تهمة نشر خبر صحيح

تهمة.. نشر خبر صحيح

المغرب اليوم -

تهمة نشر خبر صحيح

توفيق بو عشرين

مساء السبت لم يخلد الوزيران أخنوش وبوسعيد للراحة بعد أسبوع صاخب، ومعارك سياسية وقانونية وإعلامية ترك فيها الوزيران بعضا من جلدهما وسمعتهما السياسية وصفاء علاقتهما برئاسة الحكومة.

لم ينتبه أخنوش إلى كمية الغضب الذي سقط فوق رأسه من قبل الرأي العام بعد إقدامه، مع بوسعيد وآخرين، على مغامرة نزع صلاحية أصيلة لرئيس الحكومة في القانون المالي الجديد، والاستحواذ عليها خارج مقتضيات الدستور والقانون ومرسوم صلاحيات كل وزير في الحكومة، وفضل الوزيران، اللذان كانا زميلين في الحزب الأزرق، الهروب إلى الأمام، وإرسال بيان إلى الصحف والمواقع المقربة منهما يهددان فيه بمقاضاة هذه الجريدة ومديرها لأنه نشر خبرا صحيحا، وعلق عليه بطريقة مؤدبة جدا تقول إن «نازلة المادة 30 تظهر أن معركة الانتخابات التشريعية بدأت مبكرا، وأن رئيس الحكومة تعرض لمقلب من قبل الوزيرين أخنوش وبوسعيد وأطر أخرى في وزارة المالية، وأن بنكيران غضب من وزيره في الفلاحة لأنه لم يصارحه بأن صلاحية التوقيع على مليارات صندوق التنمية القروية ستخرج من مقر رئاسة الحكومة إلى وزارة الفلاحة».
لم ينتظر الملياردير أخنوش وزميله بوسعيد إذن رئيس الحكومة للذهاب إلى القضاء ضد هذه الجريدة، كما ينص على ذلك القانون، وفضلا تسريب الخبر للصحافة للضغط على رئيسهما في العمل، وهو ما يعكس حجم «الثقة الموجودة بين الوزيرين ورئيس الحكومة». ونحن نسهل الأمر على الجميع، ونطلب من السيد بنكيران والسيد الرميد، وزير العدل والحريات، أن يعطيا الإذن لأخنوش وبوسعيد للذهاب إلى القضاء ولرفع دعوى قضائية ضد هذه الجريدة التي نشرت خبرا صحيحا، وعلقت عليه دون سب أو قذف، حتى وإن كانت المبررات القانونية لهذا القرار غير موجودة، وحتى وإن كان الرأي العام الذي يتابع القضية سيتلقى قرار مقاضاة جريدة من قبل الحكومة باستغراب واستنكار شديدين، لا بأس، فنحن في مرحلة جزر عام، وبوادر الرجوع إلى الوراء، قانونيا وسياسيا وحقوقيا، أصبحت سمة مؤكدة.
يعرف الجميع أن أخنوش وبوسعيد لا ينويان مقاضاة هذه الجريدة، بل إنهما سيقاضيان رئيسهما في الحكومة ظنا منهما أن أفضل وسيلة للدفاع عن سمعتهما السياسية، التي تضررت بطريقة كارثية جراء هذه النازلة، هي الحصول على حكم قضائي، عِوَض أن يبحثا عن حل دستوري وسياسي وسط الحكومة وباتفاق مع البرلمان… نحن أمام مشكل سياسي كبير لا يُحل في قاعة صغيرة بمحكمة عين السبع، أيها السادة.
لا مشكلة لدينا في الذهاب إلى القضاء.. لكننا سنطلب شيئا واحدا من حكومة السيد عبد الإله بنكيران، هو الإفراج عن محضر آخر اجتماع للمجلس الحكومي، كما نطلب شهادة 37 وزيرا أمام القضاء كانوا شهودا على المواجهة الساخنة بين رئيس الحكومة ووزيره في الفلاحة، وكيف أن السيد بنكيران نفى علمه بالتغيير الذي جرى على المادة 30… لا نطلب أكثر من هذا، وسنترك الحكم للقاضي وللرأي العام الذي يتابع باندهاش وقائع هذا المسلسل الذي يمر فيه القانون الأهم طيلة السنة «قانون المالية» بهذا الأسلوب، الذي يقول عنه الأولاد في رأس الدرب: «اللي غفل طارت عينو».

السيد أخنوش هو أكبر رجل أعمال في المغرب، يستثمر في الإعلام، وفي الصحافة المكتوبة بالتحديد، ومن المفروض أن يكون قد تعلم بعض أبجديات حرية الصحافة حتى من باب العدوى، ومن المفروض، وهو الرجل الذي عاش بعض الوقت في الخارج والكثير من الوقت في الحكومة، أن يعرف أن التواصل الحديث لا يكون باللجوء إلى «خدمات القضاء»…
السيد أخنوش، لست أنا من يوجد في قفص الاتهام.. أنت الذي توجد اليوم في موقع المساءلة، وأنا مستعد لحكمك قبل حتى أن تذهب إلى القضاء إذا نشرت غدا مراسلات مكتوبة بينك وبين رئاسة الحكومة وبين وزير المالية ورئيس الحكومة تدل على وجود موافقة لرئيس الحكومة على تغيير الأمر بالصرف في صندوق استراتيجي… أنا لم أتوسع في تفسير هذا الخطأ الكبير الذي وقع فيه السيدان الوزيران اللذان خرقا مقتضيات الدستور والقانون ومبادئ الميزانية، واكتفيا بالدفاع عن قرار خاطئ بالقول إنه يتعلق بمشروع ملكي.

نعم، لأن المشروع ملكي يجب أن ينجز بطريقة سليمة دستوريا وقانونيا، وكون المشروع ملكيا حجة ضدكما لا في صفكما، فالملك، الذي أوصى رئيس حكومته باحترام الدستور والتشدد في الأمر حتى وإن جاءته آراء أو طلبات من مستشاري القصر بعكس ذلك، لا يمكن أن يسمح بهذا «البريكولاج». لأن المشروع ملكي، يجب على الحكومة أن تنجزه على خير وجه ووفق الضوابط القانونية… هذه الفلتة القانونية من أخنوش وبوسعيد دفعت محللا سياسيا مثل مصطفى السحيمي إلى أن يتساءل: «هل تم تعديل المادة 30 من القانون المالي بسبب الرغبة في منع بنكيران من الاستفادة من العائدات السياسية والانتخابية لبرنامج كبير يخص تنمية العالم القروي بطريقة غير ديمقراطية؟».

هل رأيتم مآل هذا اللعب الصغير؟ صدق المثل الصيني الذي يقول: «القطط تحب أن تأكل الأسماك، لكنها تخشى أن تبلل مخالبها».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تهمة نشر خبر صحيح تهمة نشر خبر صحيح



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 06:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل "سيد الناس"
المغرب اليوم - وفاء عامر تكشف أسباب اعتذارها عن مسلسل

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib