نصف الكأس المملوء

نصف الكأس المملوء

المغرب اليوم -

نصف الكأس المملوء

توفيق بو عشرين


النقاش العمومي المفتوح اليوم حول مشروع القانون الجنائي أمر غير مسبوق في تاريخ المغرب، ولهذا يجب تثمين هذه المقاربة التشاركية، وتشجيع وزارة العدل والحكومة، وعموم أجهزة الدولة، على الانفتاح على العصر والمجتمع، وأخذ رأيه في قانون «الحلال والحرام» وما بينهما. هذا القانون الاستراتيجي كان دائماً اختصاصا للسلطة.. هي التي تحتكر القول الفصل في الجريمة والعقاب، فيما المواطن يخضع لهذه السلطة ولمعاييرها ولتقديرها ولحساباتها، خاصة عندما نكون أمام قضاء ضعيف غير مستقل وغير مجتهد وغير كفء، فتصبح نصوص القانون الجنائي أداة سلطوية لإخضاع المجتمع وليس لتنظيمه…

عندما نفتح مسودة القانون الجنائي الجديد نقرأ 10 مكتسبات جديدة، وهي باختصار: 

-1 جرائم جديدة لمحاربة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان

 أدرجت المسودة جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتجريم الاختفاء القسري، والاتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين، والتحريض على الكراهية، بالإضافة إلى إعادة تنظيم مقتضيات مناهضة التعذيب، وهذا من شأنه أن يعزز ضمانات عدم تكرار ما جرى في السابق.

-2 توطين العقوبات البديلة

أرست مسودة القانون الجنائي الجديد مطلبا طالما نادى به الحقوقيون، وهو العقوبات البديلة عن السجن والحبس وسلب الحرية في عدد من الجنح، مع استثناء بعض الجنح الخطيرة، باعتبار أن سلب الحرية ليس هو الحل والعقاب الوحيد، ولا يجب اللجوء إليه إلا في حالة الضرورة القصوى، وهذا تطور كبير في فلسفة العقاب في منظومتنا التقليدية. نرى في دول أخرى المراقبة والخدمة العمومية والسجن لفترة من اليوم، وعدم مغادرة المدينة، والحرمان من حق التصويت، وعدم الاقتراب من الضحية… وهكذا تغيرت فلسفة العقاب وأصبحت تدابير تربوية وليست إجراءات انتقامية هدفها تحطيم الشخصية.

-3 تضييق مجال عقوبة الإعدام 

تم تخفيض عدد المواد التي تنص على عقوبة الإعدام من 31 مادة إلى 11 مادة فقط، بالإضافة إلى تحويل 13 مادة من أصل 27 تعاقب بالسجن المؤبد إلى السجن المحدد، مع تجنيح 10 جرائم كانت تعتبر جنايات، وحذف الاعتقال في المخالفات. وهذا تطور مهم نحو مراجعة عقوبة الإعدام، وحتى وإن كانت لا تنفذ إلا في أضيق نطاق، فإن التوجه الحقوقي العام مازال يطالب بمراجعتها كليا.

-4 تشجيع العدالة التصالحية

وذلك عبر تعزيز آليات الصلح، وإيقاف سير الدعوى العمومية في أوسع نطاق، وتقييد المتابعة بتقديم شكاية من المتضرر في العديد من الجرائم، وهذا الباب من شأنه أن يصفي عددا من القضايا الكبيرة والصغيرة قبل عرضها على القضاء أو أثناء ذلك، فالصلح خير، أو كما يقول الفرنسيون: «صلح سيئ أفضل من دعوى مربوحة».

-5 تعزيز حماية الأسرة 

نصت المسودة على تجريم ترك وإهمال الواجبات الزوجية، وتجريم الامتناع عن إرجاع الزوج المطرود من بيت الزوجية، وتجريم تبديد الزوج لأمواله للتحايل على مستحقات النفقة أو السكن، وكذا حذف الحرمان من المعاشات كعقوبة نظرا إلى أثر ذلك على الأسرة والأطفال.

-6 تعزيز حماية المرأة

سعى مشروع القانون إلى تجريم الإكراه على الزواج، وتشديد عقوبة السب والقذف إذا استهدف المرأة بسبب جنسها، والنص على تدبير وقائي جديد في جرائم التحرش أو الاعتداء أو الاستغلال الجنسي أو الاتجار بالبشر ضد المرأة، بالإضافة إلى توسيع مفهوم التحرش الجنسي.

-7 تعزيز حماية الطفولة من الأخطار المحدقة بها

نصت المسودة أساسا على استثناء الاستغلال الجنسي للقاصرين من تطبيق العقوبات البديلة، وعدم إعمال ظروف التخفيف مطلقا في الاعتداءات الجنسية ضد القاصرين بصفة عامة، وتشديد عقوبة التحرش الجنسي إذا ارتكب في مواجهة قاصر، بالإضافة إلى حماية القاصرين من المخدرات.

-8 محاربة الفساد وإرساء بعض مبادئ الشفافية والنزاهة

نصت المسودة أساسا على تجريم استفادة الغير بسوء نية من الجرائم المالية المتعلقة بالاختلاس والغدر والرشوة واستغلال النفوذ، مع استثناء هذه الجرائم من تطبيق العقوبات البديلة، وتشديد العقوبة في جريمة الرشوة عبر اعتبارها جناية.

-9 محاربة الجرائم التي تؤثر سلبا على إحساس المواطنين بالأمن

وذلك عبر الاحتفاظ بالعقوبة القصوى في حالات القتل العمد إذا ارتكب مع سبق الإصرار والترصد، أو في حق أحد الأصول أو في حق قاصر، وإضافة ظروف تشديد جديدة إلى جريمة السرقة، وإضافة الغرامات في جريمة الاغتصاب أو محاولة الاغتصاب، وإعادة تنظيم جرائم العنف بمختلف أنواعه.

-10 النهوض بدور القضاء وتعزيز استقلاليته ونزاهته

نصت المسودة على تشديد العقوبة الحبسية والغرامة المالية في جرائم التأثير على مقررات القضاة أو المساس بسلطة القضاء أو باستقلاله، وتجريم التسبب في تأخير المساطر القضائية بسوء نية، وكذا تجريم تأخير أو الامتناع عن تنفيذ مقرر قضائي.

هذا هو نصف الكأس المملوء في مشروع القانون الجنائي الجديد.. غداً نعرض النصف الفارغ، أي الانتقادات التي يراها الحقوقيون عيوبا في هذا النص المهم… إلى اللقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف الكأس المملوء نصف الكأس المملوء



GMT 19:50 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

نكتة سمجة اسمها السيادة اللبنانية

GMT 19:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 19:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 19:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

هو ظل بيوت في غزة يا أبا زهري؟!

GMT 19:39 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 19:33 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 19:30 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib