يسدها عليه اللي عندو باب واحدة الله يسدها عليه



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib