تمرّ هذه الايّام الذكرى السنوية السابعة لوضع الحوثيين (جماعة انصار الله) يدهم على صنعاء التي تحوّلت من عاصمة اليمن الي عاصمة الامارة التي قرّرت ايران اقامتها في اليمن. إنّها امارة لا يمكن تشبيهها سوى بتلك التي اقامتها "حماس" في قطاع غزّة، على الطريقة الطالبانيّة (نسبة الى طالبان) منتصف العام 2007، أي منذ ما يزيد على 14 عاما.
تحوّلت الامارة الاسلاميّة التي انشأتها "حماس"، وهي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الاخوان المسلمين، الى امر واقع لقي دعما إيرانيا واضحا. يبقى افضل دليل على هذا الدعم الصواريخ التي تطلقها "حماس" والتي استفادت منها إسرائيل كي تدمّر احياء كاملة في غزّة وتبقيها تحت الحصار منذ سنوات عدة. حوّل الحصار الغزاويين، وعددهم مليونان، الى نزلاء سجن كبير في الهواء الطلق بعدما كان هناك في القطاع مطار شرعي يحمل اسم ياسر عرفات... ومعابر مضبوطة، باشراف مراقبين أوروبيين، مع رفح المصريّة.
مع وضع "حماس" يدها على غزّة، لم يعد من مكان لقرار فلسطيني واحد. بدل استغلال الانسحاب الإسرائيلي في آب – أغسطس 2005 من القطاع لتأسيس نواة لدولة فلسطينية، فعلت الحركة كلّ ما تستطيع من اجل خدمة الاحتلال الإسرائيلي مستفيدة من الفراغ الموجود في رام الله حيث لا رؤية سياسية واضحة لما يدور في المنطقة في ظلّ تعنّت إسرائيلي عبّر عنه بنيامين نتانياهو الذي بقي طوال 12 عاما رئيسا للوزراء.
تبقى المقارنة بين ما قامت به "حماس"، التي لقيت دائما دعما إيرانيا، وما قام به الحوثيون، الذين ليسوا سوى أداة إيرانية مهمّة. المقارنة مهمّة، علما انّ لا بد من الاعتراف بانّ الحوثيين يمثّلون جزءا من المجتمع اليمني ومن تركيبته ولا يمكن تجاهلهم. المقارنة تبدو ضروريّة نظرا الى اصرار "حماس" والحوثيين على فرض امر واقع سياسي وعسكري على الارض والتمدّد أكثر.
ثمّة طموح لدى "حماس" في انّ تتحول الى الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. امّا الحوثيون، فإنّ لديهم رغبة في ان يكون كلّ اليمن تحت سيطرتهم. لمّا فشلوا في ذلك، بعد اخراجهم من عدن وميناء المخا الاستراتيجي، باتوا يفكّرون في إقامة دولتهم الممتدة من مأرب الى الحديدة. إنها دولة ذات حدود طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة. تفسّر هذه الرغبة الإصرار، الذي ترافقه استماتة، من اجل الاستيلاء على مدينة مأرب في ضوء اهمّيتها الاستراتيجية.
من المفيد التذكير بانّ ثمة حاجة الى حوار يمني – يمني. هذا ما اكّده بيان أميركي – بريطاني – سعودي اماراتي في مناسبة مباشرة المبعوث الجديد للامين العام للأمم المتحدة هانس غروندبرغ مهمّته.
يبدو انّ هناك حاجة الى النظر الى المأساة اليمنية من زاوية مختلفة. ما يحدث في اليمن اخطر بكثير مما يحدث في قطاع غزّة حيث دخلت مصر على خط ضبط الوضع فيها في ضوء الحرب التي وقعت في ايّار – مايو الماضي. يعني ذلك التفكير مليّا في ابعاد تحوّل الشمال اليمني الى جرم يدور في الفلك الإيراني من جهة وكيفية مواجهة هذه الحالة الشاذة والغريبة التي تهدّد الاستقرار الإقليمي من جهة أخرى.
الفارق بين غزّة واليمن انّ ليس في مناطق سيطرة الحوثيين من يمتلك ايّ قدرة على ضبط الوضع، خصوصا في ظلّ "شرعيّة"، ممثلة بالرئيس المؤقت عبد ربّه منصور هادي، تتحمّل مسؤوليّة كبيرة عن سقوط صنعاء. من يتذكّر ان عبد ربّه رفض استخدام الجيش اليمني في التصدي للحوثيين في محافظة عمران فيما كانوا في طريقهم الى صنعاء في تموز – يوليو من العام 2014 وذلك نكاية بعلي عبدالله صالح؟ ذهب الرئيس المؤقت الى عمران بعد اجتياح الحوثيين لاحد المواقع العسكريّة وذلك بغرض التهنئة.
كلّ ما فعله الرئيس المؤقت منذ تسلمه الرئاسة في شباط – فبراير 2012 كان تفكيك الجيش اليمني، بما في ذلك الحرس الجمهوري، والاقدام على كلّ ما من شأنه الإساءة الى علي عبدالله صالح والى نجله احمد الذي فرضت عليه ايضا عقوبات يصفها شخصيا بـ"الظالمة" بموجب قرار مجلس الامن الرقم 2216 الصادر في نيسان – ابريل 2015. لعلّ السؤال الاهمّ الذي لا بد من طرحه في هذه الايّام هل من بقيّة جيش يمني بناه احمد علي عبدالله صالح يمكن إعادة الحياة اليه؟ أم انّ مثل هذا الخيار تجاوزته الاحداث؟
يبدو ضروريا الاهتمام باليمن والمأساة الانسانيّة فيه من زاوية مختلفة، خصوصا في ظلّ كابوس سيطرة الحوثيين على مدينة مثل صنعاء وفرض ثقافة الموت عليها وعلى اهلها.
هذا لا يعني بايّ شكلّ تجاهل ان الحوثيين جزء من التركيبة اليمنية. لكنّه يعني انّ "الشرعيّة" القائمة لا فائدة تذكر منها. لا فائدة من بقاء هذه "الشرعيّة" على حالها. مثل هذه "الشرعيّة" التي اعتقدت في مرحلة معيّنة أنّ في استطاعتها استخدام الحوثيين لم تكن في يوم من الايّام سوى أداة من ادواتهم، خصوصا في ظلّ تفاهمات من تحت الطاولة بين الاخوان المسلمين والحوثيين. ظهر مع مرور الوقت ان "انصار الله" يمتلكون من يسيّرهم ويحدّد لهم أهدافهم السياسية والعسكريّة بدقّة. الكلام الذي لا يعلو عليه كلام في صنعاء هو كلام السفير الإيراني حسن ايرلو الذي سارع الى رفض المبادرة السعوديّة في آذار – مارس الماضي. استخدم الحوثيون، ومن خلفهم ايران، عبد ربّه منصور هادي في مرحلة معيّنة. وقعوا معه "اتفاق السلم والشراكة" مباشرة بعد استيلائهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. غدروا بعلي عبدالله صالح عندما وجدوا ذلك مناسبا لهم بعد ثلاث سنوات من ذلك. وفّر عبد ربّه منصور عبر "اتفاق السلم والشراكة" شرعية للاحتلال الحوثي للعاصمة اليمنيّة!
ثمّة حاجة الى إيلاء اليمن مزيدا من الاهتمام الدولي، بالافعال وليس بالكلام والبيانات، في حال كان هناك استيعاب لما يعنيه تحوّل دولة الحوثيين الى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة في شبه الجزيرة العربيّة.
الأكيد انّ هذا الامر يتطلّب تغييرا في النظرة الاميركيّة الى ما يدور في هذا البلد الفقير الذي يهدّد المرض والجوع الملايين من مواطنيه في ظلّ لامبالاة العالم. هل تعي إدارة جو بايدن ما على المحكّ في اليمن؟