خيرالله خيرالله
هل لا يزال ممكنا انقاذ مدينة مأرب في ظلّ "شرعيّة" يمنيّة، اقلّ ما يمكن ان يقال فيها انّها مهترئة؟هناك إصرار إيراني ليس بعده إصرار على السيطرة على مدينة مأرب ذات الموقع الاستراتيجي من جهة والتي ترمز الى ثروات طبيعية كبيرة من جهة أخرى. يفسّر الإصرار الايراني توغّل الحوثيين (جماعة انصار الله) في محافظة شبوة بغية استكمال حصارهم لمأرب والوصول الى مرحلة لا يعود امام المدافعين عنها سوى الاستسلام.
ما يثير الاهتمام، ليس الاستماتة الإيرانية، ذات الأهداف المعروفة، من اجل وضع اليد على مأرب فقط. ما هو لافت للنظر اكثر، ذلك التقاعس لدى "الشرعيّة" التي على رأسها عبد ربّه منصور هادي في اتخاذ الإجراءات التي تضمن منع سقوط مأرب. هذا التقاعس ليس وليد امس وليس وراءه عبد ربّه وحده. فالرئيس اليمني المؤقت جدّا، ذلك انّه مؤقت منذ تسع سنوات، لا حول له ولا قوّة ولا يستطيع الذهاب الى مسقط رأسه في محافظة ابين. في الواقع، تقف وراء هذا التقاعس ايضا جماعة الاخوان المسلمين التي تعمل في اليمن تحت لافتة حزب التجمّع اليمني للإصلاح.
لولا سلاح الجوّ التابع للتحالف العربي، الذي استطاع وقف تقدّم الحوثيين في اتجاه مأرب مرات عدّة، ولولا قبائل محلّية مثل عبيدة ومراد، لكانت مدينة مأرب سقطت قبل أشهر عدّة. ومع سقوطها يكتمل القسم الاهمّ من المشروع الإيراني في اليمن وهو مشروع اقلّ ما يمكن وصفه به انّه في غاية الخطورة على كلّ دول شبه الجزيرة العربيّة. بمجرّد سقوط مأرب، بعد صنعاء، يكون اكتمل بناء كيان يمني تابع كلّيا لإيران، على غرار الكيان الذي أقيم في غزّة مع فارق معيّن. يتمثّل هذا الفارق المعيّن في انّ ايران ليست وحدها التي تسيطر على الامارة الاسلاميّة، على الطريقة الطالبانيّة، التي اقامتها "حماس" في غزّة منذ العام 2007. كان لدى يران دائما شركاء، بينهم تركيا وجهات اخرى... الى ان دخلت مصر جدّيا على الخط في القطاع وباشرت تهدئة الوضع في غزّة من اجل اعادتها الى وضع طبيعي في ضوء الحرب الأخيرة التي وقعت مع اسرائيل في ايّار- مايو الماضي.
في مناطق الحوثيين في اليمن، لا مكان لقرار غير القرار الإيراني. يؤكّد ذلك ما حصل مباشرة بعد اطلاق مبادرة السلام السعوديّة في آذار – مارس الماضي. كان الرأي الذي ساد رأي حسن ايرلو السفير الإيراني في صنعاء، وهو ضابط في "الحرس الثوري". قرّر ايرلو عبر تغريدة له ان "مبادرة السعوديّة في اليمن مشروع حرب دائم واستمرار للاحتلال وجرائم حرب وليس انهاء للحرب (....)". الى الآن، لا يتجرّأ الحوثيون على مخالفة القرار الإيراني. كلّ ما في الامر ان الهجوم على مأرب مستمر، كذلك تستمر الاعتداءات من داخل الأراضي اليمنيّة على الأراضي السعوديّة والاهداف المدنيّة عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ.
لا وجود لاجندة حوثيّة مستقلّة عن الاجندة الايرانيّة. حتّى اغتيال الحوثيين للرئيس السابق علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الاوّل – ديسمبر 2017 في صنعاء، كان بتوقيت إيراني وليس بتوقيت حوثي. كان الحوثيون، لأسباب مرتبطة بالرغبة في الثأر، يريدون تنفيذ جريمتهم مباشرة بعد استيلائهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. لكنّ ايران منعتهم من ذلك وتركتهم ينتظرون الى اواخر السنة 2017.
كلّ ما تقوم به ايران مخطط له بدقّة. في المقابل، لا وجود لـ"شرعيّة" تعرف ماذا تريد. تلقّت هذه "الشرعيّة"، ممثّلة بقيادات اخوانيّة، عروضا بالمساعدة من جهات عدّة، من بينها العميد طارق محمد عبدالله صالح، الذي يواجه الحوثيين على جبهة الحديدة. كان ذلك قبل اشهر عدّة. طلبت هذه القيادات، التي عادت مجدّدا الى الاستنجاد بطارق صالح وآخرين، ان تكون هذه القوات الآتية من خارج مأرب بإمرتها وان تتوزّع على جبهات عدة. الأكيد انّ شروطها رفضت في حينه. يبدو وضع "الشرعيّة" التي لديها قوات في حضرموت تفضّل عدم استخدامها في مأرب، ميؤوسا منه. هذه "شرعيّة" لا تعرف ماذا تريد وهي تواجه طرفا يعرف تماما ماذا يريد.
قد يكون فات أوان إعادة تشكيل "الشرعيّة" التي على رأسها عبد ربّه منصور هادي ونائب الرئيس علي محسن صالح الأحمر، قريب علي عبدالله صالح. هذه "شرعيّة" لم تدرك منذ البداية معنى سقوط صنعاء في العام 2014. قبيل سقوط العاصمة، ذهب عبد ربّه منصور هادي الى محافظة عمران، عند مشارف صنعاء، ليتحدث الى الحوثيين بكلّ ايجابيّة عن استيلائهم على معسكر اللواء 310 الذي كان يقوده العميد حميد القشيبي. فعل ذلك، على الرغم من ان علي عبدالله صالح ارسل اليه أربعة من مساعديه لتحذيره من النتائج التي ستترتب على رفضه التصدي للحوثيين في عمران. اكّد له في معرض التحذير ان سيطرة الحوثيين على عمران، معقل آل الأحمر، زعماء قبيلة حاشد، ستعني قرب استيلائهم على صنعاء. لم يأبه للتحذير من منطلق ان لدى الرئيس السابق حسابات يريد تصفيتها مع الحوثيين.
تركّز "الشرعية" حاليا بفرعيها (عبد ربّه والاخوان) على مواجهة "المجلس الانتقالي" الجنوبي الذي يسيطر على عدن ومناطق أخرى والذي هناك مآخذ للمواطنين عليه. لكنّ هذه "الشرعيّة" ترفض ادراك ما على المحكّ في مدينة مأرب وأنّ سقوط المدينة سقوط نهائي لها. فوق ذلك كلّه، لا تدرك "الشرعيّة"، التي ترفض تعلمّ شيء من تجارب الماضي القريب، أنّ ثمة فارقا كبيرا بين من يعرف ماذا يريد ومن لا يعرف ذلك. إنّها لا تعرف ان ايران تعرف ماذا تريد في اليمن وأنّ الانقلاب الذي نفّذه الاخوان المسلمون بجناحهم المدني الذي كان على رأسه الشيخ حميد عبدالله بن حسين الأحمر وجناحهم العسكري بقيادة علي محسن صالح قائد الفرقة الأولى/ مدرّع، لم يكن في العام 2011 سوى في مصلحة الحوثيين... أي لمصلحة ايران ومشروعها اليمني. هذا مشروع ستتوضح معالمه اكثر في حال سقوط مدينة مأرب، وهو سقوط وارد للأسف الشديد.