بقلم : خيرالله خيرالله
سيدفع لبنان غاليا ثمن تحوّل "حزب الله" الى الطرف الذي يقرّر من هو رئيس الجمهوريّة فيه. كل كلام من نوع الذي يصدر حاليا عن جبران باسيل، رئيس "التيّار الوطني الحرّ" وصهر رئيس الجمهورية ميشال عون وشريكه في الرئاسة، يظلّ كلاما لا معنى له. إنّه كلام فارغ من ايّ مضمون كونه يتناول سلاح "حزب الله" الذي أوصل الثنائي عون – باسيل الى قصر بعبدا. ألم يدرك الثنائي ميشال عون - جبران باسيل أنّ هناك ثمنا لا بدّ من دفعه لقاء الوصول إلى قصر بعبدا بسلاح إيراني... ام انّ صيغة السلاح الذي يحمي الفساد انست الثنائي المعنى الحقيقي للجريمة التي ارتكبها في حقّ لبنان وابعادها.
ليس طبيعيا ان يستفيق جبران باسيل بعد ستة عشر عاما من توقيع وثيقة مار مخايل على سلاح "حزب الله" الذي ليس لديه مهمّة سوى تكريس بيروت مدينة ايرانيّة على البحر المتوسط. لا وجود لمنطق من أي نوع لهذا الكلام الصادر عن شخص عضو في ثنائي تولّى تغطية سلاح "حزب الله" وممارساته طوال 16 عاما. كانت البداية تغطية الحرب التي افتعلها الحزب صيف العام 2006 من اجل تكريس الانتصار الإيراني على لبنان وشعبه... وليس على إسرائيل في طبيعة الحال.
فات أوان مثل هذا الكلام الذي يعني بين ما يعنيه انّه لا يزال بين المسيحيين كمّية كبيرة من السذّج على استعداد للتصويت لمرشحي "التيار العوني" في الانتخابات المقبلة في حال أجريت هذه الانتخابات في موعدها في الخامس عشر من ايّار – مايو المقبل. المخيف انّ هناك من لا يزال مستعدا، بين المسيحيين، للتصويت لمرشّحين عونيين. في ضوء ما شهدته انتخابات العام 2005، التي شهدت خسارة شخص مثل نسيب لحود مقعده النيابي امام اشخاص تافهين من العونيين الذين يخجل المرء من ذكر أسمائهم، يتبيّن انّ لا حدود للغباء الذي يتمتّع به عدد لا بأس من المسيحيين. هؤلاء لم يدركوا ولن يدركوا يوما انّ "حزب الله" غيّر هويّة لبنان وحولّهم الى ذمّيين لا اكثر!
ما ارتكبه "حزب الله" بغطاء من ميشال عون وجبران باسيل، يطرح أسئلة عدّة. بين هذه الأسئلة لماذا الإصلاحات مستحيلة في لبنان؟
الجواب انّه على الرغم من كلّ الجهود التي يبذلها الرئيس نجيب ميقاتي الذي عليه القتال على جبهات عدّة، وعلى الرغم من كلّ الخبرة المحلّية والعربيّة والدوليّة التي يمتلكها من خلال تجربته في الحياة، يبقى انّه سيكتشف عاجلا ام آجلا ان ليس في استطاعته القيام بايّ إصلاحات وذلك مهما كان مرنا، الى حدّ التساهل غير المقبول، في بعض الاحيان. من دون تنفيذ الإصلاحات، وهو امر مستحيل، لا وجود لمن يريد التفكير في مصير لبنان ومستقبل مواطنيه.
ليس سرّا ان الإصلاحات مطلوبة من المجتمع الدولي ومن كلّ من يريد بالفعل مساعدة لبنان، خصوصا من صندوق النقد الدولي. لماذا لبنان عاجز عن القيام بأيّ إصلاحات؟ يعود ذلك الى سبب واضح كل الوضوح. يتمثّل هذا السبب في ان الشرط الاوّل للإصلاحات وجود دولة مركزيّة قويّة تسيطر سيطرة كلّية على المطار والمرافئ وما يدخل ويخرج منهما وعبر الحدود البرّية مع سوريا. ثمّة حاجة، أيضا، الى دولة قادرة على اتخاذ قرار واضح في شأن ترسيم الحدود مع إسرائيل بعيدا عن المزايدات والكلام الفارغ كي يتمكّن لبنان من التعاطي جدّيا مع ملفّ الغاز في مياهه الاقليميّة.
الاهمّ من ذلك كلّه، ثمّة حاجة الى دولة قويّة تستطيع اثبات ان لبنان ليس قاعدة صواريخ وغير صواريخ ايرانيّة أخرى في المنطقة. لبنان لا يستطيع، للأسف الشديد، ان يكون غير مصنع مخدرات تصدّر الى دول الخليج العربي. عاصمته لا تستطيع ان تكون سوى ثاني اهمّ مدينة في المنطقة بالنسبة الى الحوثيين الذين يمتلكون في بيروت محطة فضائية ويدخلون اليها ويخرجون منها من دون حسيب او رقيب. فوق ذلك كلّه، صار لبنان مركزا لنشاط "معارضين" سعوديين وبحرينيين من سقط المتاع وضعوا نفسهم في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني من منطلق مذهبي.
من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى تعليق الفضائية التابعة لـ"حزب الله" (قناة المنار) بعد العدوان الذي شنّه الحوثيون بطائرات مسيّرة وصواريخ ايرانيّة على دولة الامارات العربيّة المتحدة. كان التعليق مليئا بالحقد الايراني على دولة عربيّة مسالمة لم تقدّم الّا كل الخير الى لبنان واللبنانيين الذين يعملون فيها بعشرات الآلاف، بكل كرامتهم، ويساعدون عائلاتهم الصامدة في لبنان. من يخرج بمثل هذا التعليق، المسيء الى كلّ ما هو عربي في المنطقة، يرفض بالتأكيد توفير أي مساعدة للبنان واللبنانيين، بل يسعى الى مزيد من الافقار لهم ونشر للبؤس في البلد.
بات لبنان بلدا لا يمكن إصلاحه، اقلّه في ظلّ موازين القوى الداخليّة والاقليميّة. اليد الواحدة لنجيب ميقاتي لا تستطيع ان تصفّق في بلد تعني فيه الإصلاحات البدء بضبط المطار والمرفأ والحدود مع سوريا اوّلا وخفض عدد العاملين في القطاع العام والعودة الى الدستور. كيف يمكن العودة الى دستور في بلد لا همّ للثنائي الرئاسي فيه سوى استرضاء "حزب الله" كي يخلف جبران باسيل عمّه ميشال عون في قصر بعبدا. لا هاجس لدى ميشال عون سوى جبران باسيل ومستقبله وذلك على الرغم من العقوبات الاميركيّة المفروضة عليه. كلّ ما تبقى تفاصيل وتظاهر بأن هناك استياء عونيا من "حزب الله". ما هو التيّار العوني في لبنان كي يكون لديه الحقّ في ابداء استيائه من الحزب الذي أوصل زعيمه مع صهره، عبر تعطيل عمل المجلس النيابي طوال سنتين ونصف سنة تقريبا، الى قصر بعبدا في العام 2016؟