الفضاء الخاص والفضاء العام
عاصفة شتوية قوية تضرب شمال أميركا وتتسبب في انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في الجنوب الكشف عن خطة إسرائيلية أعدتها جمعيات استيطانية لإنشاء مدن جديدة وتوسيع مستوطنات في الضفة الغربية خلال فترة ولاية ترامب قمة دول الخليج العربي تُطالب بوقف جرائم القتل والعقاب الجماعي للمدنيين في غزة ورعاية مفاوضات جادة لوقف الحرب جماعة الحوثي تنفذ عملية ضد هدف حيوي في منطقة يافا بفلسطين المحتلة بصاروخ باليستي فرط صوتي الجيش الروسي يُحرر بلدتي بيتروفكا وإيليينكا في جمهورية دونيتسك الشعبية استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفل في قصف طيران الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من المواطنين في خان يونس بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية الرجاء الرياضي ينعي وفاة مشجعين للفريق في حادث سير بعد مباراة الجيش الملكي في دوري أبطال إفريقيا موريتانيا تفرض غرامة ثقيلة على فرع "اتصالات المغرب" بسبب جودة الخدمات
أخر الأخبار

الفضاء الخاص والفضاء العام

المغرب اليوم -

الفضاء الخاص والفضاء العام

محمد الساسي

تُصِرُّ مسودة مشروع القانون الجنائي على الاحتفاظ بمضمون الفصل 490 الذي يُجَرِّمُ العلاقة الجنسية الرضائية، بين راشدين مختلفي الجنس لا تربط بينهما علاقة زوجية، وبأغلب ما جاء في الفصل 493 الحالي. وهكذا تنص المسودة على أن جريمتي الفساد والخيانة الزوجية لا تثبتان إلا بناء على محضر يحرره أحد ضباط الشرطة القضائية في حالة التلبس أو بناء على اعتراف قضائي.
لقد تَمَّتْ، إذن، إزالة وسيلة “الاعتراف الذي تتضمنه مكاتيب أو أوراق صادرة عن المتهم” من قائمة وسائل الإثبات الحصرية التي يعتمدها القانون الجنائي الحالي، بخصوص الجريمتين المشار إليهما.

هناك من يطالب بإلغاء الفصل 490 من منطلق الاقتناع بأن إقامة علاقة جنسية رضائية بين بالغين هي ممارسة لحق مشروع وإشباع لحاجة طبيعية، خاصة إذا تعذرت إمكانات الزواج، وهي لا تصيب الغير بضرر مباشر، وحتى إن كان لها من ضرر فهو لا يتعدى الضرر المترتب، مثلاً، على فعل التدخين، ومع ذلك فنحن لا نُجَرِّمُ هذا الفعل إلا في حالات خاصة.

وإذا كان أصحاب هذا الرأي يُتَّهَمُونَ، عادة، بمناهضة الأخلاق، فإنهم يردون على ذلك بالقول إن ممارسة الجنس مع قاصر، ولو بوجود عقد، هي التي تمثل اعتداء شنيعاً على الأخلاق ونوعاً من الاغتصاب. والإسلام، تاريخياً، يبيح ممارسة الجنس، خارج إطار الزواج، إذا تعلق الأمر بأَمَةٍ مع “مالكها”، فهاجسه الأول والمركزي هو تجنب حصول اختلاط للأنساب، لهذا منع على المرأة تعدد الشركاء الجنسيين ولم يمنع الجنس، خارج إطار الزواج، بشكل مطلق.

وهناك من يطالب بإلغاء الفصل 490، أو تعديل المقتضيات المتعلقة بجريمة الفساد، من منطلق آخر هو استحالة تطبيق هذه المقتضيات بدون إلحاق ضرر جسيم بحميمية الناس، عندما يجمع طرفي العلاقة الجنسية فضاء مغلق. لقد اشترط المشرع أن يتم الإثبات بواسطة المحضر التلبسي (أو الاعتراف القضائي) حتى لا تُضَارَّ حريات الأفراد وسكينتهم من إعمال قاعدة حرية الإثبات، فكانت النتيجة أن إعمال وسيلة المحضر تَحَوَّلَ إلى طريق للمعاقبة العملية على الاختلاء، في حد ذاته. وإذا ظلت أحكام “الفساد” كما هي، فمعنى ذلك أن الفضاء الخاص للأفراد سيظل مهددا بالاختراق، في كل وقت وحين، بل، ربما، سيظل، إلى حد ما، عبارة عن جزء من الفضاء العام، فكما لو أن الحق في التوفر على فضاء خاص غير موجود وغير قائم وغير جدير بالاحترام والصون. إننا نخشى، باستمرار، بعد دخول ضباط الشرطة القضائية بيتاً من البيوت، أن يحاولوا إثبات ما يفيد بأن دخولهم لم يكن تعسفيا فيعمدون إلى انتزاع الاعتراف “القضائي” بأي ثمن.

إن اعتماد حصول الاختلاء كقرينة على حصول الفساد، واعتبار ذلك كافياً لِطَرْقِ أبواب البيوت، يجعلان شق التكليف، الذي تنطوي عليه القاعدة القانونية، هنا، متمثلاً في التزام عام بتجنب الاختلاء بين رجل وامرأة في بيت مغلق، وهذا فيه إرهاق للناس وتضييق عليهم وتحميلهم مشقة زائدة لا طائل منها.

لماذا يتجاهل المدافعون المفترضون عن “أسلمة القوانين” طبيعة الفلسفة التي تثوي وراء فرض شبكة دقيقة من الشروط التي تُوجِبُ الشريعة الإسلامية توفرها من أجل العقاب على جريمة “الزنا”، والتي تهدف إلى تحقيق أكبر قدر من الحماية لأعراض الناس وتجنيبهم خطر القذف بالباطل وعواقب اعتبار مجالسة الرجل للمرأة أو الحديث إليها أو الاختلاء بها دليلاً كافياً على حصول المواقعة؟
جاء في القرآن الكريم : ” واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم”، النساء 15، “والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون”، النور 4. وبناء عليه، يتوقف إثبات الزنا، بالإضافة إلى الإقرار، على شهادة أربعة رجال، عاينوا، جميعا، حصول الاتصال المباشر، وليس مقدماته كالعناق والقبلات أو حركات ما بعد انتهائه كارتداء الثياب، أي شاهدوا دخول المرود في المكحلة أو الحبل في البئر.

ويُشترط أن تتوفر في الشهود عدة مواصفات كالعدالة والتكليف. وقيام أية شبهة في الشهود أو في طرفي الواقعة يفرض إسقاط الحد.
إننا نرى أن وجود الفصل 483 كان يجب، في الأصل، أن يغنينا عن الفصل 490، ومع ذلك، فلو أن المشرع المغربي، في إطار فرضية المحافظة على الفصل 490، اختار أن يستهدي، نسبياً، بما جاء في الشريعة، هنا، بخصوص إشكالية الإثبات، لكان، مثلاً، قد فرض شروطاً مشابهة لأحكامها، مثل تعليق متابعة الفاعلين على توفر أحد الظروف الثلاثة الآتية :
– ظرف الفضاء العام : كوقوع الفعلة في ظل شروط للعلانية، أي أن الفعل ارْتُكِبَ في مكان عام أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم (السطح – الشرفة)، مع العلم أن هذه الحالة تنطبق عليها شروط الإخلال العلني بالحياء المعاقب عليه طبقاً للفصل 483 من القانون الجنائي بعقوبة تصل إلى سنتين حبساً؛
– ظرف الفضاء الخاص الذي فُتح على الفضاء العام : كأن يتولى الفاعلان توثيق فعلتهما في صور وأشرطة باستعمال أدوات الاتصال الشخصية المتوفرة لهما (هاتف نقال – حاسوب)، وإِطْلاَعِ فرد أو أكثر عليها أو وضعها في مكان يسمح للآخرين بالاطلاع عليها أو اعتراف أحدهما بتركيب أدوات تصوير متخفية (على ألا ينسحب أثر ذلك على الطرف الآخر غير العالم بذلك)، حتى وإن لم تتوفر شروط الفصل 2-503 جنائي و 59 من قانون الصحافة الخاصة بالمواد الإباحية؛
– ظرف الفضاء الخاص الذي اقْتُسِمَ مع آخرين : وهنا يمكن إثبات الواقعة بشهادة أربعة شهود عاينوا حصول المواقعة، عفوياً، داخل فضاء خاص اقتضت الأحوال اقتسامه مع الفَاعِلَيْنِ، بدون أن يكون هؤلاء الشهود قد اضطروا إلى دخول بيت الغير للتثبت من وقوع الفعل أو اخترقوا حواجز أو استعملوا وسائل تلصص وترصد؛ فلم يُوجَدُوا في المكان بنية ضبط الفاعلين ولم يتصوروا مسبقاً حصول ما حصل.

وكمثال على ذلك، نذكر حالة الشخص الذي يستقبل مجموعة من أصدقائه في بيته، وينزوي رجل وامرأة، من ضيوفه، في أحد أركان البيت ويمارسان الجنس معتقدين أن لا أحد سيراهما، أو حالة العائلة التي يكون أفرادها في سفر وعندما يعودون إلى بيتهم يجدون حارس البيت بداخله يمارس الجنس مع امرأة.
يجب ألا تُحَرَّكَ الدعوى وألا يُقام أي إجراء من إجراءات البحث أو الضبط أو التفتيش إلا بعد توفر إقرار قضائي، أولاً، يرد أربع مرات (قياساً على عدد الشهود) ويتأكد أمام قاضي الحكم، أو بعد شكاية أربعة أشخاص شاهدوا، جميعهم، حصول الفعل، بالصدفة، في فضاء خاص مغلق لم يُخترق؛ وذلك كله احتراما لحرمة المساكن وحفاظاً على حصانة الحياة الخاصة.

ويتعين، في هذا السياق، تغيير تعريف العلانية، الوارد في الفصل 483 من القانون الجنائي، وجعله مقتصراً على مجريات الفضاء العام.
وبالنسبة إلى قضية الخيانة الزوجية، ُيلاَحَظُ، اليوم، أن استعانة الضحية المفترضة بالشرطة القضائية لإنجاز المحضر التلبسي يجعل هذا الأخير يتحول، عملياً، في الكثير من الحالات، إلى محضر لتجريم الاختلاء المجرد؛ وقيام الضابطة القضائية، تلقائياً، بإنجاز المحضر ووضع الزوج الخائن وشريكه رهن الحراسة النظرية، ثم استدعاء الضحية لاستطلاع موقفه، يفرغ شرط الشكاية من كل معنى، لأن هذا الشرط جاء من أجل إتاحة فرصة التستر على ما جرى وتجنب الفضيحة، لإمكان المحافظة على تماسك الأسر ومعنويات الأطفال واستمرار مسيرة الحياة الزوجية، أما أن يُنْجَزَ المحضر ويسري الخبر ويطلع الجيران والأبناء والأقارب على تفاصيل الواقعة، قبل الشكاية، فمعناه أننا أصبحنا أمام حياد عن الهدف الذي توخاه المشرع من اشتراطها.

ولهذا، إذا تقرر الإبقاء على تجريم الخيانة الزوجية، فيتعين ألا يتم أي إجراء قبل قيام الزوج الضحية، أو الزوجة الضحية، بتقديم الشكاية معززة بشهادة أربعة أشخاص، بحكم وقوع عبء الإثبات على عاتق الضحية وحده، ضمن التدقيقات والشروط والاحترازات المعروفة لدى فقهاء الشريعة الإسلامية.
ويمكن أن تُطَبَّقَ على ممارسة الجنس المِثلي نفس قواعد الإثبات المستوحاة من فلسفة إثبات الزنا في الشريعة، أيضاً، حسب التمييز الذي أوردناه، سابقاً، بين ظرف الفضاء العام، وظرف الفضاء الخاص الذي فُتِحَ على الفضاء العام، وظرف الفضاء الخاص الذي اقْتُسِمَ مع آخرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفضاء الخاص والفضاء العام الفضاء الخاص والفضاء العام



GMT 19:50 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

نكتة سمجة اسمها السيادة اللبنانية

GMT 19:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 19:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 19:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

هو ظل بيوت في غزة يا أبا زهري؟!

GMT 19:39 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 19:33 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 19:30 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib