قيم إنسانية للدبلوماسية السعودية في لبنان

قيم إنسانية للدبلوماسية السعودية في لبنان

المغرب اليوم -

قيم إنسانية للدبلوماسية السعودية في لبنان

بقلم ـ مصطفى فحص

منذ تكليفيه رئاسة البعثة الدبلوماسية السعودية في لبنان في شهر أغسطس (آب) 2016، لفت القائم بالأعمال السعودي الوزير المفوض وليد البخاري انتباه اللبنانيين في حركته الدائمة وطريقة تواصله مع الشرائح الحزبية والسياسية كافة، والثقافية والاقتصادية، والاجتماعية والروحية، من منطلق دبلوماسية سعودية مستدامة ترتكز على القيم الإنسانية المشتركة، من أجل بناء الإنسان والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، هذا الهدف مكّنه تدريجياً من كسر الصورة النمطية غير المنصِفة المأخوذة مسبقاً عن الدبلوماسية الخليجية عموماً، والتي تكونت لدى بعض النخب الاجتماعية والثقافية والروحية بعد بروز الدور السعودي القوي في لبنان جرّاء رعاية الرياض لاتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، ومشاركتها الكبيرة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ومشاركتها الكبيرة لاحقاً في إعمار ما خلفته الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان في حروب أعوام 1993 1996 و2006، فلِسنوات مضت كان الانطباع السائد أن اهتمام الرياض ينحصر في العلاقة مع الطبقة السياسية وطبقة رجال الأعمال، الأمر الذي أدى في بعض الأحيان إلى تضييق دائرة التواصل بين الرياض واللبنانيين، وتسبب بفتور في العلاقة مع نخب وسطية مؤثرة في صناعة الرأي العام اللبناني، تمسكت بسيادة الدولة وباستقلال مؤسساتها، بعيدا عن الانقسام اللبناني السياسي العمودي الذي أخذ طابعاً مذهبياً بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومن ثم الثورة السورية.
شكل الملتقى الثقافي السعودي اللبناني الذي أطلقه المستشار وليد البخاري في بيروت مدخلاً جديداً لإظهار وجه آخر للقوة الناعمة السعودية، التي استحوذت الأعمال الخيرية والمساعدات الإنسانية على الحيز الأكبر من نشاطاتها، فكان الملتقى فرصة من أجل تعزيز ثقافة الاعتدال والوسطية، ودعم الحوار بين الأديان والتعددية، ومثّل خطوة جريئة للدبلوماسية السعودية لكي تتواصل مع حساسيات ثقافية وفكرية لبنانية، مارست في السابق حذراً في التعامل مع الأنشطة الدبلوماسية التي تقوم بها السفارات الأجنبية والعربية في لبنان، وكانت باكورة جلسات الملتقى تكريم الأديب والكاتب اللبناني أمين الريحاني، الذي زار الملك السعودي المؤسس المغفور له عبد العزيز آل سعود في عشرينيات القرن الماضي، ومن بعده ندوة حول دور أمير البيان شكيب أرسلان - جد زعيم الدروز وليد جنبلاط - في تعزيز الوحدة الإسلامية، إضافة إلى لقاء جمع زعماء الطوائف الروحية الإسلامية والمسيحية في مقر إقامة السفير السعودي، وكانت المحطة الأبرز في جلسات الملتقى اللقاء التكريمي للرئيس المؤسس للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر، وعلاقته التاريخية مع قادة المملكة، ودوره في تنمية البعد العربي في المجتمعات الشيعية، وقد حضر اللقاء شقيقة الإمام الصدر السيدة رباب الصدر، إضافة إلى ممثل عن رئيس حركة أمل، وممثل عن رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وشخصيات وطنية لبنانية شيعية معتدلة، الأمر الذي أثار حفيظة الإعلام الموالي لـ«حزب الله» الذي هاجم الملتقى وشكك في النواياه في هذا التوقيت، والتركيز على نهجه الاعتدالي، وأهداف البخاري من وراء هذا التكريم الذي اعتبر أن «الصدر أحب العرب جميعا، وعمل على التقارب بينهم، وكانت نظرته للمسلمين نظرة وحدوية ترتقي بالإسلام إلى معاني الوحدة والحضارة».
تكريم الإمام الصدر فتح الطريق أمام البخاري للقيام بخطوة لم يقدم عليها سابقا أحد، حيث ختم آخر جولاته على المناطق اللبنانية قبل مغادرته منصبه عائداً إلى الرياض في مدينة صور الجنوبية، حيث التقى يوم السبت الماضي ممثلين عن الطوائف الروحية اللبنانية الإسلامية والمسيحية في المدينة، إضافة إلى زيارته مؤسسة الإمام موسى الصدر، حيث استقبل بحفاوة كبيرة من قبل وجهاء وشخصيات المدينة، ثم انتقل إلى منزل مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، الذي أولم على شرفه بحضور فعاليات دبلوماسية وسياسية. استقبال البخاري في صوْر في هذه المرحلة، يعكس متانة العلاقة بين الرياض وجزء كبير من الجنوبيين، رغم محاولة بعض الأطراف جرهم في صراعات إقليمية، وتحميلهم مسؤولية مواقف هم بمنأى عن تداعياتها، لما تمثله من خطورة على مصالحهم ومصالح أبنائهم المستقبلية.
ومن أجل أن لا تكون جولة البخاري الجنوبية الأولى والأخيرة، فإن الحضور الدبلوماسي السعودي في جنوب لبنان يجب أن يستمر مهما كانت العقبات، مع أهمية وضع الزيارة في سياق الانفتاح والتواصل السعودي ذاته مع القيادة السياسية والدينية العراقية الشيعية المعتدلة، المؤمنة بضرورة تواصل لبنان والعراق مع عمقهما العربي.
من صوْر وجّه البخاري رسالته عن القوة الناعمة السعودية القادرة على التواصل مع من تشاء، والوصول إلى حيث تشاء عبر خطاب الاعتدال والمصالح العربية المشتركة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قيم إنسانية للدبلوماسية السعودية في لبنان قيم إنسانية للدبلوماسية السعودية في لبنان



GMT 23:25 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

بمناسبة المسرح: ذاكرة السعودية وتوثيقها

GMT 19:34 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

لماذا نهتم بالانتخابات الأميركية؟

GMT 19:31 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

مصر وحماس؟!

GMT 19:22 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

الفار والجزار.. (القافية قافية)!!

GMT 19:19 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

ثروة لنا فى روما

GMT 19:12 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

عودة نفرتيتى إلى مصر

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 17:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء
المغرب اليوم - 5 مدن ساحلية في إيطاليا لمحبي الهدوء والإسترخاء

GMT 16:13 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي
المغرب اليوم - أفكار لتزيين واجهة المنزل المودرن والكلاسيكي

GMT 13:16 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن
المغرب اليوم - التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
المغرب اليوم - محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:06 2024 الإثنين ,02 أيلول / سبتمبر

إطلالات أيقونية لملكة الأناقة رانيا العبد الله

GMT 13:41 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib