معركة عرسال وتلاشي الجغرافيا

معركة عرسال وتلاشي الجغرافيا

المغرب اليوم -

معركة عرسال وتلاشي الجغرافيا

بقلم - مصطفى فحص

ما بعد معركة عرسال، سيعلن حزب الله انتصار خياره في الذهاب إلى سوريا، هذا الخيار الذي لم يعد يحق لشريحة من اللبنانيين انتقاده بعد أن نجح في تحقيق أهدافه. ففي روايته المقبلة التي ستفرض على الجميع، أن الحزب الذي تحمل كلفة الدم وضحى بخيرة شبابه نجح في حماية رئيس يقتل شعبه، وفي حماية اللبنانيين من إرهاب لم يضرب لبنان لولا تدخله لحماية نظام طائفي، ولكي يمرر روايته ويدفع باللبنانيين لأن يعترفوا بجميله ويسلموا له، مهد مع حلفائه في السلطة، خصوصاً العونيين منهم، على مدى أشهر قبل حرب الحدود الأخيرة لوطنية لبنانية جديدة، أنتجت على حطام دولة معطلة ومجتمع أخفق في إعادة إنتاج قضاياها، فاستسلما أي (الدولة والمجتمع) أمام شعبوية كاسحة سطحية، تسير خلف من تعتبره قوياً وتمجد انتصاراته، وللتعبير عن نفسها، استعانت بأدبيات من كتب البعث ومفردات من قواميس العسكر، فسلمت واستسلمت وتريد ممن يتمسك بموقفه أن يستسلم، وإلا فهو تكفيري وشريك في الإرهاب، فقد نجح الحزب وماكينته الإعلامية والثقافية في تصنيف اللبنانيين بين وطني وخائن، والخائن هنا الذي لم يعد مقبولاً اعتراضه، لأن اعتراضه الآن هو تواطؤ على سلامة لبنان واستقراره.

على الرغم من تدخل حزب الله المبكر في سوريا قبل 6 سنوات، وإعلانه القتال إلى جانب الأسد، فإن النظام كان على وشك الانهيار لولا تدخل الروس في شهر يوليو (تموز) سنة 2015، حيث استطاعت الآلة الحربية الروسية تغيير المعادلة على الأرض لصالح الأسد والميليشيات الإيرانية، حينها اضطرت طهران إلى الترحيب بالتدخل الروسي الذي أنقذها من هزيمة حتمية، وعملت على تصويره ضرورة استراتيجية تتقاطع من خلالها مصالح البلدين، ولكي تحفظ دورها في الشراكة مع الروس شبهته بالزواج الكاثوليكي، حيث لا يمكن لميليشياتها التقدم على الأرض من دون غطاء جوي روسي، في المقابل لا يمكن لموسكو أن توسع سيطرة النظام على الأرض من دون الاستعانة بميليشياتها.

ولكنها اضطرت لاحقاً وعلى مضض إلى التسليم بسيطرة موسكو الكاملة على الملف السوري سياسياً وعسكرياً، وزاد امتعاضها في الآونة الأخيرة بعد أن فرضت موسكو الهدنة في الجنوب السوري بالتعاون مع واشنطن وتل أبيب، هدنة أدت إلى إنهاء أحلامها بالوصول إلى الحدود الأردنية وحدود الجولان المحتلة، وحرمتها من ورقة ابتزاز استراتيجي لإسرائيل، وتزايدت شكوكها حول الثقة بالروس بعد تعزيز تفاهمها مع الأتراك حول الشمال السوري، ولمست خطراً فعلياً بعد اعتراف موسكو بمصالح الولايات المتحدة بسوريا التي ترجمت من خلال دعم الأكراد ووجود عسكري دائم، وغضها الطرف عن 10 قواعد عسكرية أميركية منتشرة فوق الأراضي السورية، وقلقها المتزايد من تقارب بوتين - ترمب الذي يسعى لمساومة الروس على حساب مصالحها.

أمام هذه المتغيرات، دق الحزب ناقوس الخطر، أدرك أن عليه أن يحفظ ماء وجهه أمام حاضنته التي ضحت كثيراً في سبيل نصر وعدت به وتأخر ستة أعوام، أيقن الحزب أن المعادلة السورية الجديدة أكبر من أن يؤثر في مجرياتها، وأن في لعبة الأمم يؤكل حق الصغار، وأن عليه أن يستكمل اندفاعة طهران في تطهير ممراتها التي تربطها مع العراق وسوريا ولبنان، فكان لا بد من تطهير آخر الجيوب المحاذية للحدود اللبنانية في جرود عرسال، والتغطية لمعركة متاحة، حيث يصعب على أي عاقل الدفاع عن إرهابيي «القاعدة» وأخواتها الذين كانوا السبب في تشويه سمعة الثورة السورية وفي تخلي العالم عن دعمها، فنجح الحزب في تحديد زمان المعركة بعد أن أتاح له المكان كل فرص النجاح العسكري والسياسي، نجاح يحتاجه لكي يتمكن هذه المرة من فرض شروطه على اللبنانيين، وبوصفه الحزب القائد الذي نجح في حماية الحدود اللبنانية من الناقورة جنوباً حتى النهر الكبير شمالاً، حماية لم تتحقق لولا تضحيات أبناء الطائفة الشيعية التي بات الحزب ممثلها الأوحد في السلطة والدولة، ومن حقها بنظر الحزب أن تحصل على مزيد من المكاسب مكافأة لها على ما قدمته دفاعاً عن لبنان الجديد، حيث لم يعد مستبعداً أن يطالب الحزب بمؤتمر تأسيسي يعلن فيه قيام الجمهورية الثالثة.

جمهورية لا حدود واضحة لها، حيث تلاشت الجغرافيا كما تلاشت قدرة اللبنانيين والسوريين على الصمود، وأصبحوا رهائن لمواجهات على التلال وبين الوديان التي امتلأت بمستنقعات دم أبنائهم، ففي الجرود بين لبنان وسوريا لن ينسى أهالي القتلى أسماء ضحاياهم، وسيعينهم ما تراكم من شر لكي يبقوا مستعدين لدورة عنف جديدة ستتوفر ظروفها عندما يشعر أحد الأطراف مرة جديدة أنه قادر على الانتصار أو الانتقام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة عرسال وتلاشي الجغرافيا معركة عرسال وتلاشي الجغرافيا



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
المغرب اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 16:13 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
المغرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 13:16 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن
المغرب اليوم - التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
المغرب اليوم - محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:06 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

إطلالات أيقونية لملكة الأناقة رانيا العبد الله

GMT 13:41 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib